رغم الجعجعة الكلامية الفارغة والمعارك الصوتية المذهلة التي يخوضها بقايا السلف المتطرف من الفاشيين والقومجية والمزايدين والمدافعين عن الأنظمة الفاشية تحت يافطة (الدفاع عن ثوابت الأمة)! بشأن نتائج وتداعيات الحرب التدميرية الأخيرة التي ذهب ضحيتها أولا وأخيرا الشعب اللبناني بل والكيان اللبناني برمته وهو ما كان هدف النظام السوري المركزي والستراتيجي بدون أدنى شك!! فقد حققت الضربات الإسرائيلية كل الأهداف الإنتقامية للنظام السوري من الشعب الذي أذله وفضحه ومن قوى الحرية اللبنانية التي عرت على الملأ كل المواقف المنافقة لبعث سوريا وفتحت أمام العالمين كل خبايا وفضائح ومصائب إحتلال النظام السوري للبنان وهيمنته على مقدراته وتلاعبه بقواه الوطنية وبشخصياته الحرة وبكل عبثه اللامحدود لما يقارب الثلاثة عقود كانت أكثر من كافية لتوفير إطمئنان زائف لنظام دمشق من أن وجوده في لبنان هو وجود أزلي وخالد حتى تفجرت ينابيع الحرية المقدسة بعد إغتيال الشهيد الرئيس رفيق الحريري ثم قائمة الأحرار الذين تبعوه ليخرج البعث السوري مطرودا ومذموما ومهزوما من لبنان بكل إرث تاريخه الفاشي وبرموزه الكريهة التي مثلت معابدا للطغيان والتسلط والعنجهية، وكان واضحا منذ البداية من أن إنتقام النظام السوري لابد أن يأتي سريعا، وقد عبرت تلك الحقيقة عن نفسها أولا بسلسلة الإغتيالات والتفجيرات المجهولة ثم توضحت أكثر مع إكتشاف حث نظام دمشق لعملائه وحواريه ومرتزقته في لبنان وهم من الكثرة والتنوع على التكتل ومحاولة تعكير فرحة الشعب اللبناني عبر سياسة خلط الأوراق والملفات وتفعيل الخطط الأمنية البديلة، وليس سرا أن لحلفاء دمشق في بيروت أيادي طويلة ومدربة بحرفنة الأجهزة الإستخبارية التي يتقنها النظام السوري جيدا، فكل خبرة النظام هي إرهابية إستخبارية بوليسية محضة خصوصا وأن التحالف المصيري الطويل مع نظام طهران قد وفر للنظام السوري مصادر تمويل سخية نظرا لزواج المصلحة والنفاق بين البعثيين والطائفيين العنصريين في إيران! وزواج المصلحة كما هو معلوم غير معني بالمشاعر والأحاسيس قدر عنايته بتحقيق الأهداف، وكان نظام دمشق هو الوكيل الرسمي والوحيد لكل دكاكين النظام الإيراني في لبنان ومنه دكان (حزب الله) الموالي والتابع والمرتبط روحيا ومكانيا وولاءا بالنظام الإيراني فزعيمه هو الوكيل الرسمي والشرعي للراحل الخميني! وهو بالتالي يملك حق إستخدام كل أموال الحقوق الشرعية بالطريقة التي يراها مع مراعاة إقتسام المداخيل مع نظام دمشق!! وهي لعبة طريفة في أن تسخر الآيديولوجية الدينية والطائفية لخدمة الأهداف الإستخبارية!! وثمة حقيقة تقول من أنه لولا نظام البعث السوري لما تسنى لحزب الله الحياة والوجود في لبنان، فمنذ أوائل الثمانينيات كانت الرعاية الرسمية السورية لذلك الحزب وفتح أنابيب الأموال الإيرانية عليه هي العنصر الحاسم في بناء البنية التنظيمية له، كما كانت أجهزة المخابرات السورية من خلال هيمنتها على مفاتيح ومغاليق الحركات الإسلامية المقيمة لديها تملك معلومات مهمة وترسم سيناريوهات مستقبلية لتحركاتها، فالحركة الإسلامية العراقية مثلا بأحزابها الرئيسية مثل حزب الدعوة أو حركة المجاهدين (تنظيم الحكيم) أو منظمة العمل الإسلامي (جماعة الشيرازي)، وغيرها من الشخصيات وحتى الأحزاب القومية مثلا كانت تعمل من خلال تسهيلات المخابرات السورية وكان الخط العسكري مع بيروت رهن إشارتها وكانت خطوط وخيوط التهريب بالإتفاق مع ضباط المخابرات السورية مفتوحا على الواسع ولعل رئيس الوزراء العراقي الحالي ومسؤول حزب الدعوة السابق في دمشق السيد نوري المالكي خير من يعرف هذه الحقيقة!!، لذلك كان التحالف الإيراني/ السوري في بناء التنظيمات الدينية والطائفية هو المتضرر الأكبر من الحرية اللبنانية المتخلصة من الوصاية السورية! وكان تفجير الأوضاع اللبنانية أمر متوقع نظرا للخبرة الميدانية للمخابرات السورية في هذا المضمار، فلقد نجحت الأموال والدعاية الإيرانية في تحويل قطاع مهم من لبنان لشكل من أشكال الإقطاعيات الإيرانية بل وأنشأت دولة داخل الدولة ومنفلتة بالكامل عن قوانينها ومصالحها الوطنية وهي من طبائع الأمور، فمن يمول ويدعم يفرض شروطه، والمشروع الإيراني الذي كان قائما في لبنان هو أحد الثمار المهمة لمشروع تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية الذي تعثر منذ بداياته ولكنه بفضل أموال الرشوة الإيرانية لنظام دمشق وجد تطبيقاته في لبنان وبما أدى للنتائج المأساوية الراهنة.. اليوم لبنان والمنطقة يعيشان في وضع جديد ومختلف وتفتت الوصاية السورية قد تبعته هزيمة المشروع الإيراني الطائفي رغم الجعجعة والصراخ وحرية لبنان ستتبعها بالضرورة حرية دمشق.. وساعتها ستحل الهزيمة النهائية بكل أعداء الحرية.
[email protected]