اثينا 403 قبل الميلاد - بغداد 2003 دكتاتوريةالثلاثين- دكتاتورية صدام:

المصالحة الوطنية لاعقوبة بدون قانون، ولاعفو بدون الاعتراف بالجرم

مالذي يجمع بين اثينا وبغداد، وكريتياس على رأس دكتاتورية الثلاثين، ودكتاتورية صدام حسين بعد الفين وستمائة سنة تماما؟ هناك تشابهات وتناقضات وتمايزات ذات طابع فريد تجعل من المقارنة امرا محفوفا بالغرابة والفنطازيا والتغريب. في عام 404 قبل الميلاد قامت، للمرة الثانية، عناصر اوليجاركية معادية للديمقراطية بالتآمر مع العدو الاسبارطي باسقاط الديمقراطية واقامة نظام ديكتاتوري دموي بمساعدة فرق البلطجية التي انتشرت في شوارع اثينا لتثير الرعب وتمارس الاعدامات بحق الديمقراطيين طوال ثمانية اشهر استمر فيها الحكم الدكتاتوري بقيادة كريتياس التلميذ النجيب لسقراط. فسقراط كان مؤيدا لدكتاتورية كريتياس ولم (يغادر المدينة) وهي تهمة كبيرة وقدم للمحاكمة لهذا السبب. لقد اعتمد اعضاء حكومة الثلاثين، الذين كان اكثرهم في المنفى، على حامية اسبرطية عسكرية لحمايتهم. وكونوا ميليشيا لارهاب المواطنين، وتصفية الارستقراطية، ووضعوا الدولة في قبضتهم واشاعوا عهد الارهاب. وفي عام 203 استعادت اثينا الديمقراطية.

لم تكن دكتاتورية الثلاثين هي الدكتاتورية الاولى.
كانت دكتاتورية الاربعمائة التي احدثت الانقلاب الاول عام 411 قبل الميلاد، قد قامت بمثل ماقامت به دكتاتورية الثلاثين من فظائع واعدامات ومصادرات للاراضي واغتيالات والغاء حق التعبير والتصويت وتدمير الفقراء والطبقة الوسطى. كانت دكتاتورية الهمت دكتاتوريات معاصرة دون ان يقرأها الدكتاتوريون امثال صدام حسين.
هذان الانقلابان افرزا، كنتيجة طبيعية لعهد الارهاب،جملة من المظاهر الخلافية مثل الخيانة والتعاون وعدم الخروج من المدينة، اي عدم اختيار النفي بدلا من القبول بالانقلاب والعيش في كنفه.فقد كان البقاء في المدينة يعد بمثابة خيانة وتعاونا مع الدكتاتورية وعدم اشتراك في المقاومة، فهل كل من بقي في اثينا كان من اتباع الدكتاتورية؟
حين استعادت اثينا الديمقراطية عام 203 قبل الميلاد وسقطت دكتاتورية الثلاثين، وحل النظام الديمقراطي من جديد،
طرحت امام الاثينين مسألة المصالحة الاهلية او المصالحة الوطنية.فقد كان على الاثينيين اختيار واحد من امرين : اما الدوران في حلقة مفرغة من الانقلابات مع مافيها من اعدامات وتصفيات ومصادرات. واما استعادة الديمقراطية مع مافيها من عقوبات وانتقامات واعادة ملكيات وتخوينات. اختار الاثينيون ان يمضوا في طريق المصالحة الوطنية على النحو التالي: حدد الاثينيون الزعماء المسؤولين والمجرمين الذين ارتكبوا الفظائع والانتهاكات المريعة، ثم اصدروا قرارا بالعفو العام. وبموجب هذا القرار، فان من بقي في المدينة ولم يحارب الدكتاتورية لم يعاقب. ولكن القرار لم يستطع ان يمحو عار اؤلئك الذين تعاونوا مع دكتاتورية الثلاثين او قبلوها، ومع هذا فقد كان لكثير منهم اعذارهم التي اقتنعت بها المحاكم فيما بعد حين رفعت بعض الدعاوى ضدهم. كما ان قرار العفو منح من صودرت املاكهم الحق باقامة دعوى لاستردادها، لان الثلاثين كانوا قد باعوها ايضا لتسديد نفقات ارهابهم. ليس بالضرورة ان يعم الامن والسلام بعد كل قرار عفو. لكن اثينا كانت ديمقراطية وهذه هي القاعدة . اما الاستثناء فكان دكتاتورية الاربعمائة عام 411 ودكتاتورية الثلاثين عام 404 .لذلك بقيت كثير من الدعاوى تقام من حين إلى اخر من جميع الاطراف المتصارعة التي كانت طرفا في ابرام عقد المصالحة الوطنية.وبعد ان انتهت محاكمة الزعماء لم يعد ممكنا محاكمة اي شخص عن اية مخالفة ارتكبها تحت حكم الدكتاتورية.
صورت عملية (اجتثاث البعث) على انها عملية شخصية انتقامية نفعية،. كما بدت عملية التسامح مع البعث عملية شخصية حزبية نفعية. ومع ان قانون اجتثاث البعث كان ساري المفعول لمدة ثلاث سنوات، الا ان المجرمين الحقيقيين لم يقدموا إلى المحاكمة عدا زعما هؤلاء الذين ارتكبوا الفظائع. كما ان كثيرا ممن شملهم القانون عادوا إلى المشاركة في الحكم عبر وسائل واشكال شتى.ان بعضهم ارتقى إلى مصاف وزارة او سفارة او عضو برلمان، في وقت يدرس البرلمان العراقي تشريعا يسمح للبعثيين بتبوأ مناصب عليا، مع نسيان كبار البعثيين الذين تبوأوا ويتبوأون الان مناصب عليا في هيئات رئاسية وحكومية كثيرة . ومع ان كثيرا من التصفيات الجسدية طالت اعضاء كبار في نظام الدكتاتورية الا ان تلك التصفيات كانت ضد القانون.كانت استمرارا لفقدان سيادة القانون.
ان موضوع المصالحة الوطنية ابعد من شخصين او تجمعين سياسيين رغم اختلافهما او تناحرهما.كما انه ابعد من ان يكون صراعا بين وزارتين اميركيتين، لكل واحدة منهما وجهة نظر ومصلحة تختلفان عن وجه نظر ومصلحة الوزارة الاخرى. وابعد من رغبة بعض اعضاء البرلمان الذين يتوخون حماية انفسهم و(رفاقهم) ويعولون على عودة نظام اصبح مرفوضا من قبل اغلبية العراقيين ومرت على انقاضه انتخابات شرعية لمرتين.
ان حزب البعث قاد حملات تصفية دموية. وقاد سلطة انتهكت القانون والغته. وقامت باعدامات غير قانونية ونشرت فرق البلطجية من الجيش الشعبي والقوات الخاصة والمخابرات وفدائيي صدام واعضاء الفرق والشعب الحزبية الذين كانوا ينفذون (قوانينهم) الخاصة بحق ملايين المواطنين العراقيين.
لقد عبر زعيم الائتلاف عبد العزيز الحكيم عن رفضه للمصالحة الوطنية، فنحن اذن امام جرائم وامام مرتكبي جرائم .امام نتائج ماساوية لهذه الجرائم . وهذه النتائج الماساوية تحملت اوزارها مئات الالاف من العوائل العراقية. فالشهود على هذه الجرائم احياء يرزقون والذين تضرروا بهذه الجرائم احياء يرزقون. وكل عدالة اقتضي اصدار عقوبة بحق مرتكبي هذه الجرائم وتعويض الضحايا. ثم بعد ذلك ياتي العفو. وهو ليس شرطا قانونيا من قبل الضحايا، ولكن العفو يمكن ان يتحقق من قبل الضحايا بعد ان يروا تجريم من انتهك حقهم وانسانيتهم.
قاد مصطلح اجتثاث البعث إلى سوء فهم كبير اصاب القانون بالضعف. فالاجتثاث يذهب، حتى دون القصد، إلى التصفية الجسدية، او الحرمان من العمل وبالتالي مواجهة الفقر والعوز والحرمان كما كان النظام السابق يفعل. ان اجتثاث البعث عملية ثقافية وقانونية تتجسد في اجتثاث ارث فاشي ودكتاتوري يشرع القتل والابادة السياسية والقومية والمذهبية ويعمل على تطبيق الفكرة العقائدية القائلة:

بعث تشيده الجماجم والدم تتهدم الدنيا ولايتهدم

وقد شيد البعث حقا تلولا من جماجم العراقيين شيعة وسنة واكرادا وتركمانا ومسيحيين من محتلف الاتجاهات حتى من داخل حزب البعث نفسه. فضحايا البعث ارث ماساوي لابد من تصفية نتائجه العميقة الاثر في نفوس جميع الضحايا وعائلاتهم ايا كانوا.
ان الغاء فكر البعث وعقليته وسلوكه وايديولوجيته التي تقوم على اجتثات الايديولوجيات الا خرى عبر اجتثاث اجساد حامليها، لابد ان يكون عملية قانونية وثقافية اولا كما قلنا، وللا تقوم على الغاء حق الحياة والعمل والماكل والملبس والامان والسكن والتعليم والصحة وغير ذلك من حقوق الانسان.
ان توفير مستلزمات اجتثاث البعث في الواقع ليس عملية انتقامية، وانما يجب ان تكون انطلاقة للمصالحة الوطنية واعادة كل اؤلئك الذين دعموا دكتاتورية صدام حسين الى الدولة العراقية والمجتمع العراقي باعتبارهم مواطنين عراقيين بعد تحديد الجرائم واحالتها إلى القانون عبر ماهو خاص وماهو عام. فالمحاكمات الجنائية يجب ان تكون فردية والعفو يجب ان يكون عاما. تبدو الامور سهلة هكذا ومبسطة للغاية. تعمد الحكومة الى اصدار قرار يعتبر بموجبه جميع البعثيين السابقين مواطنين من الدرجة الاولى متساوين في الحقوق والواجبات.والبعثي السابق هو من لم يعد بعثيا بعد ان تم اصدار قانون بحل حزب البعث، ويتجه التعامل إلى المستقبل مع حزب محظور.
ولكن هل يعرف العراقي اليوم اين هي حقوقه واين واجباته في خضم اصرار حزب البعث المنحل على الاستمرار في ارتكاب الجرائم وانتهاك حقوق الشعب العراقي؟فاخر الخبار تشير إلى ان استمارات يتم توزريعها على البعثيين السابقين للعودة إلى الحزب. فكيف يجري التعامل مع هذه الظاهرة.
ان القانون هو الحكم والمرجعية في كل الاحوال. ان حزب البعث قد حل بقانون وهو يواجه اتهاما قانونيا، كما ان الدستور المستفتى عليه يتضمن قانون اجتثاث البعث. هذا يعني ان قانون اجتثاث البعث لم يلغ، وهو مطلب شعبي للاغلبية. واذا لم يتم التعامل مع هذه الحقيقة لن تتحقق المصالحة والعفو الشامل.
قانونيا يعتبر الانتماء إلى حزب محظور يواجه اتهامات قانوينة امرا مخالفا للقاون. لذلك لايحق للبرلمان مناقشة فسح المجال امام كبار البعثيين للعودة إلى السلطة قبل انهاء المساءلات القانونية واصدار قانون جديد . وهذا لايحقق مصالح لاعراقيين قبل سلسلة من الاجراءات القانونية التي تضمنها قانون اجتثاث البعث.اي اننا امام صراع بين العنف وبين القانون. فالذين يدعون إلى الانحناء امام العنف والارهاب لالغاء القاون واعادة البعثييين بقوة السلاح ينتهكون القانون والدستور حتى لو كانوا في موقع الرئاسة، وهم يساعدون العنف على ان يكون بديلا عن سيادة القانون، ويجبر الطرف الاخر الذي كان ضحية على استخدام العنف ايضا لتصفية الاثار السابقة بروح الانتقام أكثر من روح القانون.
يستطيع البرلمان، تحت ضغوط مختلفة، محلية وعربية وامريكية،ان يصدر عفوا عاما عن جميع ما ارتكب من جرائم وانتهاكات وتصفيات ومصادرات. لكن كيف يمكن للعراقي ان يعفو عمن اعدم له اثنين من اخوته او اغتصب امرأته او ابنته؟ وكيف بمكن للام الثاكلة التي فقدت خمسة او ستة من ابنائها في المقابر الجماعية ان تعتبر النظام الجديد قد حقق العدالة؟
ان العدالة لاتتكون من التجريم فقط. انها تتكون من العفو ايضا. ولكن بعد ان يكون التجريم قد اخذ محله قانونيا.
ان الدعوات التي تسعى إلى الغاء التجريم والاعتراف بالعنف المسلح كوسية لالغاء القانون انما هي دعوات ضد القاون وضد الدستور ويجب ملاحقة مطلقيها، خاصة وان مايحدث في العراق اليوم يفترض ان يكون بداية بناء الديمقراطية وليس استعادتها كما حدث في اثينا. ان اجتثاث البعثي يذهب الى جسم الانسان ومادته،ولا يذهب الى الثقافة التي انتجت هذا البعثي وبهذه الصورة الدموية. كما يذهب الاجتثاث الى رزق البعثي ومادة عيشه باعتباره انسانا، ولايذهب الى فكره وطريقة تفكيره والكيفية التي قبل بها النشاط المعادي للشعب والوطن وحولته الى اداة قمع وارهاب وتنفيذ تصفيات والغاء وتهميش ومصادرة حقوق. في المقابل، يذهب الابقاء على البعثي الى التعامل رقميا وعدديا مع مادة حزبية جاهزة ومصالح شخصية وفئوية يمكن استثمارها لابقاء فكره وطريقة تفكيره وقدرته على التنفيذ الاسوأ مقابل منافع مادية ووظيفية واستعادة موقع وضمان النجاة من االماضي الذي يستعيده اليوم بشكل يوصف بالديمقراطي. المصالحة الوطنية تقتضي اذن اجتثاث البعثي كما تقتضي عودته الى المجتمع والدولة. ذلك يعني البدء بالتعامل مع البعثي من خلال مفهومين : كونه انسانا ومواطنايجب الحفاظ على حقوقه، وكونه متهما بانتهاك القانون وارتكاب جرائم. .وجوهر القضية يكمن في كيفية عزل فكر وسلوك وثقافة ونفسية كانت كلها متكيفة مع الدكتاتورية ومنفذة لارهابها وقمعهاووضع القيم والمرجعيات الجديدة التي تضمن عدم تكرار مثل هذا الاستخدام من جديد تحت اي مسمى. في الواقع عاد عدد كبير من (البعثي) هذا الى السلطة قبل ان يعود الى الدولة او الى المجتمع. بمعنى انه يواصل تفعيل فكره وسلوكه وثقافته في العمل على استمرار الفصل بين الدولة والسلطة وبين المجتمع والدولة.وهناك كثير من الشواهد التي ساعدت عليها علاقات عائلية او قومية او عشائرية او مذهبية. اي ان اعادة (البعثي) لم تتوقف ولكنها اقتصرت على امتيازات قد يملكها هذا البعثي ولايملكها البعثي الاخر.كما ان البعثي الذي تأخر بالخروج من المدنية، حسب التعبير الاثيني، يدفع الثمن الذي لايدفعه البعثي الذي خرج من المدينة قبيل سقوط الدكتاتورية بعد ان رأى ان مصلحته الذاتية قد تهددت وان عليه ان يركب الموجة الجديدة ويعود فيدخل المدينة بطلا ومحررا دون ان يجتث البعثي الذي يسكنه. انا اكره مفهوم الاجتثاث هذا كما اكره مفهوم التصفية، دعوني اطرح مفهوما اقرب الى الانسانية التي نتوخاها، انا الذي كنت اول من اصطدم بالبعثي ودفع ثمن هذا الاصطدام. لكن ماذا يعني لي البعثي الذي احاول ان اطرح مفهوما جديدا للتعامل مع تراثه وماضيه؟ انه يعني لي شخصا يكرس فقدان الحرية وغياب القانون والغاء الدستور ومسح الاخر وكبت حرية التعبير وعدم الاعتراف بالفكر الاخر وبالشخص المختلف وباستخدام العنف وتشريع التعذيب واستخدامه لحل الاختلاف في الرأي والثقافة في دهاليز الامن والمخابرات لتكون جزء من عملية استخباراتية لارهاب المواطن، واعتبار الحروب المخرج الوحيد من كل ازمة، واعتبار البحث عن عدو مادي او وهمي تعبيرا عن حيوية وديناميكية الامة، واعتبار المواطن رقما عسكريا، والمرأة رحما للاخصاب العددي، والاعداد حشدا لعبادة الفرد، وخلاف ذلك فان التصفية الجسدية هي تعبير ثوري وليس للقانون أي مكان في هذا الفكر وهذه الاييدولوجيا. لكن هذا الشخص مع الاسف لايقتصر على ان يكون البعثي وحده، فهو نتاج تراث سياسي اتسم بانتاج مثل هذه الشخصية النموذجية التي نسعى لاجتثاثها، فالبعثي اذن يمكن ان يكون كله او جزء كبير منه متواجدا في الشخصية الحزبية السائدة. هكذا اذن نحن بحاجة الى المصالحة الوطنية الشاملة. المصالحة التي تبدأ من اعتبار البعثي انسانا ومواطنا عراقيا خاضع للقاون الذي يقرر تجريمه او العفو عنه. فهل يمكن استبدال عملية اجتثاث البعثي بعملية اعادة تثقيف او تأهيل البعثي ليكون مواطنا عراقيا يعمل كجزء من شعب عراقي يواجه مهمة اعادة بناء نسيج المجتمع العراقي وبناء نظام قانوني دستوري مؤسساتي متعدد الاصوات والتعبيرات ؟ ولذلك فان قرار العفو عن البعثيين يمكن ان يصدر ليضع اساسا للمصالحة على ان يتضمن بالتحديد (الجرائم) التي يمكن الادعاء بموجبها على ان تتولى محاكم مستقلة تابعة للقضاء وليس لاي حزب او جهة سياسية، تضم قضاة مستقلين يحددون بالضبط قانونيا المسؤولية الفردية في هذه الجرائم مع الطلب من اهالي الضحايا التعامل مع الادانات القانونية بتسامح عراقي تغذيه الاديان والقيم والحاجة الى بداية مستقرة وآمنة.وليبق كل بعثي شارك في تشييد الدكتاتورية يشعر بالعار امام العراقيين حتى يتأهل من جديد معهم.
ان دور البرلمان العراقي الان ليس في تشريع الجرائم واعتبارها قاونية وذلك ببحث عودة كبار البعثيين لتولي مناصب كبيرة. هذا يعني اولا خرق الدستور، ويعني ثانيا مكافاة المذنب على جريمته ومعاقبة الضحية مرة اخرى، ويعني ثالثا ان العراق لن يشهد تغييرا حقيقيا يسود فيه القانون والدستور، ويعني رابعا اننا نهدم بيتا مخربا ايلا للسقوط بفعل اسسه وطابوقه وخشبه المنخور لنعيد تركيبه بنفس المواد التالفة.. حدث ان من تبقى من دكتاتورية الثلاثين، ومنهم كريتياس وخارميدس وطبقة من الاثرياء الكبار القادرين على استئجار المرتزقة، لم يقبل بالمصالحة وظل يقاوم بعد الانسحاب الى مدينة اليوسيس، وهو الانسحاب الذي كان جزء من قرار العفو والمصالحة الوطنية وكان ثغرة في قرار العفو، واعادو الاقتتال مع الاثنينين بل اقدموا على ذبح ثلثمائة من سكان اليوسيس الذين لم يرحبوا بهم، أي كما يحدث الان في العراق. لكن الاثينيين قتلوا قادة الثلاثين وارسلوا اقارب من تبقى يقاتل معهم لقبول المصالحة والعودة الى اثينا التي اقسم سكانها بقبولهم وعدم الانتقام منهم،فظهروا بمظهر الشعب المتحضر الذي يتمتع بالشرف واحترام العهد. في وضع مثل الذي يمر به العراق اليوم قد يكون من الصعب قبول مثل هذه الافكار او هذه المصالحة، ولكن الطريق الى عراق ديمقراطي مستقر لابد ان يمر من طريق المصالحة حتى ولو مر رغم مشاعرنا التي تعمقت بالالم والتضحيات والفواجع وملايين الارامل واليتامي والمعوقين والمقهورين والغرباء والسجون والمعتقلات والمقابر الجماعية . انه طريق الالام الممتد منذ أكثر من اربعة عقود ويسعى البعض لاطالة هذا الطريق واستمراره ووضع العراقيين من جديد على طريق الالام.