فنتازيا عربية

المتابع للإعلام الفضائي العربي خلال السنوات القليلة الماضية يكتشف، وبكل بساطة، بان هناك عراقان مختلفان تمام الاختلاف، إذ أن بعض القنوات تتحدث عن عراق انتهي الأمل فيه وآل إلى السقوط، إن لم يكن قد سقط وتدمر فعلاً، بينما قنوات أخرى، ومنها القنوات الفضائية العراقية، تتحدث عن مشروع عراقي كبير واعد بكل خير لأهل العراق بل وللمنطقة بأسرها فيما بعد. وان كنا في العالم العربي نكرر، وبلا ملل، وبمناسبة وبدونها، أن أهل مكة أدرى بشعابها، إلا اننا وبإصرار نرفض أن يكون أهل مكة العراق أدرى بشعابها، ونفرض عليهم غوغائيتنا وجهلنا وتخلفنا بل وعقد مركب نقصنا، التي جعلتنا نناطح العالم بلا قرون وعلى حساب هذا الشعب الصابر الذي عانى البؤس والظلم على مدى ما يقرب من نصف قرن، وكنا نتفرج عليه في صمت وعدم مبالاة، إن لم يكن البعض، في العالم العربي قد شارك، وما زال يشارك، بشكل مباشر أو غير مباشر، في المجازر التي تعرض لها هذا الشعب من طقمته البائدة، وما زال يتعرض لها من غوغائيتنا وتهريجنا الذي نسميه مقاومة.
فها هو الشعب العراقي ينجح غصباَ عنا في اتخاذ خطوة ايجابية للأمام بتشكيل حكومته، والتي مهما كانت مثالبها تعتبر من أحسن ما أنتج العقل العربي المتكلس. ولأنها خطوة قابلة للتطوير والتعديل لتصل للنهاية المرجوة والسير في الطريق الصحيح الذي يؤدي في النهاية إلى الأمل الذي ينتظره الشعب العراقي ليخرج من معاناته، ولأننا لا نريد له الخروج من تلك المعاناة فها نحن ننصب المآتم على الشاشات بكاءً على ضياع العراق المزعوم، وفي واقع الأمر نبكي فشلنا وخيبتنا، وخوفنا من نجاح هذه التجربة، والتي سوف تستمر وتكتمل مهما كانت العقبات والمتاريس التي نضعها أمامها. ومتابعة الإعلام العربي الفضائي ـ أو على الأقل الغوغائي منه ـ في هذه الأيام تُظهر مدى الرعب والهلع الذي يعيشه البعض من الذين راهنوا على فشل التجربة العراقية برمتها واعتبروها مشروعاً امبريالياً أمريكيا غير صالح للتطبيق، والذين ترعبهم أي خطوة إلى الأمام.... وهؤلاء لنا معهم عودة.

(كاتب سوداني)