صديقي وصديق كل عاشق للحرية، المفكر والإنسان د. سيد القمني: تضمن مقالي الأخير أنك فضحت ببيانك الجميع: طيور الظلام، والذين يقدمون لها الحب والماء والأعشاش، والذين يصفقون لتحليقها كغمامة سوداء فوق رؤوسنا، كما فضحت غير المبالين الذين يقتصر دورهم على التناسل، أو وضع مزيداً من البيض المرشح لفقس المزيد والمزيد من طيور الظلام.
لكن أعترف لك يا صديقي بأنني لم أتصور أو أتوقع أن يتوالى مسلسل الفضح والفضائح التي كشفها بيان من عدة سطور، ورغم رجائي لك باللا تحزن، إلا أن الأمانة تقتضيني أن أعترف أنني حزين إلى حد انكسار الروح، ليس مما تسميه ويسميه البعض تراجعك أو تخاذلك في مواجهة العقارب والخفافيش، ولا من المطبلين لهم والمتآمرين معهم، وإنما مما كشفته رياح بيانك، من حقيقة من كنا نعتبرهم رسل الليبرالية إلى شرقنا المأفون، وسفراءنا في عالم الحضارة والتقدم!!
لا تحزن يا أخي من بضع كلمات هزيلة، اعتمدت منهج التجريح الشخصي، وكأنهم يقومون بسلخ جلدك، قبل أن يتمكن الإرهابيون من النيل منك، لا تحزن ولن أحزن إذا تطاولوا أيضاً على مصر الخضراء وأبنائها، فنحن فعلاً في موقف لا نحسد عليه، وهذه فرصة لأصحاب البادية، ليمارسوا ما نشأوا عليه من عشق الذبح والسلخ والغزو والنهب، وهو ما ظهر عدم تمكنهم من الخلاص منه، حتى لو استوطنوا النصف الآخر من العالم، وحتى لو ملأوا أفواههم بشعارات الحرية والأخوة والمساواة!!
ليس هؤلاء البدو والأعراب الأشد نفاقاً هم كل الصورة، فلابد أنك قرأت وتقرأ كل ما كتب، وعاينت التضامن الرائع من إخوانك المفكرين المتحدثين بالعربية باختلاف مرجعياتهم الفكرية وأصولهم العرقية والجغرافية.
إنها حقاً لمأساة أن نترك الموضوع، ونسدد الخناجر للأجساد، أن نستدير عن البحث في الواقع المأساوي الذي ترزح تحت نيره شعوبنا، ويكابد فيه المفكرون الأحرار الأمرين، لنوظف بلاغتنا في التجريح الشخصي المعيب لزميل لنا بل أستاذ للجميع، صدرت عنه صرخة خوف وإشفاق على مستقبل أولاده وأولادنا جميعاً!!
نعيب على العامة من الناس عدم استنارتهم، ونعيب على الواقعين تحت تأثير الأيديولوجيات والأفكار الفاشية قبولهم واعتناقهم لها، كما نعيب على المتاجرين والمزايدين، لكن ماذا نقول عن المتشدقين بالليبرالية من ساكني الغرف المكيفة في عواصم النور والتقدم والحداثة؟!!
كنا نردد دائماً أن شعوبنا مبتلاة بصفوتها، لكننا حقيقة لم نتصور أن يصل الابتلاء إلى هذا الحد المفجع، وكنا نتعجب على من يستوطنون الغرب من أبنائنا، ثم يتحولون إلى قتلة بدلاً من أن يصيروا رسل تنوير، لكن لم يخطر ببالنا أن من عددناهم رسل التنوير، سيعجز أشهر رموزهم عن التخلص من بداوته، ومن هواية أكل لحم أخيه، بل وسلخه حياً.
إنه ذات الداء الذي حول بعضاً من أبنائنا إلى إرهابيين وقتلة.
ترك الموضوع والتركيز على الذات.
فمن المفترض أن الخلاف بين شخصين أو ذاتين هو خلاف على موضوع العلاقة بينهما، وبالتالي ينبغي أن يكون تركيز كل طرف على تغيير طبيعة هذه العلاقة لتتطابق مع وجهة نظره، وقد يتم هذا بطرق سلمية أو بوسائل عنيفة، لكن حتى مع استخدام العنف، لا يكون الهدف الأساسي تصفية الخصم الجسدية، وإنما الهدف إجباره على تغيير طبيعة العلاقة محل الخلاف، وحتى إذا ما تطورت الأمور إلى حد التصفية الجسدية، فإن هذا في الوضع الطبيعي الإنساني يحدث كنتيجة جانبية أو ثانوية للصراع، وليس كهدف أساسي.
من هنا كان المأزق الإنساني والفكري لجماعات التطرف والقتل، والتي تدعي لنفسها رسالة سياسية أو دينية، كتبرير للممارستهم القتل، وكان من الممكن أن نصدقهم، أو حتى نلتمس لهم عذراً، إذا كانت ممارساتهم تتجه لتعديل نوع العلاقة مع الآخر، وليس استهدافه جسدياً كهدف أساسي.
كنا نعيب على المخونين والمكفرين لنا نحن الليبراليين، عزوفهم عن مناقشة مقولاتنا مناقشة علمية جادة، وتركيزهم على التشويه والتكفير والاتهام بالعمالة، وكنا نعزو ذلك النهج إلى الجهل، وعدم الخبرة بأصول الحوار العقلاني، وعدم التعود على وجود رأي آخر، وادعينا لأنفسنا منهجاً وفكراً ينقذ الشرق مما هو فيه من بلاء وجهالة، فإذا ببعضنا أشد جهالة من الجهلاء!!
مأساة أن يقع داعية ليبرالي في هذا الفخ!
مأساة أن يقع أستاذ جامعي في تلك الحفرة!
مأساة أن أن تعجز بلاد الحضارة والنور عن نزع البداوة من قلب وعقل أعرابي استوطن الغرب من سنوات طويلة!!
لا تحزن يا صديقي د. سيد القمني من سفالتهم، ويكفيك ما أنت فيه من هموم إنسانية وشخصية!
دع الحزن وانكسار الروح لي!!

[email protected]