القنبلة التي فجّرها الدكتور سيد القمني معلنا إعتذاره عما كتب وألف وتوقفه عن الكتابة، رضوخا لتهديدات الإرهابيين الإسلاميين، ليست قضية سهلة من الممكن لوم القمني أو تأييده حولها، فالتاريخ البشري شهد عدة مظاهر لهكذا حالة، فهناك من الكتاب والمفكرين من رضخوا للتهديدات، وهناك من رفضوها وقدموا حياتهم ثمنا لهذا الرفض، وهناك من رفضوا الرضوخ وآثروا الحياة كما فعل الدكتور نصر أبو حامد زيد ولجأ إلى هولندا حيث يعمل ويعيش منذ سنوات، وكذلك الدكتور أحمد صبحي منصور الذي لجأ إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكلاهما إستمر من منفاه في نفس خطه الفكري، خاصة الدكتور منصور الذي يقوم بدور قتالي في الرد على مستغلي الدين لأغراض أجنداتهم الخاصة، وقد خطفوا فعلا عقول الغالبية من نسبة الأميين الخمسة والستين في المائة من شعوب الأقطار العربية، ومنهم هذه الجماعة الضالة التي هددت القمني وسابقا إغتالت فرج فودة وحاولت إغتيال نجيب محفوظ.
هل نلوم القمني ؟. لكل إنسان ظروفه الخاصة، لا نستطيع أن نطلب منه إختيار إسلوب المواجهة والتحدي ونحن لا ندري ولا نعيش نلك الظروف، ولا نستطيع أن نطلب منه إتباع إسلوب المهادنة وهو ربما يخطط لإسلوب آخر...لذلك فالموقف الذي إختاره سيد القمني هو خياره الخاص الذي أعتقد هو أدرى بالظرف الي ألجأه إليه، وإستنادا إلى جهوده الفكرية التنويرية التي لا ينكرها المتنورون الباحثون عن خلاص هذه الشعوب، أعتقد أنه من واجبنا جميعا دعمه والوقوف معه، فإن كان موقفه هذا تشجيعا للإرهابيين على مزيد من إرهابهم ، فهو في الوقت ذاته يكشف للجميع نوع وحجم الظلام الذي سيسود حياتنا إذا وصل هؤلاء إلى السلطة وسدة الحكم، فإذا كانت الأفكار تزعجهم إلى هذا الحد، فإن في صعود طالبان تلك السنوات القليلة لحكم الشعب الأفغاني، أفضل دليل على ما سيمارسه الطالبانيون العرب إذا وصلوا للسلطة، كما أنه يكشف فضائح الأنظمة العربية التي تحالف بعضها في السنوات الماضية مع هذه الجماعات لإغراض مرحلية، مما أدى إلى تقويتها ثم إنقلبت على هذه الأنظمة ومواطنيها ، وصولا إلى هذا التهديد للقمني وعشرات الحالات مثله.
إن إعلان التضامن مع القمني مسالة مبدئية، خاصة فيما أرى أن بيانه الراضخ لتهديدات الإرهابيين، لن يلغي دور أفكاره هذه، فسوف تظل حافزا تنويريا رغم تراجعه البياني عنها، لأن الإرهابيين أنفسهم يعرفون أنه تراجع لحفظ حياته وحياة أسرته، وعندما يتوفر الظرف النقيض لن يتأخر القمني في إعلان إستمرار قناعته بهذه الأفكار، دون أن يسجل عليه ضمن هكذا ظروف أنه متقلب أو إنتهازي...إن إنتهازه لفرصة جديدة من الحياة حق له ولعائلته، وحتما سيكون فرصة قادمة لدعم أفكاره هذه التي أوصلت الإرهابيين إلى حد الجنون، بدليل تهديداتهم هذه التي تستغل الدين وصولا لأوهامهم الخاصة في تكفير من يريدون، وسط سكوت الغالبية العظمى من شيوخ الدين وفقهائه، وهم على المحك في هذه القضية، فطالما أن أحدا منهم لم يكفّر القمني سابقا على هذه الأفكار، فلماذا يسكتون الآن على من يكفره ويهدده في حياته ؟؟؟. بعد التأييد العلني للقمني، أقول لو كان من حق أحد تقديم المشورة له في هكذا قضية، لقلت إن خيار الهجرة الذي إختاره نصر حامد أبو زيد و أحمد صبحي منصور هو الخيار الأفضل، الذي يحافظ على حياته، و يضمن إستمراره في دوره التنويري المهم والضروري في فترة الظلام التي تعيشها الشعوب العربية !

[email protected]