توفي صموئيل بيكيت الشخصية البارزة في ميدان المسرح والرواية والشعر في 22 ديسمبرعام 1989 عن عمر ناهز الثلاثة وثمانين عاماً في إحدى مستشفيات باريس بعد أن أمضى وقتاً في دار رعاية المسنين. دفن وحسب وصيته في مقبرة مونتبرناس بعد حفل جنائزي خاص. حين عرف هارولد بنتر بموته تذكر لقاؤه الأول به في باريس عام 1961 قائلاً: quot;لقد سهرنا معاً تلك الليلة وبقينا نشرب طوال الليل بحيث لم استطع أن أتعافى من ذلك إلا بعد فترة ليست بالقصيرة. لقد كان بيكيت مبدعاً ملهماً لكل الكتاب لاسيما بالنسبة لي. كانت علاقتي به هي بمثابة أفضل اللحظات في حياتي. لقد كان إنساناً صاحب موّدة لاحدود لها كصديق وككاتب. في كتابته كان لا يعترف أو يقبل بأية تخوم. لقد كان بيكيت شجاعاً في حياته وفنه. quot;.
ولد صموئيل براكلي بيكيت في دوبلن في ضاحية تدعى فوكسروك في في 13 أبريل (نيسان) على الرغم من أن تأريخ ميلاده كان في الواقع مثار شك وجدل الكثيرين، فقد قيل أن تأريخ الولادة المثبت في شهادة ميلاده هو 13 مايو (مايس) وليس أبريل (نيسان) إلا أنه إختار الأخير لأنه يصادف يوم الجمعة الحزينة، الليلة السابقة لعيد الفصح!.
والده وليم بيكيت كان يعمل مسّاحاً، أما والدته روي بيكيت فقد كانت تعمل ممرضة قبل زواجها. نشأ بيكيت وأخاه الأكبر فرانك نشأة بروتستانية، وكان تأثير الصرامة الدينية التي مارستها والدته معهما أنذاك قد تركت في نفسه غضباً وضجراً وكراهية نحو اللاهوت ونحوها لفترة غير وجيزة. واصل صموئيل تعليمه في معهد بورتورا الملكي في إينيسكيلين ومن بعد في كلية ترنتي في دوبلن هناك حيث تخصص في دراسة اللغتين الفرنسية والأنكليزية. حصل على بكلوريوس الفنون عام 1927 وشهادة ماجستير الفنون عام 1931.
أمضى سنتين في باريس محاضراً في اللغة الأنكليزية في برنامج متبادل بين جامعتي البلدين، وهناك إلتقى مواطنه جيمس جويس الذي سيصبح صديقاً حميماً له فيما بعد، وتعرّف في ذات الوقت على شخصيات أدبية وفنية أخرى. ليس صحيحاً بالطبع ما أشيع عنه من أنه كان يعمل سكرتيراً لجويس، والصحيح هو أنه كان صديقاً قريباً ومساعداً له ضمن حلقته، يقرأ له مخطوطاته بعد أن أصبح غير قادر على القراءة لضعف بصره أو ربما العمى الكلي.
أول مقالة كتبها كانت عن جويس ذاته، أما أول قصيدة له فقد نشرت عام 1930 وكانت بعنوان (Whoroscope) تبعها بمقالته الشهيرة عن مارسيل بروست. في عودته لإيرلندا كان يدرسّ اللغة الفرنسية والأيطالية في كلية ترنتي، إلا أنه في عام 1932 إستقال فجأة وغادر إيرلندا وفرض على نفسه منفىً إختيارياً في لندن ثم راح يجول بعدها في فرنسا ثم ألمانيا قبيل إنتقاله للأقامة بشكل دائم في باريس عام 1937. نشر في تلك الفترة مجموعة قصص قصيرة بعنوان quot; وخزات أكثر منها ركلات quot; وديوان شعر بعنوان quot; Echorsquo;s Bones quot; والجزء الأول من روايته الأولى quot; مولي quot;. في إقامته في باريس أصبح بيكيت شخصية مألوفة في مقاهي ليفت بانك، وواصل علاقته الحميمة بجويس وبفنانين آخرين أمثال ألبيرتو جاكوميتي الذي سيصمم له شجرة غودو فيما بعد، كذلك ربطته علاقة يومية بمارسيل دوتشامب (الذي كان يلعب معه الشطرنج). في عام 1938 وفيما كان يتمشى مع صديق له في أحد شوارع باريس طعنه أحد الشحاذين بسكين ثقبت له إحدى رئتيه وكادت تخترق شغاف قلبه.
تعافى بيكيت بعدها من جرحه إلا أن تلك الحادثة تركت في نفسه جرحاً سيكولوجياً، إذا جاز القول. كان بيكيت قد قام بزيارة ذلك الشحاذ في سجنه مستفسراً منه عن سبب إعتدائه عليه، فكانت إجابته: quot; أعتذر أيها السيد، لا أعرف لماذا.quot;. يومها تنازل بيكيت عن القضية، إلا أنه ومنذ تلك اللحظة أدرك وأكثر من أي وقت مغزى كلمات ذلك الشحاذ وتأثير الصدفة والفعل العشوائي في حياتنا.
كان بيكيت، قبل ذلك الحادث أو بعده، قد إلتقى بفتاة تدرس البيانو إسمها سوزان ديسكافوكس داميسنيل، المرأة التي ستصبح زوجته فيما بعد، والذي إختار البقاء معها أنذاك في فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية على العودة آمناً إلى إيرلندا. يومها أصبح ناشطاً متميزاً في حركة المقاومة الفرنسية ضد الأحتلال النازي. لقد إضطرا معاً، على الهرب من باريس والأتجاه إلى روسيلون جنوب فرنسا بسب إكتشاف النازي للخلية التي كانا ينتميان إليها، يومها صار يعمل أجيراً زراعياً في الحقول مستأنفاً بحيوية وحماس إيصال الرسائل إلى المقاومة وقيل يومها للطرافة أنه كان أشبه بصندوق بريد!. أنجز خلال تلك الفترة روايته quot; وات quot; ويُعتقد أن معاناة الأختباء خلال فترة الحرب هي التي ألهمته كتابة مسرحية quot;في إنتظار غودوquot; ورواية quot; Mercier and Camier quot;. في نهاية الحرب عمل بيكيت في مستشفى الصليب الأحمر الأيرلندية في سانت لو، وقد منح فيما بعد وسام الدولة الفرنسية للشجاعة لقاء خدماته البطولية مع المقاومة الفرنسية. بعد quot;واتquot; بدأ يكتب بالفرنسية، اللغة التي سمحت له كما لاحظ كاتب سيرته ريتشارد إيلمان : quot;من أن يتحرر بشكل خاص من تقاليد اللغة الأنكليزية quot;.

السنوات 1947ـ1952 كانت من أفضل فترات عطاءاته الأبداعية، حيث إستطاع أن ينتج جل أعماله خلال تلك السنوات الخمس، فقد كتب مسرحيته الأولىEleutheria وتبعها بمسرحيته quot; في إنتظار غودو quot;التي قال أنه كتبها بقلم رصاص في دفتر مدرسي منجزاً إياها في فترة أربعة شهور. وقد أكمل خلال تلك الفترة أيضاً الأجزاء الأولى من ثلاثيته الروائية quot; مولي، مالون يحتضر، اللامسمىquot;.شهدت مسرحية quot;في إنتظار غودوquot; عرضها الأول في باريس على قاعة مسرح بابيلون 1953 وكان أخرجها الممثل والمخرج الفرنسي روجر بلين. أما في إنكلترا فقد تولى إخراجها بيتر هول عن النسخة المترجمة من قبل بيكيت نفسه (قيل أن بيكيت كان متذمراً وغاضباً من عرض هول). عام 1956 قام المخرج مايكل مايربيرغ بإخراج النص في ميامي على قاعة مسرح كوكانات غروف مع الممثلين توم إيويل وبيتر لار، ثم إنتقلت المسرحية إلى برودواي من نفس العام مع مخرج آخر هو ألان شنايدر والممثل إيويل. لم تلق المسرحية يومها ثناء أو صدىً طيباً من قبل النقاد الأميركان ربما بإستثناء الناقد إيريك بنتلي، ثم توقف المسرحية بعد 59 يوم من عرضها. بالتوازي مع عرض المسرحية في لندن كان بيكيت أكمل مسرحيته الثانية quot;نهاية اللعبةquot;، هذه المسرحية المرادفة للعبة الشطرنج والتي يضطهد فيها السيد هام خادمه كلوف في غرفة تحت الأرض وهو يتطلع نحو فراغ العالم، فيما

مع جياكوميتي
يعيش والداه في صندوقي قمامة.تبعها مباشرة بمسرحية إذاعية إسمها quot;كل الساقطينquot; والمونودراما quot;شريط كراب الأخيرquot; التي كتبها خصيصاً للممثل باتريك ماغي كما ذكرنا. عام 1958 وخلال عام واحد كتب مسرحيتان هما quot;الجذواتquot; وquot;فصل بدون كلمات quot;. أما مسرحية quot;الأيام السعيدة quot; فقد أكملها عام 1961 والتي فيها تدفن ويني الشخصية الرئيسية في كثيب رملي حتى ثدييها في الفصل الأول ومن ثم حتى عنقها في الفصل الثاني.
إبتداءً من الستينات صار بيكيت يكتب مقاطع أو شظايا درامية موجزة إختفت فيها شخصية المهرج مستبدلاً إياه بشخصيات شبحية شبه مرئية تنازع لتستبقي أو تحتفظ بتأثير واهن من إحساسها بذاتها وبالمكان الذي تتحرك أو تتكلم فيه. فقد كتب في تلك الفترة مسرحيات إذاعية وتلفزيونية بضمنها مسرحية quot; مسرحية quot; 1963 والتي يغمر فيها ثلاث شخصيات في وعاء كبير مليء برماد الموتى. وفي ذات العام أنجز مسرحية إذاعية بعنوان Cascando وأيضاً مقطع سردي بعنوان Imagination Dead Imagine.
قام بيكيت برحلته الوحيدة إلى الولايات المتحدة عام 1964 لغرض تصوير فيلمه القصيرquot;فيلمquot; المأخوذ عن مسرحيته التي بنفس الأسم، والذي أخرجه شنايدر بمشاركة باستر كيتون. في العام 1966 أنجز مسرحيتان هما: quot; Eh Joe quot; و quot;تعال وإذهبquot;. حين سجن الكاتب الأسباني فرناندو أرابال في مدريد عام 1967 بتهمة الخيانة العظمى، بعث يومها بيكيت برسالة إلى مدريد أسهمت حقاً في إطلاق سراحه، وكرّد فعل لذلك الجميل نشر أرابال تلك الرسالة على الغلاف الخلفي لمجموعته المسرحية. علاقة بيكيت بالكاتب المسرحي العبثي فرناندو أرابال ترجع إلى عام 1957. سئل أرابال مرة إن كان قد لعب الشطرنج مع بيكيت أجاب بعجالة: quot;كلا.. والسبب أنني لا أريد أن أفقدهquot;. حاز بيكيت على جائزة نوبل في الأدب عام 1969، وقد قال كارل لانجر سكرتير الأكاديمية السويدية حينها أن كتاباته quot; ... بزغت مثل مرثاة لكل الجنس البشري، مفتاحها المكتوم يعلن الحرية للمقموعين والعزاء لمن هم بحاجة إليها.quot;. كان بيكيت يومها يقضي إستراحته هو وزوجته سوزان في تونس والتي عّلقت إبان سماعها الخبر بكلمة: quot; يا للكارثة quot; ظناً منها أن تلك الجائزة ستقلب وتغيرّ كل نمط حياتهما الذي تعوداه!. أما بيكيت فيقال أنه توارى في إحدى القرى التونسية كي لايذهب لإستلام الجائزة. وبالفعل رفض الحضور لأستلامها وبعث عوضاً عنه ناشره وصديقه جيروم لاندون، وقيل يومها أنه أوصاه بأن يخصص كل مردود تلك الجائزة والتي تبلغ قيمتها مايساوي 72:800 دولار للفنانين المعوزين.
في مقابلة أجراها معه الكاتب الأمريكي مل كَاسو يذكر الممثل جاك ماكوران: quot;إن عدم قبوله جائزة نوبل سببه أنه شعر في أعماقه بنوع من الحياء لأن كان يظن أن جويس مواطنه وصديقه هو الوحيد الذي يستحقها لأنه هو من أثار الأنتباه إلى اللغة الأنكَليزية وأحدث رؤية جديدة كاملة فيها على حد قولهquot;. واصل بيكيت كتاباته للحفاظ على خصوصيته، إلا أن مسرحياته ونثره أصبحا أكثر إيجازاً كما يبين ذلك في مسرحية quot; Not 1 quot; التي كتبها بعد رحلة إلى المغرب عام 1972 والتي رسم فيها الشخصية الرئيسية على شكل فم إمرأة مثقل بأحمر الشفاه، وكذلك مسرحية quot; تلك المرةquot; عام 1976 والتي فيها تظهردائرة ضوء تنير رأس رجل وعليه هالة من الشعر الأبيض، ومسرحية quot;لعبة الراكَبيquot; التي كتبها عام 1980 تلعب فيها الدور الرئيسي إمرأةعجوز تؤرجح نفسها وتهزها بعنف حتى الموت. في هذه المسرحيات إختار بيكيت أن يعالج ماسمّي يومها بـ quot; النزاع مع مناجاة النفس quot; من خلاله كان ينخل الماضي وتحّمل وزر مواصلة الحياة. كتب مسرحيات للأذاعة والتلفزيون، وقطع نثرية سماها quot;ثفل ومُزقquot;. إثنان من قطعه النثرية نشرت كروايات قصيره هما: (Worstward Ho) و (. (Company
في الثمانينات صار بيكيت أشبه بأيقونة مازالت باقية على قيد الحياة، فعلى الرغم من توكيده من أنه لم يعد يمتلك شيء ليقال، إلا أنه واصل البحث عن طرق للتعبير عن نفسه.
مع الوالدين
كتب مرة عن الرسم قائلاً: quot;لايوجد شيء للتعبير عنه، ليس هناك مقدرة أو حتى رغبة على التعبير، لكن هناك في نفس الوقت إلتزام ما... للتعبير. الالتزام كان بالنسبة لبيكيت شيء لايمكن مقاومته، وهذا ما يتعارض تماماً وتأويلات نتاجاته. كان يزور لندن بين الحين والآخر للإشراف على عروض مسرحياته، أو يسافر إلى ألمانيا هناك حيث كان يعمل بتكرار على مسرحيات تلفزيونية. في العام 1975 قام بنفسه بإخراج مسرحيته (في إنتظار غودو) بنسختها الألمانية وكان قد عمل مساعداً للأخراج معه والتر دي آسموس المخرج الألماني الذي يتولى إخراج النص ذاته الآن على مسرح باربيكان والذي يستأنف عرضه منذ عام 1991. كانت لدى بيكيت شراكات إبداعية وتعاون حميم مع ممثلين بارعين أمثال جاك ماكوران، باتريك ماغي، بيللي وايتلو وديفيد ويريللو وسواهم وعمل مع مخرجين لامعين عديدين لاسيما صديقه آلين شنايدر الذي أخرج معظم العروض الأولى لمسرحياته في أمريكا. حينما قتل شنايدر في لندن إثر حادث سير عام 1948 كان ذلك بالنسبة لبيكيت كارثة كبرى. حافظ بيكيت على مألوفه اليومي في سنواته الأخيرة فقد عاش هو وزوجته سوزان في شقة في شارع سانت جاكويس، تلك الشقة التي تحيطها من جوانبها الثلاث مقبرة الحي المجاورة من جانب وسجن سانتي من جانب آخر ومستشفى للمجانين من الجانب الثالث.! وكان يزور بيته الريفي الذي يبعد حوالي 60 ميلاً عن باريس.هو وزوجته سوزان بإنتظام. كان بيكيت يرتاد المقهى المحلية بشكل يومي يلتقي أصدقاءه، يشرب قهوة إيسبريسو ويدخن مختلف أنواع السجائر، ولم ينقطع قط عن الكتابة فقد كان يكتب بشكل دوري مسرحيات قصيرة وقطع نثرية صغيرة. ُنقل هو وزوجته سوزان إلى دار المسنين إثر سقوطه المفاجىء في شقته، وهناك واصل إستقباله الزائرين من أصدقائه ومريديه.
عاش عامه الأخير في غرفة صغيرة مفروشة، وكان لديه جهاز تلفزيون يتابع من خلاله مشاهدته لمباراة التنس وكرة القدم، وكانت لديه بعض الكتب بضمنها نسخة قديمة للكوميديا الألهية لدانتي باللغة الأيطالية يحتفظ بها منذ طفولته. آخر عمل نشر له وهو مايزال على قيد الحياة هو Stirrings still وهي قطعة نثرية قصيرة نشرت بمناسبة بلوغه الثلاث والثمانين عاماً، الشخصية الرئيسية فيها شخص يشبه الكاتب يجلس وحيداً في غرفة أشبه بزنزانة لحين ظهور مثيله أو شبيهه وتلاشيه من بعد.
بعد وفاة زوجته في 17 يوليو من عام 1989 غادر بيكيت دار المسنين لأول مرة لحضور جنازتها، وبعد مرور فترة على وفاتها إشتد به المرض فإنتقل إلى مستشفى باريس ليموت هناك في 22 ديسمبر من نفس العام.

قائمة بمسرحياته
1953 في إنتظار غودو.
1957 نهاية اللعبة . كل الساقطين. فصل بدون كلمات1. شريط كراب الأخير.
1958 الجذوات.
1959 فصل بدون كلمات 2 .
1961 الأيام السعيدة.
1962 كلمات وموسيقى.
1963 Cascando . مسرحية.
Eh Joe 1966 . تعال وإذهب.
1969 َنفـَسْ.
1972 Not 1
1976 تلك المرة. وقع الأقدام. ثلاثية الشبح.
1977 But the cloudshellip;. (إذاعية)
1980 نموذج مونولوغ. لعبة الراكَبي.
1981 Ohio Imprompyu
1982 الزوايا الأربعة. الكارثة.
1983 Nacht und Traume. What Where.

(مراجع ذات صلة)
I: Conversation with And About Beckett.Mel Gussow.
II: Why eckett.Enock Brater.
III: Absurd Drama. Introoduction by Martin Esslin.
IV: The Beckett Actor.Jordan R. Young.
V:The Cambridge Companion To Beckett.Edited by John Pilling.

علي كامل
لندن 2006
[email protected]

إنتهى القسم الأول وسيليه القسم الثاني (في إنتظار غودو)