إن قتلة الشعب العراقي جبناء إلى أبعد الحدود، وقد هبطوا إلى الدرك الأسفل من الانحطاط في السلوك وحتى دون مستوى الوحوش الكاسرة. نقول ذلك ليس بدافع الكراهية والغضب فحسب، بل لسبب موضوعي واضح يتعلق بطبيعة القتلة. فهؤلاء جبناء، لأنهم يريدون سد النقص الذي يشعرون به من هزائمهم عندما فروا من أمام القوات الأمريكية وسلموا مفاتيح بغداد وجميع المدن العراقية الأخرى دون قتال يذكر. علماً بأن صدام حسين بدد ثروات العراق الهائلة واستدان عليها عشرات المليارات من الدولارات لشراء الأسلحة الفتاكة، ومع ذلك جبنوا وفروا دون قتال. حقاً وكما قال الشهيد الزعيم عبدالكريم قاسم: (البندقية في يد الجبان عصا). وقد شاهدهم العالم كله من على شاشات التلفزيون وهم يفرون عراة إلا من ملابسهم الداخلية كالجرذان المذعورة. كذلك هزائمهم المخزية في الحروب العبثية الأخرى التي زجهم بها سيدهم المجرم صدام حسين في إيران والكويت. فصار جيش صدام مثالاً للجبن والهزائم. كذلك هبطوا إلى دون مستوى الوحوش، لأن الوحوش تتوقف عن البطش بالفريسة عندما تشبع، أما قتلة الشعب العراقي فلا حدود لنهمهم في القتل ونشر الخراب في البلاد. لذا يقوم فلول البعث بقتل الأبرياء من العراقيين العزل في المعامل والقرى لإثبات شجاعتهم كتعويض عن هزائمهم. فهم في الحروب مع العدو كالحمل الوديع ولكن مع الشعب العراقي كالأسد الهصور.

جريمة إبادة الجنس
فمن يتابع تصاعد أرقام الضحايا ومسلسل القتل الجماعي المجاني اليومي، يدرك أن الشعب العراقي يواجه الآن جريمة إبادة الجنس أشد خطراً عليه من الطاعون الأسود الذي كان يحصد الأرواح بلا حدود في القرون الغابرة. إنه الطاعون البعثي الذي يلاقي الترحيب والدعم المادي والإعلامي من أمة العرب. فعلى سبيل المثال لا الحصر، نذكر فقرات من نشرات إخبارية لموقع (البي بي سي العربية) خلال يومين فقط فنقرأ ما يلي: quot;ذكرت وكالة أنباء رويترز أن 25 شخصا على الأقل قتلوا في بلدة النهروان القريبة من بغداد. وقالت الشرطة إن السكان المحليين أفادوا بقيام مجموعة من حوالي 50 رجلا مسلحا بالهجوم على محطة كهرباء وقتل عدد ممن كانوا بداخلها، ثم انتقلوا إلى مصنع بالمدينة يوم الخميس وقتلوا 19 شخصا، يعتقد أن كلهم من الشيعة. وجاء الهجوم في نهاية يوم قتل فيه 30 عراقيا على الأقل في أنحاء متفرقة من العراق. وكانت النهروان قد شهدت الأسبوع الماضي مقتل 47 شخصا يعملون في مصانع البلدة.quot; (بي بي سي العربية، 3/3/2006). وفي تقرير آخر يفيد أن جون بيس الذي كان يشغل حتى وقت قريب منصب مسؤول حقوق الانسان في العراق، قال للبي بي سي ان نسبة 75 % من جثث الضحايا في العراق تبدو عليها علامات تصفية خارج اطار القانون. وأضاف ان ما بين 780 الى 1110 جثث كانت تودع في مشرحة بغداد كل شهر على مدى العام الماضي. وأن ما بين ثلثيْ الى ثلاثة أرباع هذا العدد كان لجثث بها علامات تصفية بالرصاص، أو تحمل آثار تعذيب. (نفس المصدر، تقرير بعنوان: الجماعات المسلحة تقتل بحرية في العراق). وفي تقرير آخر من البنتاغون: quot;أفادت إحصائية جديدة لوزارة الدفاع الأميركية بأن عدد القتلى من المدنيين العراقيين (منذ بداية الحرب في آذار 2003) يتراوح بين 28501 و 32119 قتيلا.quot; (الشرق الأوسط، 26/2/20096). لا شك إن هذه الإبادة الجماعية هي خطة وضعها حزب البعث منذ اغتصابه للسلطة عام 1968.

ففي السبعينات من القرن المنصرم، كنت طبيباً في المناطق النائية في الفرات الأوسط،، وكان يتردد عليّ مسئولون بعثيون ويفشون لي بأسرارهم وخاصة المتذمرون منهم من سياسة الحزب. ومن ضمن ما قالوه لي أن لديهم أوامر من قيادة الحزب بتدمير جميع المعامل والمؤسسات الاقتصادية والبنى التحية إذا ما حصل انقلاب عسكري ناجح ضدهم، لكي لا تستطيع الحكومة الجديدة حكم العراق. كما إننا نتذكر مقولة صدام حسين quot;أن الذي يحكم العراق سيستلمه أرضاً محروقة بلا شعبquot;. ويؤكد الدكتور جواد هاشم، وزير التخطيط في عهد بكر ndash;صدام، في مذكراته، أن صدام أكد لهم في أحد الاجتماعات، أنهم يخططون لحكم العراق ليس لمدة ثلاثين عاماً بل لثلاثمائة عام، وأن تجربة عام 1963 في ضياع الحكم من أيدهم سوف لن تتكرر. وعليه خصص حصة كولبنكيان 5% من واردات النفط إلى مالية الحزب. ويقدر الدكتور جواد هاشم أن هذا المبلغ منذ أوائل السبعينات ولغاية 1992، مع الأرباح المتراكمة بلغ نحو 40 مليار دولار، تم استثماره في الشركات في الدول الغربية. وعليه ومنذ ذلك الوقت، فحزب البعث كان يخطط تحسباً لهذه الظروف. لذا وكما نفهم شخصية صدام الإجرامية السايكوباثية والبالغة القدرة على التخطيط في الإجرام، فلا بد أنه شكل حكومة سرية وجيشاً سرياً وسجوناً ومعتقلات ومقرات سرية منذ ذلك الوقت ومولها وجهزها بمختلف وسائل البقاء، ومازالت تعمل تحت قيادة حكومة رشيقة سريعة الحركة غير مرئية، بل نرى تأثيرها المدمر على الشعب العراقي.
ترحيب العرب بالمجزرة العراقية

هذه العمليات الإجرامية الإرهابية التي يتعرض لها الشعب العراقي بعد خلاصه من أبشع نظام جائر في التاريخ، تتلقى الدعم والترحيب من أمة العرب لأسباب، أيضاً تتعلق بعقدة الهزائم وذهنية البداوة وسد الشعور بالنقص. quot;يا أمة ضحكت من جهلها الأممquot;. أمة يعمل ساستها ومعظم مفكريها على تدمير العراق للتعويض عن هزائمهم منذ هزيمة عام 1948 في فلسطين وما تلاها من هزائم متلاحقة على يد إسرائيل، فلم يبق لهم سوى الماضي يجترونه ويريدون إعادة شعوبهم إلى حكم القرون الغابرة. لذلك وجد العربان فرصتهم للتعويض عن هزائمهم في حروبهم مع إسرائيل بإبراز بطولاتهم على الشعب العراقي وتدمير العراق. فلماذا لم يصرفوا هذه الطاقات لتحرير الجولان والقدس quot;عروس عروبتكمquot;؟ إذ كما يقول الشاعر العراقي مظفر النواب:

القدس عروس عروبتكم
فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها
ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب
لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركم
وتنافختم شرفا
وصرختم فيها أن تسكت صوناً للعرض
فما أشرفكم
أولاد القحبة هل نسيتم مغتصبة
أولاد القحبة لست خجولاً حين أصارحكم بحقيقتكم
إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم
تتحرك دكة غسل الموتى أما أنتم لا تهتز لكم قصبة
الآن أعريكم
في كل عواصم هذا الوطن العربي قتلتم فرحي


في الحقيقة إن الأعمال الجبانة التي يرتكبها البعثيون وحلفاؤهم الإرهابيون هي التي تعرّي العربان على حقيقتهم المزرية. سئل مظفر النواب يوماً لماذا يذكر كلمات بذيئة في قصائده ويشتم العرب؟ فأجاب إن واقع العرب أشد بذاءة من هذه الكلمات، إنها قليلة بحقهم!! فالجيوش العربية لم تتواجد لحماية حدودها من العدوان الخارجي، بل لقمع شعوبها وحماية الأنظمة القمعية من المقموعين، لذلك فهي جيوش مهزومة. إنهم يسمون هذه الجريمة النكراء بحق الشعب العراقي quot;مقاومة شريفةquot; ويمجدونها بالمقالات ويصدرون لها الفتاوى ويجندون لها الشباب المسلم. لقد بات واضحاً الآن أن معظم القتلة هم عراقيون بعثيون تشربوا بآيديولوجية الهزيمة والتعويض بمشاعر النقص، ومعهم متطوعون من العرب الذين تم غسل أدمغتهم من قبل أئمة المساجد من فقهاء الموت السلفيين الناقمين على الحضارة والحداثة، المنتشرين في طول البلاد العربية وعرضها، فجعلوا قتل العراقيين الأبرياء وتدمير مؤسساتهم الاقتصادية مفتاحاً لبوابة الجنة وإشباع شبق المراهقين المحرومين من الجنس بالزواج من حور العين.

من هم القتلة؟
إن معظم القتلة هم من القوات العسكرية البعثية المدربة والتي كانت مدللة في عهد صدام، فأغدق على منتسبيها بثروات العراق وحافظ عليهم ولم يزج بهم في حروبه العبثية، فسحبها إلى بغداد قبل تحرير الكويت لحماية نظامه، كما حافظ عليها في المواجهة مع القوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة التي احتلت بغداد وأسقطت نظامه العاهر يوم 9 نيسان 2003. نعم، فرت قوات الحرس الجمهوري والحرس الخاص وقوات المغاوير، وعشرات الألوف من منتسبي الأجهزة الأمنية والمخابرات البعثية، فرت من الحرب وبخطة مدروسة مسبقة تبناها صدام حسين وأعوانه وفضلوا الهزيمة على المواجهة، وتسليم العراق بدون أي قتال، بعد أن نهبوا جميع المستودعات العسكرية من أسلحة ومتفجرات وذخيرة، لكي يستخدمونها في المواجهة مع الشعب العراقي فيما بعد.

فأية علاقة بين المقاومة وتفجير قبة سامراء؟ هل من علاقة بين قتل عمال فقراء عزل في محطة الكهرباء والمعامل الأخرى والمقاومة quot;الشريفةquot;؟ وما العلاقة بين تفجير الإنتحاريين وسط الزحام في الأسواق الشعبية والحسينيات؟ ولماذ تدمير محطات الكهربات والبنزين وإسالة المياه و الصرف الصحي؟ ولماذا قصف المدارس في الأحياء الشعبية؟ أيها العربان، نسألكم باسم عروبتكم التي تتغنون بها بأنكم (خير أمة أخرجت للناس)، هل هذه مقاومة أم جريمة ما بعدها جريمة؟ فما هذه الآيديولوجية التي تحيل الإنسان إلى وحش كاسر يقتل أبناء وطنه دون أية عداوة شخصية مسبقة مع هذا الإنسان الضحية سوى أنه عراقي؟ إنه الآيديولوجية العروبية المتناغمة مع آيديولوجية الإسلام السياسي. وبتسييسهم للعروبة والإسلام فقد أساء المتأدلجون العرب إلى الدين والقومية معاً. المهزلة هنا أن الإعلام العربي يمجد هذا الدمار الذي يحرق العراق ويقتل العراقيين بالألوف ويسمونه بدون أدنى خجل (مقاومة الاحتلال الأجنبي). إنهم يغتالون أساتذة الجامعات والعلماء والأطباء وأرغموا المئات منهم على مغادرة البلاد من أجل تفريغها من العقول، ويتركوا شعباً بلا عقل. فمن جهة يتباهى العربان بهذه المجزرة في العراق ويسمونها جهاد الأمة ضد أعدائها، وعندما نوضح لهم عبثية هذه الأعمال ولماذا يقتلون الأطفال والعمال الفقراء والعلماء بالجملة، يجيبون على الفور أن هذه الجرائم من صنع الموساد والأمريكان. فإذا كانت هذه الأعمال من صنع الموساد والأمريكان كما تزعمون أيها الأغبياء، فلماذا تمجدونها وتعتبرونها غزوات وفتوحات ضد المحتل الكافر؟ وأي غبي يصدقكم بهذه الدعوات الفارغة؟ ولماذا تعمل إدارة جورج بوش على نشر الفوضى العارمة في العراق وهي تواجه ضغوطاً شديدة من شعبها لمغادرة العراق في أسرع وقتت ممكن؟

إن رجال الدين السلفيين من فقهاء الموت والإعلاميين والساسة العرب الذين يحرضون على تدمير العراق سوف يندمون ولكن في وقت لا ينفع فيه الندم، كما الحال مع صدام حسين الآن. صدام بنى له ولأفراد عائلته وأعوانه عشرات القصور الوارفة، والآن يقيم هو ومعظم زبانيته في زنازين السجون الضيقة ينظفون مراحيضهم بعد أن فقد ولديه المجرمين عدي وقصي، وتشتت عائلته في البلاد العربية. سؤال إلى فقهاء الموت والفضائيات العربية وأئمة المساجد الإسلامية أن يجيبوا على الأسئلة البسيطة أعلاه، هذه الأسئلة موجهة إلى رجال الدين السنة والشيعة ومنهم نصر الله وفضل الله وعلي خامنئي الذين يبررون قتل الأبرياء من الشعب العراقي باسم المقاومة والمطالبة برحيل القوات الأجنبية عن العراق، فما العلاقة بين قتل الأبرياء العراقيين العزل وهذه المقاومة اللاشريفة؟ وما علاقة تفجير القبة العسكرية بمقاومة الأمريكان؟ نؤكد لهؤلاء أن الحريق الذي أشعلوه في العراق سوف يصلهم لا محال وعندها سيندمون جميعاً ولات حين مندم!