قد يكون في هذا التساؤل الذي اخترته عنوانا لهذه المقالة نوع من الغرابة وسيترقرق على شفاه أكثر القراء جواب له مفاده ومَن غير صدام سنعدم؟ هذا الجواب هو نصف الحقيقة ولكن هناك نصف أخر أهم واخطر من صدام ذاته. فلئن شكل صدور حكم الإعدام شنقا بحق طاغية الدهور وفرعون العصور انجازا عظيما لشعب الرافدين الذي أذاقه صدام الموت غصة بعد غصة من أول ساعة لاستيلائه على الحكم وحتى ساعة سقوطه فإن انجازا أعظم ينتظر العراقيين ومهمة أخطر ينبغي عليهم القيام بها تلك هي مهمة إعدام نوع صدام بعد إعدام شخصه. وبكلمة أخرى ان من ينبغي إعدامه لحظة شنق صدام هو الصدامية وهي المهمة التي ستبدأ ساعة لف الحبل على عنق الطاغية صدام وهذا ما نريده من إعدامه. وهي ذات المهمة التي قام بها الايطاليون يوم شنقوا الطاغية موسوليني قبل خمسة عقود تقريبا ليعدموا بشنقه الفاشية ويلقوا بها إلى مزبلة التأريخ.
قد يغيب صدام ببدنه بعد شنقه غير مأسوف عليه لكن منهجه وسلوكه وطريقة تفكيره ستبقى بعده عقودا من الزمن وقد تجد من النفوس الضعيفة والمريضة من يتحلى بها فيولد صدام آخر وتبدأ المحنة من جديد. وهذا سبب تساؤلي من سنعدم بشنق صدام؟ وإذا عرف السبب بطل العجب واليكم التفصيل.
بشنق شخص صدام ينبغي ان نعدم نوع صدام ونهجه العنصري وسلوكه الطائفي وحكمه الشمولي الديكتاتوري وحقبته المظلمة التي أعادت العراق قرونا إلى الوراء وفرديته في الحكم وارتجاله باتخاذ القرارات المصيرية واختزاله لإرادة الأمة بشخصه واستخفافه بالقانون واحتقاره للبشر. بشنق صدام سنعدم مبدأ سيادة الأرض على الإنسان ذلك المبدأ العثماني السقيم الذي تسبب بحربين ضروسين كلفتا العراقيين الغالي والنفيس ارضاءً لشهوة الطاغية في توسيع رقعة حكمه على طريقة الغزاة العثمانيين.
بشنق صدام سنعدم الصنمية الحزبية التي كرسها خلال سني حكمه المقيت وسنعدم والى الأبد فكرة الحزب (القائد) الذي يختزل العمل السياسي بذاته ويخوِّن الآخرين إذا ما قرروا عدم الانتماء إليه أو الانتماء إلى حزب سري يعمل تحت الأرض خوفا من بطشة الحزب (القائد) والذي على الطريقة الاستالينية يرى في التعددية الحزبية والتداولية السياسية مؤامرة من صنع الامبريالية العالمية أو ترفا برجوازيا.
بشنق صدام سنعدم هيمنة الدولة على الاقتصاد واحتكارها لرأس المال عملا بمبدأ الاقتصاد المركزي الموجه والذي يعني فيما يعني تحول الدولة إلى وصي وولي نعمة بوضع يدها على ثروات الشعب تهبه لمن تشاء وتمنعه عمن تشاء وسنعدم أيضا عسكرة الاقتصاد التي بُددت باسمها الثروة الوطنية العراقية وأثقل كاهل الوطن والمواطن بالديون سعيا للحصول على قنبلة ذرية أو صاروخ عابر للقارات يرضي شهوة الطاغية المتجنرل (من جنرال) وهو الذي لم يخدم في الجيش يوماً واحدا.
بشنق صدام سنعدم عسكرة المجتمع والثقافة والمدارس والجامعات والتي نشأت عن حروب النظام العبثية ضد الجيران وضد شعبه سعيا وراء مجد مزعوم. بشنق صدام سنعدم مرض المناطقية التي تجعل من أبناء عشيرة الحاكم وأبناء مدينته التي انحدر منها أسياداً وبقية أبناء الشعب عبيداً فتُمنح على أساسها الامتيازات والعطايا لأولئك وتُمنع عن هؤلاء لأنهم لا ينتمون مناطقيا أو عشائريا إلى جلالة الحاكم المفدى !
بشنق صدام سنعدم عقيدة العسكرتارية التي سادت منذ انقلاب بكر صدقي فأصبحت ُسنة سيئة حولت العراق إلى مرتع للانقلابات حتى أمسى من أكثر بلدان المنطقة ميدانا لنزوات جنرالات العسكر وتدخلهم السافر في الشأن السياسي وزجهم للجيش في الخصومات السياسية وتصفية الخصوم والمنافسين على الطريقة الاتاتوركية فانتهى المطاف ان حوَّل صدام جيش العراق إلى جيشه الخاص لا عمل له سوى السهر على أمنه وأمن عائلته ومنح نفسه أعلى رتبة عسكرية في الجيش العراقي ليصبح، وهو المدني الذي شرب العقيدة العسكرتارية، قائد ذلك الجيش المتخم بالجنرالات.
بشنق صدام سنعدم الطائفية والعنصرية السياسية التي اكتوى بناريهما أكثر الشعب، وقد يقول قائل ان صدام لم يكن طائفيا وانه كان عادلا بظلمه فعن أي طائفية أو عنصرية تتحدثون والرجل كان علمانيا لا دخل له بالسنة أو الشيعة؟ فنقول ان طائفية صدام تحصيل حاصل وانه ورث الطائفية السياسية عن أسلافه الذين بنوا العراق الحديث على اسس مغلوطة يوم احتكرت الأقلية المذهبية الحكم وهمشت الأكثرية إثر فشل ثورة العشرين التي قادها الشيعة ضد الاحتلال البريطاني. نعم هو لم يوجد هذه الطائفية بل مارسها لأنه ورثها ممن سبقه ولكنه أوغل في تطبيقها ودونك ما نشره شبيه عدي في كتابه ( كنت ابنا للرئيس) عن سلوك صدام وابنيه إذ كانوا جميعا لا يروى لهم عطش أو تقر لهم سكينة أو تطفأ لهم نار غضب إلا برؤية دم شيعي أو كردي حيث يشار إلى هذين الصنفين من العراقيين بـ( القردة) حسبما جاء في مذكرات الشبيه وهو ليس شيعيا.
فإن لم تكن هذه طائفية وعنصرية سياسية فكيف يكون شكل الطائفية والعنصرية؟ على ان طائفية صدام وعنصريته لا يتحمل وزرها السنة الذين لم يكونوا ببعيدين عن ظلمه وأسماء من ُقتل منهم على يديه باتت معروفة ومشهورة ومن الخطأ بمكان اخذ السنة بجريرة صدام لأنه ينتمي إليهم مذهبيا والله سبحانه وتعالى يقول ( ولا تزر وزارة وزرة أخرى).
وخلاصة القول إننا بشنق صدام سنبدأ مهمة إعدام ومحو الصدامية والذي يتجلى معناها في كل ما ُذكر وتطهير ارض الأنبياء والأوصياء منها بعد ان عاثت فيها فسادا, ولنؤسس بشنقه بداية عهد جديد من المؤاخاة والمساواة بين العراقيين يقوم على مبدأ المواطنة حيث لافضل لعربي على كردي او تركماني ولا لسني على شيعي ولا لمسلم على مسيحي او أيزدي او صابئي او يهودي الا بالاخلاص للعراق وبالكفاءة والجد بالعمل. هذا هو جواب سؤالنا من سنعدم بشنق صدام؟ وبشر القاتل بالقتل.

تنويه من الكاتب
أود لفت عناية الجميع إلى انني تعرضت إلى عملية سطو الكتروني من قبل مجموعة إرهابية بعثية تكفيرية حيث سرق مني عنواني الالكتروني ( الايميل) والمعنون بـ almossawy@hotmail.comوعليه فان أي رسالة تصلكم من هذا العنوان البريدي لم تعد تمثلني أما بريدي الجديد فهو almossawy@hotmail. co. uk علما ان هذه المجموعة الإرهابية نشرت بعض الرسائل وكذلك المقالات التي تمتدح نظام صدام البعث البائد مستغلة عنواني الالكتروني المسروق واسمي الشخصي في محاولة لتضليل القراء الكرام ولتشويه صورتي وسمعتي لذا استوجب التنويه مع شكري الجزيل لتفهمكم.
[email protected]