... الإيراني والسوري

قد يرى البعض وصف النظامين، الإيراني الإسلامي والسوري البعثي، بالفاشية فيه نوع من الإجحاف والإستفزاز وتجاوز على الواقع أو على الأقل مبالغة. في الحقيقة ليس هناك تجاوزاً ولا مبالغة وإنما أنا ملتزم بتسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية وطبقاً للتعريف العلمي لمصطلح الفاشية والنازية.
فالفاشية الإيطالية هي مرادفة للنازية ألمانية، وهي حركة عنصرية تميِّز بين البشر على أساس انتماءاتهم العرقية أو القومية ولها أيديولوجية شمولية تتدخل في كل صغيرة وكبيرة من حياة الناس المبتلين بحكمهم. والقاسم المشترك الذي يجمع أي نظام سياسي أو آيديولوجية فكرية أو سياسية مع الفاشية والنازية هو التمييز بين البشر لأسباب، ليس لضحايا التمييز أي ذنب أو دور فيها. وفي هذه الحالة لا فرق أن يكون التمييز على أساس عرقي، ديني، أو طائفي. فأنا ورثت انتماءاتي هذه من والديَ ومن البيئة التي نشأت بها دون أي خيار مني. فما هو ذنبي لكي أتعرض لتعسف التمييز وبأي شكل كان وأحرم من حقوق المواطنة الصحيحة؟ وبما إن النظامين، الإيراني والسوري، يميِّزان بين مكونات شعبيهما على أساس ديني وطائفي وعرقي، فهما لا يختلفان عن أي نظام فاشي أو نازي آخر. إذنْ، فالنظامان فاشيان، بالمعنى الحرفي الحقيقي، وليس المجازي، للكلمة.
والجدير بالذكر أن نظام البعث في العراق قد مارس أبشع أنواع التمييز العنصري والطائفي بين مكونات الشعب العراقي، وقائمة جرائمه طويلة وباتت معروفة لدى الجميع. ورغم أن النظامين، الإيراني والسوري، من أكثر المستفيدين، بعد الشعب العراقي، من سقوط البعث في العراق، إلا إنهما ناهضا هذا السقوط وذلك لعدائهما للبديل الديمقراطي في العراق واستقرار المنطقة ولأن الذي ساعد الشعب العراقي على تحقيق هذين الهدفين النبيلين هو أمريكا وذلك خوفاً على نظاميهما من ذات المصير. لذلك أقام النظامان، الإيراني والسوري، تحالفاً استراتيجياً فيما بينهما، لا يمكن التخلي عنه، هدفه مناهضة البديل الديمقراطي في العراق، وتعاهدا على محاربة أمريكا quot;الشيطان الأكبرquot; على الأرض العراقية وبدماء العراقيين وتحويل العراق إلى quot;مستنقع فيتنامي جديدquot; يمرغون فيه كبرياء أمريكا، حسب تعبيرهم الشائع، لكي يتخلصا من المصير الذي لحق بصدام حسين ونظامه الجائر. وهذا هو هدفهما الاستراتيجي الثابت ولن يتخليا عنه مهما حصل ومهما تظاهرا بالتعاطف مع الشعب العراقي وصرح مسؤولو البلدين في المحافل الدولية وللإعلام عن نفيهم لدعم الإرهاب في العراق. فالكذب ديدنهم يرتزقون من ورائه. وإني أرى النظام الإيراني الإسلامي الشيعي، هو أقرب إلى النظام الأموي منه إلى مبادئ الإمام علي بن أبي طالب، كما يدعون كذباً ونفاقاً. فحكام إيران الإسلاميون أقرب إلى سلوك معاوية وعمرو بن العاص منهما إلى سلوك الإمام علي (ع). وهذا واضح من سياساتهم الخبيثة، سواء في إيران أو تعاملهم مع العراق ولبنان.
ولذلك راح النظامان يعملان بشكل هستيري بعد سقوط البعث في العراق وكرسا جل إمكانياتهما العسكرية والإستخباراتية والإعلامية لإفشال بناء النظام الديمقراطي فيه وذلك بتقديم مختلف أشكال الدعم للإرهاب والعمل على عدم استقراره وتدمير مؤسساته الاقتصادية. ولا تتوقف الأعمال التخريبية للنظامين في العراق فحسب بل شمل لبنان الشقيق المبتلى بذات الإرهاب، سواء بالإغتيال السياسي أو بدعم المليشيات أو بالاحتلال السوري له سابقاً. وقد بدأت جرائم النظام السوري للعيان باكتشاف المقابر الجماعية وغيرها قبل أسابيع في وادي البقاع. إذ يبدو أن سوريا ومعها إيران ستواصلان زعزعة الاستقرار في لبنان والعراق إلى أن يحققا أهدافهما الإجرامية. فموجة الاغتيالات التي يقوم بها عملاء سوريا لن تتوقف عند حد، ابتداءً بكمال جمبلاط ومروراً برفيق الحريري وليس انتهاءً بجبران ثويني يوم أمس. والجدير بالذكر، أن جميع ضحايا هذا الاغتيال هم من معارضي سوريا في لبنان.
وقد تأكد دور سوريا في هذه الجرائم كما جاء في (تقرير ميليس الذي يتهم فيه مسؤولين سوريين ) وهو التقرير الثاني للجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، الى اتهام مسؤولين سوريين بالتورط في الحادث. فأين المفر أيها الفاشيست السوريون؟ وهذا يؤكد ما أكدناه مراراً أن الاغتيال السياسي والإرهاب هما من صلب أيديولوجية البعث وسياساته الإجرامية، سواء كان في العراق أو في سوريا و أياً كان على رأس قيادته. وهكذا فقد صممت سوريا وإيران في دعهما للوردات الحروب الممثلين في مليشيات حزب الله وغيره من التنظيمات السرية والعلنية، أن يحرما هذا البلد الجميل، لبنان، من الاستقرار والذي حرم منه نحو ثلاثة عقود. لقد أُرغِمتْ سوريا على إخراج قواتها من لبنان بقرار من الأمم المتحدة ولكن منظماتها السرية، التجسسية والتخربية، بقيت تمارس نشاطها الإجرامي بخبث وخسة دناءة. إن ما يجري في العراق من إرهاب وتدمير، وفي لبنان من جرائم الاغتيال السياسي، لا يمكن أن يحصل بدون دعم متواصل من إيران وسوريا. وهذا واضح وضوح الشمس لكل ذي عقل سليم وضمير حي ولم يصاب بعمى التعصب الأيديولوجي والعنصري والطائفي.
ولكن مهما حصل، فنحن متفائلون بالمستقبل ومهما بلغت التضحيات. وواثقون من قدرة شعوب المنطقة عزمها على مواجهة التحديات مهما بلغت، فالنصر في نهاية المطاف حليف الشعوب. والقطعة الأولى من الدومينو قد سقطت في العراق بسقوط البعث الفاشي فيه إلى غير رجعة، وبقية القطع ستسقط تباعاً. فبمثل ما سقطت النازية والفاشية في أوربا وتلتها الأنظمة الشمولية المستبدة فيما بعد، فلا بد أن يزحف التاريخ ليسحق بعجلاته ما تبقى من الأنظمة الفاشية وتحرير الشعوب من جورها.
ليس صدفة في عصرنا الحالي، عصر العولمة، أن تلتقي مصالح شعوب منطقة الشرق الأوسط مع مصالح أمريكا، الدولة العظمى والوحيدة في المعمورة. بل هو حكم التاريخ أو قل مكر التاريخ الذي لا راد له، عندما تجد أمريكا أن مصلحتها تقتضي دعم الحركات الديمقراطية ومساعدة الشعوب المضطهدة في نضالها العنيد ضد الأنظمة الفاشية الجائرة. نعم السياسة تبحث عن المصالح، وأنها فن المكن. فإذا اقتضت مصلحة أمريكا نشر الديمقراطية ومحاربة الحكومات المستبدة في المنطقة، فهذا في صالح شعوب المنطقة أيضاً وعلى القوى الوطنية استثمار هذه الفرصة لصالحها. ولكن المصابين بداء الكراهية والعداء للغرب و بالجمود العقائدي، لا يفهمون هذا المنطق، بل تراهم مستعدين لمحاربة الديمقراطية التي يدعون بها ودعم الاستبداد، لا لشيء إلا لأنهم يكرهون أمريكا حتى ولو جلبت هذه السياسة الرعناء الكوارث عليهم وعلى شعوبهم.
خلاصة القول، من المؤكد أن لا تنعم شعوب المنطقة بالاستقرار والديمقراطية والازدهار الاقتصادي، إلا بزوال هذين النظامين الفاشيين، الإيراني والسوري، وإقامة البديل الديمقراطي مكانهما.