خسرو علي أكبرمن باريس: توفي يوم أمس الأول في مدينة لوس أنجلس بأميركا، شعبان جعفري، أحد أشهر أشقياء طهران ومن الشخصيات المهمة في انقلاب 1953 الذي أطاح بحكومة مصدق بدعم مباشر من وكالة االمخابرات الأميركية، وقد حظي خبر وفاته باهتمام الصحافة الايرانية نظرا لدوره البارز في مفاصل مهمة من التاريخ السياسي الايراني الحديث، وشخصيته الاشكالية باعتباره رمز أشقياء طهران وزعيم عصاباتها من دون منافس وعلى مدار سنوات عديدة. ومن المفارقات ان يتوفى شعبان جعفري المعروف بشعبان الأحمق quot;بي مخquot; في نفس اليوم الذي صادف وقوع الانقلاب أي في الثامن والعشرين من مردادquot;الشهر الخامس حسب التقويم الايرانيquot;، الحدث الذي حقق له شهرة عريضة لم تكن في حسبانه.
ولد شعبان جعفري في محلة quot;سنكلاخquot; في قلب العاصمة طهران وهو الحي ذاته الذي ترعرع فيه رضاخان وولد فيه نجله محمد رضا شاه، وقد أمضى جعفري سنواته فيه من بعد عودته من المنفى في نهاية الاربعينات وأدار فيه quot;زورخانة quot; ناد خاص بالرياضة الشعبية والتراثية، وهو حاصل على لقب بطل ايران في فن المصارعة التقليدية ومن المعروف ان الزورخانة كانت بمثابة مركز ومجمع الأشقياء المنتسبين الى ثقافة الصعاليك والعيارين، وهي شريحة استغلتها السلطات في المجتمعات الشرقية في ضرب خصومها في بداية تأسيس الدولة الحديثة ثم قامت بتصفيتها بعد ان أسست الاجهزة الأمنية الخاصة بها، وقد أنكر جعفري دوره في انقلاب مرداد الذي اطاح بمصدق وأكد في أكثر من موضع في مذكراته التي صدرت في اميركا وطهران انه كان يوم وقوع الانقلاب معتقلا في احد سجون العاصمة ، ولكنه فرح بخبر نجاح الانقلاب، وقد رأى بعض المحللين السياسيين ان معارضي الشاه هم من اختلقوا هذه الاكاذيب ليعطوا لانقلاب مرداد طابعا غوغائيا ولتغييب دور القوى الوطنية التي ساندت الشاه. مع ذلك لم ينكر جعفري في مذكراته دوره في اغلاق وحرق مراكز الصحف المناوئة للشاه،والتعرض بالضرب والشتم للمعارضين، ولعل حادث الاعتداء على وزير خارجية حكومة مصدق الدكتور حسين فاطمي بعد خروجه من قاعة المحكمة رغم مرضه هو من النقاط السيئة والمخزية في تاريخ جعفري وقد اعترف شعبان بدوره في الحادث الذي تم توثيق تفاصيل منه من قبل صحافيين مستقلين وبواسطة عشرات الصور الفوتوغرافية.

وبعد الانشقاق الذي شرخ تحالف اية الله كاشاني ورئيس الوزراء الدكتورمحمد مصدق،انضم جعفري الى تيار كاشاني بفعل دوافع مذهبية، اذ كان جعفري يدير مواكب حسينية وهيئات لاحياء المناسبات الشيعية، لكن المحطة الأكثر اثارة في حياته تتلخص بانتسابه الى جماعة فدائيان اسلام بزعامة نواب صفوي، وهي حركة سياسية متطرفة أقدمت على اغتيال عدد من كبار المسؤولين والمفكرين لعل أبرزهم رئيس الوزراء الايراني آنذاك رزم أرا (1951)، والمفكروالمؤرخ العلماني أحمد كسروي، وقد حظيت هذه الحركة باحترام واعجاب قادة الثورة الايرانية، و أثار إعتراف جعفري بالانتساب الى حركة فدائيان اسلام ردود فعل عنيفة من قبل قيادات هذه الحركة والتشكيلات التي تفرعت منها، خصوصا وأن هذه الحركات تكوّن اليوم جماعات ضغط فاعلة ضد الكتاب والمثقفين الايرانيين الاصلاحيين. كما فضح هذا الاعتراف جانبا من التنسيق بين المخابرات الايرانية انذاك والحركات الدينية المتطرفة من أجل مواجهة المد اليساري،من جهة اخرى.

وان كان للمرجع الشيعي الأعلى انذاك السيد البروجردي مواقف جريئة من الهيئات والجمعيات الدينية التي تأسست من قبل شخصيات شعبية غوغائية، الا أن الحركات السياسية واظبت على توظيف واستغلال هذه الجمعيات لخدمة أغراضها واهدافها السياسية، وهذا ما يمكن تبينه من خلال قراءة عميقة لمذكرات جعفري ومن خلال تمسكه بالجانب المذهبي من جهة،وبتزعمه لاتباعه من الأشقياء والصعاليك وانخراط عصابته في صميم العمل السياسي انطلاقا من مفاهيم تسبق تكوين الدولة.من جهة اخرى. لم يخطط شعبان الأحمق ليوم وفاته، مثلما لم يخطط لأي شئ في حياته،لقد قادته الصدفة ليكون شخصية سياسية مثيرة للجدل، وهو لاينكر دور الصدفة اذ يذكر في سيرة حياته أنه كان مستأنسا مع ندمائه في سهرة سكر، حينما اقترح أحدهم عليه الذهاب الى قاعة مسرح المدينة وقد أثار الشغب وضرب مسؤول الصالة، اهتمت الصحافة بشكل كبير بالحدث وحينما ألقت الشرطة القبض على شعبان، رحب به مدير شرطة العاصمة قائلا له حسنا فعلت، ومنذ ذلك الحين تم تزظيفه في خدمة السلطة، الا أن جاء اليوم الذي تم الاعلان فيه عن انتهاء تاريخ استعماله،فالانظمة الديكتاتورية تضع تاريخا محددا لخدمها سواء كانوا من الأشقياء أو أساتذة الجامعات والمثقفين، لم يدرك شعبان هذه الحقيقة حتى مماته يوم أمس الأول، فهو انسان أمي، لم يستطع ان يكتب جملة مفيدة واحدة في الاعداد لسيرته الذاتية، وانما نقلها شفويا لكاتب ايراني يقيم هو الآخر في لوس أنجلس، ولكن من غير المستبعد أن يكون قد حلم باستلام السلطة، وهذا ما أكده رفاق له في عصابته الغوغائية، الا أن التقاليد السياسية حالت دون تحقيق حلمه الفنطازي على غرار رؤوساء جمهوريات في دول مجاورة، فلم تفكر أية حركة سياسية في ايران بضمه الى صفوفها وتكليفه بتصفية الخصوم، لقد أهملته اهمالا تاما حرصا على سمعتها، ولم تنته فصول الجماعات الغوغائية في ايران، وان تم تحجيمها الى حد كبير، سواء من قبل السلطة أو من خلال الخطاب العقلاني الذي ساد في السنوات الاخيرة بجهود التيار الاصلاحي، لكن يبدو ان ظاهرة شعبان الأحمق لها نماذج عديدة في العالم العربي،ولعل صدام حسين المجيد ،هو النموذج الأبرز في هذا الصدد فبعد أن تحول من أحد حثالات المجتمع العراقي الى عضو قيادي في حزب قومي، وبعد أن تمت تزكيته باعتباره يسار البعث من قبل الحزب الشيوعي العراقي، وبعد ان استلم السلطة في العراق ليرتكب ابشع الجرائم بحق الشعب العراقي وبعد كل الخراب الذي الحقه بالعراق وبالمنطقة بسبب سياسته الغبية، مازال بعض المثقفين العرب يعتبرونه رمزا للأمة العربية والاسلامية. فيالها من أمة لاتزال تمجد طغاتها، وتضحي من أجل نسيان تاريخهم المخزي.
[email protected]