ليس هناك أبغض عند العرب من كلمة (النجاح) وخاصة إذا ارتبطت هذه بالعملية السياسية الجارية في العراق. فتقرأ مثلاً تعليقات صاخبة ومتطيرة من هؤلاء على أي مقال لكاتب ليبرالي يريد الخير للعراق، وذمه وتسفيهه واتهامه بالجهل..الخ. وبالمقابل نقرأ التمجيد بأي مقالة تشير إلى الفشل للسياسة الأمريكية في العراق والثناء على كاتبها ووصفه بغزارة المعرفة والحيادية وصواب التحليل!! فهؤلاء يريدون العراق أن يتحول إلى خرائب وأنقاض ينعق فيه البوم كما وعدهم سيدهم المقبور صدام حسين. ولكن لسوء حظهم أنهم جهلة لا يعرفون شيئاً اسمه منطق التاريخ وأن هذا التاريخ سيسحقهم بعجلاته الثقيلة دون رحمة وأن ما يجري في العراق لا يعرف غير النجاح.

نعم الأمريكان، وكغيرهم من البشر، يخطؤون. ولكنهم في نفس الوقت لن يملوا ولن يستحوا أن يراجعوا خططهم واستراتيجياتهم بين حين وآخر ليبحثوا عن الخطأ ويعترفوا به إن وجدوه، ليضعوا البديل إلى أن ينجحوا في إيجاد البديل الصحيح الناجع. ولكن من عادة العرب أن الإصرار على الخطأ (وليس الاعتراف به كما تقول الحكمة) فضيلة. وإذا ما اعترف جورج بوش بحصول بعض الأخطاء في عملية كبرى كتحرير العراق من أبشع نظام ديكتاتوري همجي وإقامة نظام ديمقراطي متحضر بديلاً عنه، اعتبر العرب هذا الاعتراف دليل الفشل والهزيمة وإن البعثيين quot;عائدونquot; لا محال!!

الفرق بين العرب والغرب شاسع. فالعرب يفكرون بقلوبهم ويتركون أمورهم المصيرية كلها بيد الحاكم المستبد يقودهم إلى الهاوية كالخرفان، وما دورهم سوى التأييد وتمجيد quot;القائد الضرورةquot;. أما الغرب فيفكرون بعقولهم وبدون صخب، فالحاكم هو منتخب من قبل شعبه بمنافسة شرسة ومن خلال انتخابات نزيهة، ورغم صلاحياته الواسعة لا يقدم على عمل إلا بعد دراسة مكثفة وواسعة من قبل الخبراء المحيطين به ومعظمهم أكاديميون، ولن تخرج الخطة إلى حيز التنفيذ إلا بعد غربلة، وحتى بعد تطبيقها يواصلون مراجعتها ونقدها وتعديلها باستمرار. وهذا عيب كبير في نظر العرب (لأن الرجل لا يتراجع ولا يغيِّر كلمته!!!).

إن عملية تغيير الحكم في العراق بعد أربعة عقود من أبشع حكم ديكتاتوري وتجهيل المجتمع المتعمد، ليس بالأمر الهين، وخاصة في بلد محاط بجيران معادية يضمرون له الشر ويعملون على تدميره. لذلك فهكذا مشروع حداثوي عملاق لنقل العراق والمنطقة من أنظمة القرون المظلمة إلى حضارة القرن الواحد والعشرين ليس بالأمر السهل مطلقاً، ولا بد أن ترافقه أخطاء وتضحيات وهزات عنيفة، ولكن في نفس الوقت هناك المجال للمراجعة والتصحيح ولا بد لهذه العملية أن تنجح لأنها غير قابلة للفشل ولأن الفشل يعني كارثة ليس على العراق والمنطقة بل وعلى العالم كله. ولذلك فالعملية السياسية العراقية لا تعرف غير اتجاه واحد وهو النجاح ودحر الإرهاب وتخليص المنطقة من شروره مرة وإلى الأبد.

فما هي المؤشرات على نجاح إستراتيجية بوش الجديدة وهزيمة أعداء العراق؟ الجواب كالآتي:
1-فشل التيار الصدري في مقاطعة حكومة المالكي: لقد حاول هذا التيار الذي له ستة وزراء في الحكومة و32 نائباً في البرلمان، ابتزاز حكومة المالكي ففرضوا شروطهم على السيد نوري المالكي قبل شهرين بعدم مقابلة الرئيس بوش في عمان، وعلى أمريكا إعلان جدول زمني للانسحاب من العراق. فرفض طلبهم، لذا سحبوا وزراءهم ونوابهم على أمل إحراج الحكومة وإفشال الخطة الجديدة. فكان الجواب على الضد مما أراد قادة هذا التيار. فالمالكي لم يرضخ لهم، والرئيس بوش لم يكتف بعدم وضع جدول زمني للانسحاب فحسب، بل قرر إرسال المزيد من القوات (نحو 21 ألف من جنود الأمريكان) إلى العراق لمساعدة الحكومة على سحق الإرهاب وحل المليشيات. وبدلاً من إصرار التيار الصدري على المقاطعة، سارع وعاد إلى الحكومة، بعد أن تأكدوا أن quot;الحديدة حارةquot; وسيكون الوضع أفضل بكثير من دونهم، فبلعوا تهديداتهم وسكتوا وعادوا نادمين. ولا شك أن أوامر المقاطعة وإلغائها جاءت من سيدهم الحاكم في إيران دافع رواتبهم.
2-نبهنا في كتاباتنا المتكررة مع غيرنا، أن إيران وسوريا هما وراء دعم الإرهاب في العراق وبدون وقف هذا الدعم ستطول محنة الشعب العراقي ومشاكل المنطقة. وأخيراً تأكدت الإدارة الأمريكية من هذا الخطر، فجعلته على رأس إستراتيجيتها الجديدة في العراق، وترجمتها إلى عمل وذلك بإرسال المزيد من القوات البحرية وكاسحات الألغام إلى الخليج لمواجهة إيران. فما كان من إيران إلا وسارعت تتوسل بالسعودية في التوسط بينها وبين أمريكا لإبعاد شبح الحرب عليها وتفادي الضربة القاضية لها، وأنها مستعدة للمساعدة في تحقيق استقرار العراق، كما وتعالت الأصوات الناقدة في داخل إيران نفسها ضد الرئيس الإيراني الموتور محمود أحمدي نجاد، محذرينه أنه يقود البلاد إلى كارثة ومطالبين بإلجامه.
3-تغيير القادة العسكريين الأمريكيين، فقد تم تعيين الجنرال ديفد بيتروس خلفاً للجنرال جورج كيسي، قائد القوات الاميركية في العراق. والجنرال بيتروس من قوات المظلات كان قائداً للفرقة 101 المحمولة جواً التي احتلت بغداد عند غزو الاميركيين للعراق، وقاد ايضاً وحدات عملت على تهدئة الاوضاع في الموصل. وعمل في العراق مدة 29 شهراً، أحد المعارضين الأشداء لحاكم العراق بول بريمر، كما كان الشأن مع السفير كروكر. كان بيتروس مستاءً الى اقصى حدود الاستياء من الطريقة التي تعامل بها العسكريون الاميركيون مع المسلحين العراقيين. كما كان من المناهضين لضم أعضاء من الميليشيات ضمن قوات الأمن العراقي، وشارك هذا الجنرال في تأليف كتاب بعد ان ترك العراق حول laquo;كيفية مناهضة التمرد والحروب غير النظاميةraquo;. يعد بيتروس من المتحمسين لفكرة تشكيل جيش عراقي لا طائفي ولا مجال فيه لجنود سبق وان عملوا مع قوات غير نظامية. (الشرق الأوسط، 20/1/2007). وهذا التغيير في المناصب جاء بعد تغيير رامسفيلد، وزير الدفاع الأسبق، بشخص أكثر مرونة ومعرفة وهو روبرت غيتس، إضافة إلى تعيين السفير ريان كروكر الذي سيحل محل زلماي خليلزاد، سفيراً للولايات المتحدة في بغداد والذي هو الآخر معروف بفهمه العميق لمشاكل المنطقة إضافة إلى اللغة العربية التي يتحدثها بطلاقة.
4-التعامل الجدي مع الإرهابيين داخل بغداد وخاصة خلال المعارك التي جرت في شارع حيفا والتي أدت إلى قتل العشرات منهم واعتقال المئات وخاصة من الإرهابيين الوافدين من خارج الحدود.
5-إعلان بعض شيوخ محافظة الأنبار في التعاون مع القوات الأمريكية والحكومية لدحر الإرهاب.
6-تم اعتقال نحو 600 من أتباع جيش المهدي في غضون الأيام القليلة الماضية والعملية مستمرة. وهذا يشير إلى أن المواجهة صارت جدية مع هذه المليشيات التي تأتمر بأوامر إيران.
7-اعتقال خمسة من المخربين الإيرانيين في أربيل قبل شهر، ادعت إيران وكالعادة في مثل هذه الحالات، أنهم دبلوماسيون، وتبين أنهم من حرس الباسداران، جاءوا للتخريب ودعم الإرهاب.

ومن كل ما تقدم، لا شك هناك مؤشرات أخرى تؤكد على نجاح استراتيجية بوش الجديدة. ومرة أخرى نؤكد أن العملية السياسية في العراق لا تقبل التراجع والفشل، سواء كان جورج دبليو بوش (الجمهوري) على رأس الإدارة الأمريكية أو شخص من الحزب الديمقراطي، فالسياسة الخارجية الأمريكية وأية دولة غربية أخرى، لن تتغير بتغير الأحزاب الحاكمة، ولأن نجاح العراق هو نجاح للعالم وانتصار لصوت العقل والحكمة، وفشله كارثة ليس على العراق وحده بل وعلى العالم كله. ولهذا فلا مكان للفشل في هذه العملية مطلقاً. وعلى حكام إيران وسوريا وكل المخدوعين من العرب وغيرهم أن يفهموا هذه الحقيقة و يعملوا وفقها لتقليل خسائرهم وذلك بالعمل على وقف النزيف العراقي والاستماع إلى صوت العقل والضمير، وإلا فالكارثة وبيلة عليهم وعلى شعوبهم. فهل من مجيب؟