أعتقد أن قناة إقرأ الفضائية لابد أن تغير إسمها لتصبح قناة "إكره" الفضائية، فماشاهدته على قناتها بالصدفة أقل مايقال عنه أنه ينضح بالكراهية والحقد والغل، وقد عرفت منه سرالتطرف الذى إجتاح عالمنا العربى الإسلامى وتأكدت من أنه لم ينطلق من فراغ بل أصبحت تغذيه وتنميه وتنفخ فى ناره مؤسسات وفضائيات لاهم لها إلا دفعنا إلى القاع وتربية أطفالنا وشبابنا على كراهية الآخر ونفيه، فيكبر الطفل وهو يتوهم أن كل ماعداه ومن هم خارج محيطه ودينه كفار مارقون يجب قتلهم ونفيهم ومطاردتهم، ويصبح كل طفل صغير مشروع إرهابى صغير، ويصير من لم يبلغ الحلم بعد قنبلة زمنية موقوتة تنفجر فى أى لحظة لتحرق الأخضرواليابس، ففى إحدى حلقات برنامج "مجلة المرأة المسلمة" والذى إعتقدت أنه سيستضيف إمرأة تتحدث فى قضايا النساء وهمومهم أو عالم إجتماع يناقش العنف ضد المرأة أو حتى شيخ يفتى للنساء فى مايلتبس عليهن من أمور، لكن المفاجأة أن المذيعة وأعتقد حسب ماتسعفنى الذاكرة أن إسمها دعاء عامر، هذه المذيعة إستضافت طفلة صغيرة عندها ثلاث سنوات فقط ترتدى حجاباً سميكاً وتى شيرت مغطى بقميص بأكمام طويلة حتى لاتظهر الفتنة الطفولية الفتاكة وتغوى وتغرى المشاهدين الغلابة، والتى شيرت لونه أسود مكتوب عليه "نصر الله قريب" تخيلت معه أن هذه الطفلة عضو فى حركة حماس ينقصها رشاش وقنبلة مولوتوف، ولكنى أفقت من تخميناتى بعد ماقدمتها المذيعة بجملة "نستضيف فى هذه الحلقة الطفلة بسمله بنت أختى فى الله هويدا وأخى فى الله الفنان وجدى العربى...الخ"، وبسلامة نيه وبراءة مشاهد فضائى قديم إنتظرت من المذيعة أن تسأل هذه الطفلة الصغيرة عن أنواع البامبرز التى ترتديها؟، أو هل أخذت التطعيم الثلاثى؟، أو على أقصى تقدير تباغتها بسؤال إعلانى لئيم عن نوع آخر مصاصة أو كيس شيبسى أو قطعة مولتو تناولتها هذه الطفلة البريئة؟، ولكن خابت كل توقعاتى فقد سألتها المذيعة سؤالاً رهيباً جعلنى أفقد الوعى من فرط كلكعته ومن هول المفاجأة، فقد كان السؤال هو عن رأيها فى اليهود وكأنها الدكتور عبد الوهاب المسيرى أو الباحث الإستراتيجى عبد المنعم سعيد!!، والمفاجأة الأكبر أن الطفلة بسمله أجابت على سؤال المذيعة بأنها تكرههم لأنهم قردة وخنازير وبيصنعوا البيبسى!، وبالطبع فرحت المذيعة وقفزت من الإنبساط وأخذت تدعو للطفلة العبقرية بأن يقوى الله إيمانها فهى ضيفتها فى الله، وأصرت المذيعة على أن تعلمنا الطفلة الإستراتيجية بسملة درساً فى كراهية اليهود من خلال قصة حكتها لنا بسملة ملخصها أن سيدة يهودية وضعت السم للرسول عليه الصلاة والسلام وعندما سألها الرسول عن السبب فى وضع السم؟!، قالت له إنه إختبار لمدى صدقه، فلو أثر فيه السم فسيكون كاذباً ولو نجا منه سيكون صادقاً، وكادت المذيعة ترقص فرحاً لولا أنها تعمل فى قناة إسلامية محتشمة ترأسها الراقصة الإستعراضية السابقة صفاء أبو السعود، ودعت لنا السيدة المذيعة بأن يرزقنا الله مثل الطفلة المؤمنة بسمله، وبالفعل هى طفلة جميلة أمورة لا ذنب لها ولكن التشويه الذهنى الذى حدث لها وجعل منها ومن ملايين الأطفال غيرها ألغام بشرية بحفاضات، وأصابع ديناميت تحبو وهى تمسك بالببرونه، ليس هذا التشويه ذنبها بل ذنب الأسرة والمدرسة والمجتمع الذى يبث مثل هذه الأفكار المسمومة النافية للآخر الكارهة له القابلة لقتله بأعصاب باردة والتى تعتمد على تفسيرات تؤجج نار الفتنة والحقد والدمار والعنف، والمدهش أن نفس قناة "إكره" أقصد إقرأ بعد هذا البرنامج بفترة إستضافت والد الطفلة الفنان الملتحى ووالدتها المنقبة فى برنامج مواجهات بركات، وظلت الأم تحكى حكايتها مع النقاب وتنطق الآيات القرآنية خطأ وتنصب الفاعل وترفع المفعول فى مذبحة علنية للغة العربية وبديهياتها، وعندما روجعت فى أخطاء اللغة قالت "أصل اللغة العربية والنحو صعب قوى"، المهم أننى عرفت بعدها الجذور التى تفرعت منها سيقان كراهية الآخر، والتى هى للأسف تتكرر فى معظم البيوت والمدارس المصرية والعربية، فقد أصبح اليهودى هو الصهيونى، وخلطنا بين اليهودية كديانة يجب علينا إحترامها والصهيونية كسياسة عنصرية علينا مواجهتها، وزرعنا فى أذهان الأطفال أن اليهودى يستحق القتل، والمشكلة أن هذا المنهج سيمتد ويتوسع ليشمل بعدها المسيحى، ثم يتوغل أكثر ليكره السنى مخالفه من الشيعة أو مايسمونهم فى السعوديه الروافض، ثم تصل إلى داخل الملة والمذهب، ثم تصل إلى داخل الملة والمذهب الواحد ليكره المالكى الحنبلى ويقتل الشافعى الحنفى ويلعن الصوفى المعتزلى ...الخ، فالكراهية على أساس الدين كرة نار معلقة فى ذيل قط تحرق كل ماتقابله بهستيريا وفوضى وعنف مدمر، لم نعلم هؤلاء الأطفال أن اليهود كانوا يشاركوننا الوطن قبل هجرتهم فى 1956، وكانت محلات شملا وبنزايون وعمر أفندى ....الخ يهودية، وكنا لانقاطعها لأنها يهودية وملك يهود، لم يعرف هؤلاء الأطفال فى حصص التاريخ المدرسية أن قطاوى كان وزيراً للمالية فى وزارة سعد زغلول باشا، لم يقرأ الشباب ديوان الشاعر اليهودى المحامى المصرى مراد فرج، لم يستمعوا لطقاطيق وموشحات الملحن اليهودى المصرى داوود حسنى، لم يكره المصريون العواجيز ليلى مراد لأنها يهودية، ولم تحل ديانة أبيها اليهودى زكى مراد بينهم وبين الإستمتاع بصوتها الشجى، الصهيونية العنصرية أسست دولة إسرائيل التى ضمت فى جنباتها وحدودها عنصريين منهم يهود ومنهم لادينيين ملحدين، وكما أن هناك يهود يؤيدون إسرائيل، هناك أيضاً مفكرون وفنانون يهود فى العالم بل وفى داخل إسرائيل نفسها يقفون إلى جانب القضية الفلسطينية ويناصرونها أحياناً بصورة أقوى من بعض السياسيين العرب، بل الأكثر إدهاشاً أن هناك رجال دين يهود يستنكرون قيام دولة إسرائيل ويقاطعونها مثل رجل الدين اليهودى الذى إستضافه أحمد منصور فى إحدى حلقات برنامجه على قناة الجزيرة، لم يخرج شيخ واحد من العرب لإعلان أن حكاية القردة والخنازير تشير إلى حادثة وزمن معين بالنسبة لليهود ولاتشير لهم على إطلاقهم، وإلا فليجيبوا علينا لماذا يغضبون من وصف بعض الغربيين لنا بالإرهابيين إذا كانوا يصفونهم على المنابر بتلك الصفة ويحقرونهم بتلك الشتائم ليل نهار؟!، إننا فى كل مدرسة نخرج كل يوم بن لادن جديد وملا عمر جديد من خلال بث مثل هذه الأفكار الشيطانية، وتأتى المصيبة حين تخرج علينا هذه القناة المشبوهة، قناة "إكره " الفضائية لتعلن هذه الأفكار على لسان طفلة عمرها ثلاث سنوات، إنها كارثة أن تزيد عزلتنا وقوقعتنا ويتضخم إنفصالنا وفصامنا يوماً بعد يوم، حتى يأتى اليوم الذى يمدون سوراً حول حدود بلاد العرب شبيه بسور حديقة الحيوان ويكتبون على بابه "هنا توجد فصيلة الشعب العربى المنقرض ..الفرجه على أفراد الجبلاية مجاناً ...ممنوع التصوير والإقتراب فهم يعضون كل من يختلف عنهم ويفترسون كل من يختلف معهم!!".

[email protected]