خلال أقل من أسبوع تمخضت حرب إسرائيل الإبادية على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عن 100 شهيد و300 جريح وألف أسير. أيام معدودة على أصابع اليد الواحدة، وتكون نتيجتها هذا العدد الهائل من الشهداء والجرحى وأسرى الحرية.
نمنا مساء أمس، وكلنا تفاؤل بانتهاء المشاورات المراثونية لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي طال انتظار الشارع الفلسطيني لها. كانت اللمسات الأخيرة للاتفاق بين السيد محمود عباس والسيد إسماعيل هنية توضع، وكان شعبنا، لأول مرة منذ الانتخابات، يشعر بطعم الأمل وبقرب الخروج من النفق المعتم.
في هذا الوقت بالذات، في هذا التوقيت، تطلع علينا حكومة اليميني أولمرت، معززة بانضمام النازي الجديد ليبرمان، لطاقمها، بمجزرة مروعة في منطقة بيت حانون شمال قطاع غزة. مجزرة كنا نخشى من وقوعها، وكنا ننتظرها. فلقد درجت إسرائيل، ومنذ سنوات طويلة، على تعطيل أي اتفاق فلسطيني داخلي يوشك أن يتمّ. هذا هو شأنها من قديم، بل هذا هو شأنها حتى فيما يخصّها هي ويخصّ مصالحها البعيدة المدى. لقد ضربتنا حكومتُها بقسوة حيوانية، حين أوشك الكل الفلسطيني على توقيع وثيقة بوقف العمليات الانتحارية داخل حدودها. وضربتنا، حين أوشكنا على اتفاقيات ترتّب وضعنا الداخلي وتمنحنا بعض السلام الاجتماعي.

والآن، في صباح هذاالاربعاء المضرج بالدم، نستيقظ على مجزرة جديدة، ترتكبها قواتها ومدفعيتها وطائراتها من نوع إف 16 الرهيبة، وكل ذلك على مَن؟ على مدنيين عزل من النساء والأطفال، ما كادت عيونهم تنغلق على طيف النعاس البعيد، حتى انهالت على رؤوسهم وسقوف بيوتهم، قذائف الدبابات من طراز مركيفاه وغيرها!
عائلة بأكملها من بيت العثامنة، تموت تحت الردم ولا يبقى فيها سوى فرد واحد. فرد تمنى لو أنه مات هو الأخير وارتاح!
نستيقظ على أصوات مكبرات الصوت في الجوامع، وعلى نداءات الاستغاثة والتبرع العاجل بالدم. نستيقظ على مسيرات حاشدة تجوب الشوارع : على تصريح نازي للحكومة الليبرمانية، بتعليق العمليات العسكرية مؤقتاً في بيت حانون، وإكمالها في مناطق أخرى من قطاع غزة.
إنهم حقاً لا يستحون ولا تردعهم لا أخلاق ولا خطوط حمراء. فكل شيء مباح، لدى حكومة النازيين الجدد في القدس الغربية : من أصغر الجرائم حتى أكبرها. فما دام العالم كله، صامتاً صمتَ التواطؤ والتأييد، فما الذي يمنع إسرائيل، من قلب الطاولة على رؤوس الجالسين، ومن العودة إلى خيار الصفر والفوضى الشاملة؟

لقد تحسسنا قلوبنا من لحظة إدخال ليبرمان النازي إلى مجلس الوزراء. فهذا النازي المتعطش إلى شرب دماء الفلسطينيين، لن يهنأ له بال ولا خاطر، إن لم يُهرق الدم الفلسطيني الأهلي صباح ومساء كل يوم.
والآن ماذا بعد؟ وما الذي علينا كفلسطينيين أن نفعله لمواجهة النازيين الجدد في إسرائيل؟ واضح أنّ إسرائيل، لا تريد أن نتفق، ولا تريد لنا أن نشكّل حكومتنا القادمة التي ستضمّ الطيف الفلسطيني كله. ولذلك، فأول شيء نفعله للرد عليهم هو الإسراع بتشكيل هذه الحكومة : تشكيلها الآن الآن وليس غداً أو بعد أسبوع أو شهر. وأنا بهذا أختلف تماماً مع السيد إسماعيل هنية رئيس الوزراء، حين صرّح لوسائل الإعلام، قبل ساعات، بأنّ حكومته أصدرت بياناً للتوّ بتعليق المشاورات بهذا الخصوص. كلا يا أبا العبد : إنّ هذا بالضبط ما تريده إسرائيل ليبرمان منك ومن حركة حماس. فالرد الوحيد الذي سيؤلمها هو تشكيل هذه الحكومة التي لطالما انتظرها شعبنا على أحرّ من الجمر. إننا ننتظر منك ومن محمود عباس أن تجلساً معاً خلال هذا اليوم الخميس، وتعلنا لشعبكما المحاصر بشرى الاتفاق النهائي.
بهذا فقط، سنوحّد جهودنا وسنرصّ صفوفنا أمام عدو مجرم والغ في الدم ولا يشبع منه. إذهبوا إلى الوحدة السريعة قبل أن تتحوّل الساحة برمتها إلى ساحة فوضى لا تبقي ولا تذر.
الوضع خطير وخطير جداً. الوضع أخطر وأجلّ من إعلانكم الحداد الوطني لمدة ثلاثة أيام : من تنكيس الأعلام الفلسطينية ومن تعطيل الدراسة في المدارس. فشعبكم يريد منكم، رئاسةً وحكومةً، شيئاً واحداً فقط هو تشكيل حكومة الإتلاف الوطني. غير هذا وأقل من هذا لا يقبل ولن يقبل. فيكفيه ما فيه من جوع وعوز وإدقاع. شكّلوا هذه الحكومة واكسروا الحصار الجائر، لتتعزّز مقوّمات صمودنا على الأرض وفي الميدان. فما بشعبٍ خاوي البطون سنصمد أمام أعتى آلة عسكرية في الشرق الأوسط.
إسرائيل في حربها الطويلة معنا لا تريد لنا الخير. ووجود ليبرمان العنصري النازي بين صفوفها، لهو مؤشر خطير على أنّ القادم أخطر. فهذا الرجل، وزير الاستراتيجيات الجديد، معروفة أفكاره وبرنامجه السياسي واستراتيجياته : يريد ترحيلنا كلنا من بقية وطننا. لا يريد عرباً لا في داخل إسرائيل فحسب، بل في الضفة الغربية وقطاع غزة أيضاً. وأولمرت الضعيف المتآكل الشعبية والمفتقد لكاريزما شارون، والخارج منهكاً من حرب لبنان، يحتاج إلى عكاكيز تسنده في سيره، وليبرمان الآن عكّازه. أولمرت الذي لم يحقق شيئاً كبيراً لإسرائيل في لبنان، يريد تحقيق هذا الشيء [ الانتصار على الفلسطينيين وسحقهم وتعليمهم درساً لن ينسوه ]. هو اختار الميدان الأسهل، لتعويض ما فاته ثمة من انتصارات : اختار أن يقاتل على أرض مدن وقرى القطاع الفقير البائس، وعلى الأهالي الآمنين تحديداً.
هذه هي أخلاقيات الرجل : مزيد من دم الأبرياء الغزيين، علّ هذا المزيد يغطي على نواقصه الكبرى في حرب لبنان.
وما دامت أمريكا بوش أعطته الضوء الأخضر بحجة [ دفاع إسرائيل عن نفسها ] فلمَ لا؟ لمَ لا يفعل كل ما يشتهيه، فيضرب عصفورين بحجر واحد : يغطي على فشله في حرب لبنان، ويمنع تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية؟
قبل لحظات أعلنت الخارجية الإسرائيلية عن تشكيل لجنة تحقيق وعن أسفها لسقوط أبرياء في بيت حانون. إنها مرة أخرى محاولات ذرّ الرماد في العيون. فمنذ لحظات أيضاً، وأثناء كتابتي لهذا التعليق، فتحت إسرائيل جبهة جديدة على حدود خانيونس الشرقية. وها أنا ذا أسمع أصداء دويّ قذائف الدبابات، من على بعد بضعة كيلومترات من غرفة بيتي. فأية أخلاق أيها النازيون الجدد؟ وأية مسخرة ممهورة بدمنا البريء وبوحشيتكم المنفلتة؟

سننتظر منكم أياماً وشهوراً يجللها السواد. سننتظر من حكومتكم الليبرمانية نجيعاً من الدم الذي لا ينتهي. أما أخوتنا العرب، فلهم أن يناموا هنئياً مريئاً. فلقد فقدنا أدنى درجات الإيمان بهم وبعروبتهم وبإسلامهم.

إنه زمن ليبرمان، وزمن إستراتيجياته المعمّدة بالنار والحديد والدم. فهذا الروسي القادم من صقيع أقاصي الأرض، لن يرتاح ولن يغفو له جفن، إلا إذا حوّل حياتنا كلها إلى نار وإلى جحيم دائمة.