نادراً ما تحتفظ وصال في هاتفها المحمول بأسماء الناس الحقيقية، سواء أكانوا من أهلها أو من أصحابها أو من زملائها وصديقاتها، مثلاً .. أخواتها وبناتهن يحملن أسماء مثل: دجاجة الوادي السعيد، جازورا، دونت، قبيلة البط، بان كيك، قردتي، ذبابتي، وشاي بالنعناع. أمَّا الشباب فيحملون أسماء عنيفة وقاسية مثل: الموج الهادر، أبو الزعانف، القرش الأسود، المجنون بالشاورما، الزعيم وهكذا. أمَّا زملاؤها بالعمل ولأنها لا تحب معظمهم فلهم أسماء مثل: الفطر العفن، الورقة المخرومة، سيد الغباء، أكرهك كرهاً أعمى، صاحبة القميص المسروق، يا للقبح، وبالطبع للرؤساء أسماء مثل: الرأس الحادة، المصران الأعور وذي القرنين.
هذا هو حالها الذي تعتبره أمراً خاصاً ومسلياً، حيث يُذكِّرها الاسم بالشخص، وكم هي تحبه أو تكرهه أو تستلطفه، وأحياناً حين يصيبها الملل تفتح القائمة وتستلذ بقراءة الأسماء وتقهقه بينها وبين نفسها. معاناتها الوحيدة حين يتصل بها أحد ويسألها عن رقم فلان أو فلانة، ودائماً ما يحدث هذا وتضطر بدلاً من إرسال بطاقة الأعمال ـ عبر رسالة قصيرة من قائمة الأسماء ـ إلى أنْ تقوم بفتح القائمة ونقل الرقم المطلوب ثم تتصل مرة أخرى وتعطيه للسائل. هذه الحركة تزعجها وتأخذ من وقتها، لكن تنسى أنْ تفعل ذلك أحياناً وتتسبب في مشاكل بين الآخرين.
المرة الأولى التي وقعت فيها في ورطة مع أصحاب الألقاب التعيسة، حين طلب منها زملاؤها بالعمل رقم زميلتهم السابقة هناء التي خرجت من العمل قبل سنتين، كانوا يريدون تهنئتها بالزواج وشكرها لإرسالها علبة حلوى للجميع، بعضهم أضاع رقمها وبعضهم لم يحتفظ به، وكانوا يعلمون أنهما متقاربتان ولا بد أنَّ وصال تحتفظ برقم هناء، فأرسلت رسالة واحدة لمجموعة العمل كلها وكانوا 32 شخصاً:
الاسم: الفطر العفن
الرقم: ؟؟؟؟؟؟؟
أصابتهم الدهشة، وأنَّبوها وبعضهم صرف وجهه عنها، لأنَّ من تدعوها بالفطر العفن كانت فتاة طيبة رقيقة، لم تستطع وصال أنْ تشرح لهم أنَّ تلك الفتاة من وجهة نظرها ما هي إلا فطر عفن، فقط اعتذرت وقالت: سوء فهم.
الأسبوع الماضي اتصلت بها ابنة أختها أريج وسألتها عن رقم ابنة خالتها شذى، لأنها فقدت جميع الأرقام من هاتفها حين وقع بنافورة الجامعة، كانت وصال منشغلة جداً وقالت لها سأرسل لك بطاقة أعمال بالرقم، وهذا أمر طبيعي، انتظرت أريج الرسالة حتى رن هاتفها مُعلناً عن قدومها، فتحتها:
الاسم: زينب السفاحة قاتلة عصافير أريج
الرقم: ؟؟؟؟؟؟؟
استغربت أريج من الاسم، وانفجرت غاضبة لأنها لم تفهم أولاً هل هذا اسم شذى أم هي رسالة؟ فاتصلت بوصال تطلب شرحاً، أحرجت وصال لأنَّ للاسم علاقة بأريج، قالت لها: مجرد عنوان، ردت الأخرى بغضب وما علاقته عصافيري؟ سكتت وصال.
أغلقت أريج الخط غاضبة مستشيطة لأنها عرفت أخيراً أنَّ شذى هي من قتل عصافيرها، ومن لحظتها قطعت أريج علاقتها بشذى، ووطدت علاقتها بخالتها وصال لأنها نبهتها إلى قبح بنت خالتها وصديقتها شذى. لم تقصد وصال هذا ولم تكن تعلم شيئاً عن عصافير أريج، لكن ما حدث قد حدث ولم تفلح محاولاتها في الشرح والصلح.
اندهشت وصال من نفسها وفكرت أنْ تلتزم بمسح جميع الصفات وأنْ تضع الأسماء الحقيقية مكانها، استاءت من هذه التكنولوجيا التي تخترق أفكارها، فتسجيل الأسماء على النحو الذي اختارته مجرد فكرة طريفة من أفكارها الخاصة، أجلَّت الموضوع حتى تجد وقتاً كافياً تنقل فيه الأرقام والأسماء ثم تعيدها إلى ذاكرة الهاتف وهذا يتطلب يومين على الأقل. وحتى يتم ذلك فقد وعدت وصال نفسها بألا تبعث بطاقة عمل لأي شخص على الإطلاق، هذا الوعد قطعه اتصالٌ بعد أسبوعين من زميلها ناصر الذي طلب رقم علي لأنه خارج البلاد ومضطر إلى محادثته الآن، ولأنها نسيت نقل الأسماء والقائمة على الهاتف كما هي، ولأنها أيضاً كانت تقود السيارة في شارع مزدحم فقد بعثت رقم علي فوراً في بطاقة أعمال:
الاسم: سيد الغباء
الرقم: ؟؟؟؟؟؟؟
حين استلم ناصر الرقم سقط ضاحكاً، وأرسل الرسالة لعلي كما استلمها، تفاجأ علي واتصل بناصر مؤنباً وغاضباً ومستفسراً عن هذه الرسالة، ناصر لم يتمكن من كتمان ضحكته وانفجر قائلاً لعلي: هذا اسمك في هاتف وصال.
لم يتأخر علي في الرد على وصال التي لم تكن تعرف ماذا حدث ولم تنتبه لما أرسلته، رن هاتفها بإشارة رسالة قصيرة، فتحت الرسالة وقرأت:
quot;إلى سيدة الخراطيش وصاحبة الحرافيش، البغيضة اللئيمة، احذفي رقمي من هاتفك ولا تريني وجهك بعد اليوم يا عبقريييييييييية، من: سيد الغباءquot;

كاتبة ومترجمة
[email protected]