بمناسبة تكريمه فلسطينيا
نصر جميل شعث من غزة: في نهاية شهر أيار من هذا العام أقام laquo;بيت الشعر الفلسطينيraquo;, بالإتفاق مع laquo;اتحاد الكتاب العربraquo; الإحتفالية الخاصة بتكريم الشاعر المصري محمد عفيفي مطر، وفيها تمّ تسليم الشاعر دِرع laquo;بيت الشعر الفلسطينيraquo;، بالإضافة لتوزيع الكتاب التذكاري في القاهرة التي تستضيف في هذه الأيام مفاوضاتٍ مكثفة برعاية وبوساطة مصرية حثيثة تلقى بإمكانيات وطروحات الحلّ والتوافق، المطلوب، على الأعداء الأخوة في فلسطين. وليس إلا من قبيل العِبرة الحزينة أنْ يَقعَ الإختيار على يوم 30 مايو 2007، لتكريم شاعر مصري له تأثير في الأجيال الشعرية العربية. فهذا اليوم لم يبتعد عن ذكرى laquo;النكبةraquo;- 15 آيار 1948 إلا أسبوعين تمامًا، ولا يفصله عن ذكرى laquo;النكسةraquo;- 6 حزيران 1967 إلا أسبوعًا. إنها تواريخ وأيام ثقيلة كصخرة سيزيف على صدر الأجيال العربية المتعاقبة!
وكان laquo;بيت الشعرraquo; الفلسطيني قد بدأ إحتفالياته بالشاعر مع عودة laquo;مجلة الشعراءraquo; التي صدر العدد (27) منها بعد توقف؛ لتخُصّصَ العددَ الجديدَ ndash; المزدوج ( خريف شتاء ) 2005، laquo;لآخر الشعراء الملوكraquo;، كما كتَبتْ. أيضًا, قام laquo;بيت الشعرraquo; بطباعة مجموعة الشاعر: laquo;صيد اليمامraquo; not;- ( مسامرة الأولاد كي لا يناموا )، في كتاب خاص بالمجلة الحريصة على الإستمرار بالصدور رغم ثقل الليالي الفلسطينية.
غير أنّ إقامة الإحتفالية، في 30 مايو، بين مناسبات الليل الفلسطيني العربي، إنما تحضر بوصفها إضاءة على إضاءة الشاعر لشمعته الـ 72, في عمق الليلين الشعري والعربي الكبيرين.
وإذا كانت هناك من أسئلةٍ يَحار القارىء في الإجابة عليها في إثر جانبِ العنوان الثاني الحريص إطالة المسامرة لخلق الجفوة بين الأولاد والنوم؛ فإنّ إحدى الإجابات العميقة أوّل ما ستتبّدى كسؤالٍ مَركزي عن العلاقة بين laquo;صيد اليمامraquo;، في سهرات قارىء، وبين أوّل قصائد المجموعة laquo;حجر الأجيالraquo;. وليسَ هذا وحسب، فلربما كانت الإجابة الأعمق هي العلاقة ذاتها التي تربطني الآن بـ laquo;صيد اليمامraquo;
و laquo;حجر الأجيالraquo;؛ بوصفي قارئًا فلسطينيّـًا أنتمي للجيل الذي دَرَج الدّارجون على تسميته بجيل laquo;انتفاضة الحجارةraquo;! وكان دعاني أحد الأصدقاء، من رام الله، قبل عامين، لأكتب مقالة عن الشاعر للعدد الخاص به في laquo;مجلة الشعراءraquo;. لم أستطع أن أكتبَ حينها لأنّ الرغبة جاءت من خارجي. كما وألحّ عليّ الصديق علي أبو خطاب أن أكتب، قائلا لي: إذا نويتَ كتبتَ.. إسْهرْ ليلةً واحدةً وفي الصباح ستجد نفسَك انْجزتَ المقالة. حاولت أن أكتبَ، كتبتُ قرابةَ نصفِ صفحة بالقلم، بعد أنْ زوّدني الصديق بمجاميع الشاعر التي كنتُ قرأتها في سُبل وفترات متباعدة في السابق. ولكني عدمْتُ النصفَ صبيحة اليوم التالي، لكون محتواه لم تكن صلبًا، فلا يمكن اتّخاذه حجرًا لبناء مقالة عن الشاعر، أو استعماله في صيد اليمام من تجربته! وها أنا ذا في سهرتي أقرأ من باب الحنين للشعر الجميل في laquo;صيد اليمامraquo;. حيث laquo;مشاغبة الاهداءraquo; بحدّ ذاتها تحدّ تستفزّ نزق القارىء وتُحرّضُ على السفر في اليقظة. فيكتب مربّي اليمام: laquo;إلى الطلائعِ الجديدةِ من الأبناءِ والأحفادْ:/ أطلِق أمامكمْ بعضَ اليمامِ الذي عشَّشَ/ فى قلبي، وأُغْريكم باصطياده../ حياةُ الأمة كلِّها هي آفاقُ طيرانه،/ وأَمَلِي أن تُداوِرُوهُ بشباكِ الفهمِ الكادحِ/ وسهامِ الذكاءِ اليقظِ المتوقِّد../ هذا هو الرِّهـانُ بيننا.. فأيُّنا سيخذلُ الآخرَ/ ويهربُ من صعوبةِ الرهانْ؟!/ أطلقْتُ رهاني وكلِّي ثقةٌ بأنَّكم أذكياءُ/ جادّونَ لا يصعبُ عليكمْ صيد./ أمْ سيكونُ الخذْلانُ منكمْ باستسلامِ/ الصيادينَ للتسليةِ والسهولة،/ والتسليةُ والسهولةُ صيدٌ لا يكلِّفُ جهداً/ ولا مشقَّــة؟!/ لعلَّكمْ ستقولون:/ ما لنا ولهذا الصيدِ في الآفاقِ العالية،/ وما لهذا الشاعرِ لا يَضَعُ ما يريدنا/ أن نصيدَ على أطرافِ أصابعنا وفي/ أكفِّ أيدينا؟!/ هوَ رهانٌ بيننا إذن. فهيَّا اخْرجوا معي/ إلى براحِ السَّهرِ الصعب/ وبيننا الأفقُ الوسيعُ ليمامِ القراءةِ/ الكادحةِ والذكاءِ النبيل.raquo; وباعتباري قارئـًا مُحبّا للقراءة لا ناقدًا بالمعنى العميق، أجتهد بتقديم قراءة أعترف مسبقـًا بأنها متواضعة أمام إجمالي تجربة شعرية متعدّدة الاقتراحات الجماليّة تستحق التعمّق فيها. وليس بوارد، على الأرجح، أن يدلفَ المرء، دفعة واحدة، في سهرة ممتدة حتى الصباح، لمكنونات تجربة شاعر كغفيفي مطر.
لذا، أكتفي بالتركيز على قراءة قصيدة laquo;حجر الأجيالraquo; والعلاقات والتحولات التي تُشكّلُ إيقاعاتِ جانب من السياق الدلالي في المجموعة.
فنتساءل بدئيًا: هل نحن أمام دعوة بدائية من الشاعر laquo;صيد اليمامraquo; بـ laquo;الحجرraquo;؟ الإجابة على سؤال كهذا، نجدها في العلاقة بين laquo;صيد اليمامraquo; في سهرات قارىء، وبين أوّل قصائد المجموعة laquo;حجر الأجيالraquo;. وهي علاقة تبعث إلى إدراك وظيفة الحجر كأداة في أياد الأولاد للرماية على الطرائد والثوابت من الطير والحيوانات والشجر. لوهلة أولى، نَظنّ باحتمال النزعة العدوانية بحق الطبيعة. ولكن المفاجأة التي ستنجلي عن تحولاتٍ في الحجر واستعمالاته؛ ستتمثل في حركة الإرتداد الخفيّة والعميقة للإجراءات، أي أننا نشهد ارتداد عكسيًا لاتجاه مسار العلاقة بين الحجر واليمام، على صعيد الإستعمال والبناء المعنوي، من حجر صائد إلى حجر مُصطَاد! وعندما ندرك أو نتذكّر الحجرَ بوصفه جسدًا مهزومًا. فإنّ هذه الإدراك والتذكّر يطالبنا باسترجاع قصة ارتداد ذخائر البنادق العربية إلى صدور مستعمليها في أحد أعراس النكبة العربية! في ظلّ فلسفة نكبة الإستعمال هذه، تنطلق دعوة شاعر للأجيال؛ لأجل صيد المعاني الكامنة في تحوّلات الحجر، وتحرير يَمام الذكاء للنجاة. فالقصيدة هي تحدّ ومسؤولية ثقيلة، لا ترد في شكل إجراءات عمل مطلوب، ولكنها أسئلة في العمق، يربطها الشاعر بمسيرة الحجر عبر رصده للتحولات الجوهرية والشكلية التي جرت وتجري عليه.
فيبدأ الشاعر القصيدة بمناداة حجر بعيد، في الذاكرة يعرفه، مَعرفة آمنة، حجرًا مأمونَ الجانب يبسط وجهَه على عتبة العمر (الطفولة) والبيت. أنها معرفة شيء لذاته في مكانه. قبل أن تجري عليه وعلى الأولاد الذين يخاطبهم الشاعر بالأجيال، التحولاتُ التي انطوَتْ على سؤال الشاعر المتكرر لا للحجر هذه المرة, ولكن لصمت الحجر. ففي آخر مقطع من القصيدة يتسأل الشاعر: laquo;هل صرختك الملساء الحبلى تحملها عربات خراب مندفعة/ بنقلها بناءؤن لصوص من أعتاب البيت/ لبناء السجن وتعلية الأسوار؟!/ أم هذي الصرخة فجر فضاح مكتومْ/ سيشعشع حين يدق الولد الآتي ndash; من ظلمات الغيب ndash; نواة المشمش والخروب؟!raquo;. بينما في بداية القصيدة ساد الأمنُ العلاقةَ بين الحجر ولهْو الأولاد فوق العتبة؛ not;فكانوا في شمس طفولتهم وصباهم يصطادون فَراش الأحلام: laquo;يا حجرًا أعرفه مذ كنت صغيرا ألهو/فوق العتبة./ وأدق عليك نواة المشمش والخروبْ/ في المدخل../ كنت تنام عميقـًا../ لا توقظك الشمس ولا/ هرولة الأقدام./ كنا في شمس طفولتنا وصبانا/ نصطاد فراش الأحلام.raquo;