جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك هي جامعة خاصة تعتبر من أعرق الجامعات الأمريكية، فقد تأسست عام 1754 أي قبل 253 سنة ككلية ملكية بأمر ملكي من الملك البريطاني جورج الثاني، وهي تعتبر من أقدم معاهد التعليم العالي في ولاية نيويورك و خامس أقدم جامعة في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي أول جامعة أمريكية درّست علم الإنسان والعلوم السياسية وفيها تأسس علم الوراثة الحديث، واشتهرت بتخريج الساسة وعلماء الاقتصاد الأمريكيين كما خرّجت أكثر الحائزين على جائزة نوبل في العلوم. أما (محمود أحمدي نجاد) فهو الرئيس الإيراني منذ يونيو عام 2005، ويعتبر من المقربين للحرس الثوري ومؤسسة القضاء والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران آية الله خامئني، وتدور شكوك حول أنه كان أحد الطلبة الإيرانيين الذين اقتحموا السفارة الأمريكية في طهران في الرابع من نوفمبر لعام 1979 (كان عمره 23 عاما) واحتجزوا 52 مواطنا أمريكيا كرهائن حتى العشرين من يناير لعام 1981 عندما تمّ الإفراج عن آخر رهينة، وهو يعتبر الرئيس التاسع للجمهورية الإسلامية التي أسسها الإمام الخميني، وأول رئيس من خارج المؤسسة الدينية للمرجعية الشيعية رغم كونه ضابطا سابقا في الحرس الثوري، ومحسوبا على معسكر المتشددين من رجال تلك المرجعية، ومن المعروف أنه فاز بالرئاسة على منافسه آنذاك الرئيس الإيراني الأسبق علي هاشمي رفسنجاني الملياردير وأشهر تجار الفستق والسجاد الإيراني، وهذا يعود إلى دعم جماعات المتشددين خاصة في الحرس الثوري وميليشيا البسيج ومؤسسة القضاء والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله خامئني الذي خلف مؤسسها ومرشدها الأول (سماحة آية الله الإمام روح الله الموسوي الخميني قدّس الله سرّه)، ويعتبر أحمد ي نجاد على نقيض الرئيس الإيراني الثامن السابق له محمد خاتمي الذي حاول تغليب منطق الاعتدال والانفتاح على كافة دول العالم بعيدا عن منطق التشدد الذي وضع إيران في زاوية العزلة الدولية، وللتوضيح فمحمود أحمدي نجاد الحالي هو سادس شخص يتولى الرئاسة بعد أبو الحسن بني صدر و محمد على رجائي و وآية الله الخامئني وأكبر هاشمي رفسنجاني و محمد خاتمي، ويعتبر الرئيس التاسع لأن خامئني ورفسنجاني وخاتمي فازوا بالرئاسة لدورتين متتاليتين.

منذ تسلمه الرئاسة أشاع أحمدي نجاد جوا من الكراهية والنفور في العالم لكل ما هو إيراني أو قادم من إيران، وذلك بسبب خطابه الغوغائي غير المتحضر المتاجر دعائيا وخطابيا بقضية فلسطين بحكم مركزيتها النظرية الديكورية عند العرب والمسلمين، وفي بداية رئاسته أطلق صفة القداسة على بلده إيران كاملة إذ قال صراحة في إحدى خطبه: (إن هدفنا تحقيق الازدهار المتنامي لهذا البلد الأصيل المقدس)، أما طريقته في التشدد المنفّر فهي ليست خطا سياسيا عنده بقدر ما هي مذهب ديني : (الأصولية ليست شعارا لحزب معين أو طيف بعينه بل هي نهج وأخلاق وسلوك)، وفي بداية رئاسته و تحديدا في الرابع عشر من ديسمبر لعام 2005 تمّ تنظيم مؤتمر في طهران حول ما يسمى دوليا (المحرقة اليهودية ndash; الهولوكست) حيث أنكر في هذا المؤتمر وقوع تلك المحرقة وأطلق عليها صفة (إسطورة) و (أن إسرائيل ستزول على غرار الاتحاد السوفييتي)، وهناك من اعتبر تدشين أحمدي نجاد لرئاسته بهذه الأقوال الصاخبة مجرد فرقعات إعلامية الهدف منها حرف أنظار العالم عن الموضوع الأساسي المتداول وهو الملف النووي الإيراني، إذ بعد هذه التصريحات أصبح من أشهر شخصيات العالم، خاصة أن إنكار الهولوكست تعتبر في دول مثل ألمانيا وفرنسا والنمسا جريمة تستحق العقاب، وسبق أن حكمت محكمة نمساوية بالسجن ثلاث سنوات على الباحث البريطاني ديفيد إرفنج لإدانته بإنكار المحرقة، وهذا ما يعتمد عليه القائلون بأن هدفه كان فقط ما أشرنا إليه، مذكّرين أنه رغم مرور أكثر من ربع قرن على قيام جمهورية الخميني الإسلامية في إيران،إلا أنها لم تقم بأي عمل عدائي أو هجومي حربي ضد دولة إسرائيل، فهي تستغل القضية الفلسطينية دعائيا وخطابيا فقط لمزيد من التعاطف معها في الأقطار العربية والإسلامية، في حين أن الضرر من إنكار المحرقة اليهودية هائل جدا خاصة عندما يقوم به قادة عرب أو مسلمون، وكما قال الكاتب الكويتي الدكتور أحمد الربعي في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ الرابع والعشرين من ديسمبر لعام 2005 : (ثلاثة من قادة الإسلام السياسي في الشرق الأوسط تسابقوا على إعادة قراءة تاريخ الهولوكست بلغة تخلو من أي منطلق أخلاقي أو إنساني. بدأ أحمدي نجادي الرئيس الإيراني بانكار المذبحة التي تعرض لها اليهود، ولحقه خالد مشعل زعيم حماس الذي أعاد خلال زيارته لطهران نفس الاسطوانة، والآن يتسابق على هذه الأطروحة المرشد العام للأخوان المسلمين في مصر. إنكار المحرقة اليهودية هو عملية تبرئة لأدولف هتلر لا يجوز أن يتطوع إسلاميونا للقيام بها، وهي تشبه إنكار إرييل شارون لمجزرة صبرا وشاتيلا رغم أنه شارك فيها بيده، وهي تشبه انكار سلفه مناحيم بيجن لمذابح دير ياسين وهو الذي شارك فيها، وهو إستمرار لإنكار المتطرفين الأتراك لمذابح الأرمن، وهي استمرار لإنكار صدام حسين في محكمته لمذابحه الجماعية. علينا أن نفرق بين تعرض الأبرياء اليهود للموت وبين استغلال الحركة الصهيونية للهلوكوست والمتاجرة بدماء اليهود).

ومنذ توليه الرئاسة يحرص أحمدي نجادي على الحديث العاطفي التهييجي في ما يعرف بيوم القدس العالمي، الذي أعلنه (سماحة آية الله الإمام روح الله الموسوي الخميني قدّس الله سرّه) يوم السابع من آب لعام 1979 على أن يكون الاحتفال الخطابي به يوم آخر جمعة من شهر رمضان المبارك التي يعتبرها المسلمون من أيام القدر، وفي الذكرى الثانية لهذا اليوم عام 1980 قال (قدّس الله سرّه) : quot; نسأل الله أن يوفقنا يوما للذهاب إلى القدس، والصلاة فيها إن شاء الله، و آمل أن يعتبر المسلمون يوم القدس يوما كبيرا وأن يقيموا المظاهرات في كل الدول الإسلامية...وأن يعقدوا المجالس والمحافل، و يرددوا النداء في المساجد، وعندما يصرخ مليار مسلم فإن إسرائيل ستشعر بالعجز وتخاف من مجرد ذلك النداء quot;. وهاهي هذه المجالس والمحافل واللطميات تقام منذ 28 عاما في يوم القدس الذي بدأه سماحته، دون أن نسمع أن إسرائيل قد ارتعشت أو خافت، بالعكس فقد سبقت يوم القدس القادم الذي ربما يصادف يوم نشر هذه المقالة بغارة جوية أرضية قبل أسابيع قليلة في عمق أراضي الحليف السوري الاستراتيجي، ظلّ النظام السوري يراوغ في نفيها أو الاعتراف بها إلى أن اعترف بها الرئيس السوري بشار الأسد (قدّس الله سرّه) يوم الأول من أكتوبر الحالي، مكررا نفس الاسطوانة المشروخة منذ عام 1967 ب (أن سورية تحتفظ لنفسها بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين) وهذه الغارة ليست الأولى فقد سبقها العديد من الغارات الجوية الإسرائيلية ورغم مرور أربعين عاما بالتمام والكمال حسب التقويمين الهجري والميلادي ومنذ زمن الرئيس الأب حافظ الأسد لم يأت بعد الزمان المناسب للرد، ورغم مرور ثمانية وعشرين عاما على بداية الاحتفالات الخطابية ومجالس العزاء بيوم القدس العالمي، وهي نفس المدة على إعلان (الجمهورية الإسلامية في إيران) لم تتحسن الأوضاع الداخلية في تلك الجمهورية ولا علاقاتها مع جوارها العربي، مما جعل كثرة من الدارسين العرب يرون أن نظرية (سماحة الإمام روح الله الموسوي الخميني قدّس الله سرّه) الخاصة بتصدير الثورة لا يقصد منه سوى تصديرها للجوار العربي، مستدلين على ذلك بتسمية (الجمهورية الإسلامية في إيران) وليس (الجمهورية الإسلامية الإيرانية) لأنها بصفة (الإيرانية) تعني أنها محدودة في محيطها الإيراني، أما تسمية (في إيران) فهي تعني الطابع المؤقت لها الآن في (إيران) في انتظار إلى أين سينجح تصديرها، ويستدلون أيضا على تلك النظرة التوسعية باستمرار احتلال الأحواز العربية منذ عام 1925، واحتلال الجزر العربية الاماراتية منذ عام 1971 أي أنه نفس الاحتلال في زمن الشاهنشاهية والإمامية الخمينية والخامئنية فهل تغير الوضع الإيراني في العهدين بالنسبة للجوار العربي ؟. لا...إنه نفس الوضع الاحتلالي والملاحظ أن شاه إيران اعترف باستقلال البحرين مع التوقف عن المطالبة بضمها لإيران في الثالث عشر من سبتمبر لعام 1971 بعد الاستفتاء الذي صوّت فيه الشعب البحريني بالإجماع للاستقلال، وبعد ثلاثة شهور في الثلاثين من نوفمبر لعام 1971 قامت قوات الشاه نفسه باحتلال الجزر العربية الإماراتية الثلاث، ليس صدفة بقدر ما هو مخطط لبقاء التوسع الإيراني قائما وممارسا، بالإضافة لأهمية الجزر ليس بالنسبة لمساحتها أو عدد سكانها بقدر ما هو موقعها الاستراتيجي عند مضيق هرمز، إذ أن 75 % من النفط العالم يمرّ من هذا المضيق، ومنه قرابة 18 % للولايات المتحدة الأمريكية و 25 % من استهلاك أوربا و 75 % من استهلاك اليابان، وتمر من المضيق ناقلة نفط كل 11 دقيقة تحث مراقبة البطاريات الإيرانية بما فيها ناقلات النفط الكويتية والسعودية والقطرية والإماراتية، وتكرر إيران في السنوات الأخيرة علنا أنها ستغلق الممر إن تعرضت لأي عدوان خارجي، وأنها ستضرب وتحرق دول الخليج الذي تصرّ على تسميته (الفارسي) بجانبيه الإيراني والعربي، ولا أظن أن هناك غطرسة أكثر من هذا التعالي والعجرفة، فمن حق إيران تسميته الفارسي من ناحيتها ولكن كيف تفرض على الجانب العربي بكل الدول العربية الواقعة عليه تسمية الفارسي ؟. وقد عادت قيادات إيرانية من جديد بالمطالبة بإعادة احتلال البحرين كما أعلن في يوليو الماضي (شريعتمداري ) مستشار المرشد الأعلى (خامئني) والمشرف العام على مؤسسة كيهان الصحفية، إذ قال حرفيا: quot; هناك حساب منفصل للبحرين بين دول مجلس التعاون في الخليج الفارسي - حسب وصفه -، لأن البحرين جزء من الأراضي الإيرانية وقد انفصلت عن إيران إثر تسوية غير قانونية بين الشاه المعدوم وحكومات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا)، واستمر شريعتمداري معززا تطلعاته التوسعية الاحتلالية بأكاذيب صريحة مدعيا (إن المطلب الأساسي للشعب البحريني حاليا هو إعادة هذه المحافظة التي تمّ فصلها عن إيران إلى الوطن الأم الأصلي أي إيران الإسلامية)، وقد كان ردّ الشعب العربي البحريني عنيفا وحاشدا عبر المظاهرات مكذبين إدعاءاته الإحتلالية التوسعية. تلك هي إيران الخميني والخامئني وأحمدي نجادي ونظرتها وعلاقاتها مع العالم وجوارها العربي.

وكيف استقبل أحمدي نجادي في جامعة كولومبيا ؟

رغم كل الاحتجاجات التي سبقت زيارته والضغوط على الجامعة لإلغاء زيارته، إلا أن رئيس الجامعة البروفسور(لي بولينغر) أصرّ على أن تتم الزيارة قائلا : quot; إن جامعة كولومبيا ملتزمة بمحاولة فهم العالم كما هو وكما يفترض أن يكون، حتى مع ارتباط ذلك بأفكار ومعتقدات مرفوضة). وبالفعل تمت زيارة نجادي يوم الرابع والعشرين من سبتمبر لعام 2007، و قدمه رئيس الجامعة قائلا ضمن ما قاله : ( أنت ديكتاتور قاس وتافه...إن إنكارك للمحرقة النازية يشير إلى أنك شخص وقح مثير للاستفزاز أو جاهل بشكل مدهش)، وقد ردّ عليه أحمدي نجادي بقوله : (إن أقوالك إهانة لمعرفة وعقل الحضور في القاعة)، ثم مارس نجادي نفسه أسوأ إهانة لمعرفة وعقول الحضور من خلال إجاباته على أسئلتهم، إذ كانت إجاباته إما تهربا بطرح أسئلة مقابل الأسئلة أو كذبا صريحا بدون خجل، فقد أنكر مثلا وجود المثليين جنسيا في إيران و أنكر أنهم يتعرضون للإعدام وحسب قوله حرفيا: quot; ليس عندنا مثليون جنسيون كما هو الحال في بلادكم، لا وجود لهذا الأمر في بلادنا. هذه الظاهرة ليست موجودة عندنا. لا أعرف من قال لكم أنها موجودة عندنا quot;. و عندما سئل عن حالات الإعدام في إيران ومنها الرجم حتى الموت للنساء المتهمات بالزنا أو شنق المثليين جنسيا، أجاب : quot; انتم في بلادكم تعدمون المجرمين وكذلك نفعل نحن). متناسيا أن كافة منظمات حقوق الإنسان العالمية والإيرانية ذاتها تعتبر أن انتهاكات حقوق الإنسان في إيران من أقذر الانتهاكات في العالم، وآخرها الاعتقالات للعديد من المواطنين الإيرانيين حملة الجنسية الأمريكية وهم في زيارة لذويهم وكلهم بتهمة التجسس فقط لتصفية حسابات سياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية. وقد وصل الحد ببعض الكتاب العرب مثل بسام درويش أن يقول: (إنني وعلى الرغم من تقديري العظيم لرئيس الجامعة البروفسور بولينجر للكلمة الشجاعة والمحكمة التي ألقاها، لا زلت أعتقد أن رجلا كهذا الرجل - يقصد نجادي - لا يستحق أن تطأ قدماه أرض الجامعة إطلاقا. في الواقع كان على السلطات في الولايات المتحدة أن تعتقله فور وصوله لإجراء بحوث إضافية - حسب تعبيره - تتعلق بمشاركته سنة 1979 في عملية الهجوم على السفارة الأمريكية في طهران وأخذ موظفيها رهائن. إن الخلاص من هذا المعتوه ليس مسؤولية الشعب الإيراني فقط بل مسؤولية العالم أيضا).

إزاء ما سبق إيراده موثقا عن ممارسات الجمهورية الإسلامية في العالم وأقطار العرب من خلال رموزها ومنهم محمود أحمدي نجاد، نسأل : هل يستحق أحمدي نجاد ما واجهه في جامعة كولومبيا ؟.

أترك الإجابة للقراء محكمين عقولهم وليس عواطفهم، وكانت صحيفة نيويورك ديلي نيوز قد أجابت على السؤال قائلة : (لقد وصل الشرير).
[email protected]

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونيه