بعد تصويت مجلس الشيوخ الامريكي على تقسيم العراق، رأينا الدهشة والاستغراب على كل وجه ولسان، وقد امتلأت الصحف بالمقالات ووزعت البيانات من المنظمات العراقية والعربية التي تعبر عن حزنها وقهرها على هذا القرار، وتوعدت بعضها الولايات المتحدة على هذه الجريمة النكراء بحق العراق وطنا وشعبا، وتذكر البعض عمرو بن كلثوم ومعلقته التي شغلت العرب عن جل امرهم، وتذكروا:

بأنا نورد الرايات بيضا ونصدرهن حمرا قد روينا
ونشرب اذ وردنا الماء صفوا ويشرب غيرنا كدرا وطينا

الكل هذه الايام يبحث عن طريقة يعبر بها عن شديد استنكاره واحتقاره للولايات المتحدة، والكل يريد ان يثبت وطنيته بكلمة هي بمثابة رد فعل على قرار التقسيم لمجلس ليس بعربي ويقرر لبلد عربي مستقبله. راسما خارطته كما يحلو له مستهينا بمقدراته!...
يذكرني هذا بمواقف كثيرة واستنكارات وتنديدات عربية على مدى التاريخ الذي ظل يضحك على العرب ويسخر من اساليبهم البالية في كل شيء بالحياة, كالموروثات العتيقة التي يقدسونها، وكالاقوال والامثال وبعض الاشعار التي اكل الدهر عليها وشرب، ومثل الفخر العربي الذي ابتلينا به وجعل مواقفنا تتسم بالحماقة والعصبية دون الحلم والحكمة، ومثل احترامنا للموت وتفضيله على الحياة حتى استعمر حيواتنا وجعلها رهنا لما بعد الموت، فالشهداء اكرم بني الدنيا وانبل بني البشر والموت اهم من الحياة، وجنة الخلود هي هدفنا الوحيد الذي اليه نسير بعيدا عما يحل بنا في هذه الدار الفانية، وافناء النفس اسرع وسيلة نقل للفردوس..
سيطر ذلك على ادمغة الشباب وجعل بعضهم ارهابيين، وصارت العنجهية فكرا واتجاها خاصة وتراثنا يؤكد على ذلك في بيت شعر شهير:

وانا اناس ٌ لا توسط عندنا times;times; لنا الصدر دون العالمين او القبرُ

عجبا، حتى الان وفي زمن يتشدق الكثير منا به بكلمة الديمقراطية، لا توسّط عندنا؟
حتى الان نصر على اننا احسن الناس ولا نرى عيوبنا التي اوصلتنا الى مانحن عليه؟ حتى الان ورغم اننا تحت حماية ووصاية سوانا من الدول نتهدد ونتوعد معتقدين تمكننا من الوقوف بوجه الاعداء!
حتى في زمن الهزائم والارهاب، زمن اميتنا وجهلنا الفاضح بين شعوب العالم نريد الصدر؟
وان اصبحت شعوبنا كتماثيل المتاحف بعد ان سحقتنا عجلة التطور وهاجرت الملايين منا طالبة اللجوء في بلدان الاعداء والكفرة كما احببنا تسميتهم؟
ننادي برفع الرأس والشموخ العربي امام الذين يجلسون في عقر دارنا والذين نحتكم لهم بحل مشاكلنا فيما بيننا، حتى اليوم نوهم انفسنا بالتفوق والافضلية رغم ان مجتمعات العالمين جميعا احسن من مجتمعاتنا المتفسخة والجاهلة والفاسدة والمستهلِكة فقط والمشدودة للماضي السحيق الذي لا يمد الحاضر بشيء بعد القفزات التطورية التي سببت قطعا بين الماضي والحاضر وبات الفارق موحشا وكبيرا ومحرجا لنا بكل علومه؟
فاين العقول التي نحمل في رؤوسنا ومافائدتها؟
ماذا كنا نتوقع من دولة محتلة وهي اقوى دولة عسكريا ان تعمل في ماتملكته واعطت من اجله الاف الضحايا؟
ماذا نريد منهم ونحن نعرف تماما ان بداية الازمة ليست الان بل هي ابتدأت يوم بدأ عميلهم صدام حسين بحربه ضد ايران ليستنزف طاقات المنطقة بشريا واقتصاديا تبعته بيوم اعطته فيه الضوء الاخضر لغزو الكويت، ليبتديء مشروع التقسيم بالتنفيذ في ملفات سرية منذ تلك الساعة وليس الان..
الكثير من العرب الذين دافعوا عن الطاغية صدام صدقوا ان مجموعة من المعارضة العراقية هي التي دفعت الولايات المتحدة ان تجيش الجيوش وتغزو العراق, فاية سذاجة لدى هؤلاء واية تغطية على نوايا الاحتلال كانوا ينفذون دون علمهم !
ماذا كنا نتوقع من الولايات المتحدة؟
وماهي الحلول المنطقية التي قدمتها جامعة الدول العربية للعراقيين لإيقاف الابادة البشرية الحاصلة لجميع الاطياف العراقية؟
ماذا قدمت الحكومات العربية والشعوب الشقيقة؟
وماذا توقعت الحكومة العراقية التي انشغلت بالمحاصصة الحزبية والحصول على المكاسب المادية؟
ماذا توقعت الاحزاب الاسلامية التي استغرقها التاريخ بكل عصبياته, والدين وطقوسه, واحياء الذكر وتسيير المسيرات والاحتفالات الدينية دافعة الجماهير المجروحة للتجهيل والبكاء والابتعاد عما يحصل ببلدهم ومايراد بهم مشعلة بكلمات الثأر احقادا ماتت فاتحة المجال للمتربصين من فلول البعث والقاعدة التي ترك لهم المحتل حدود العراق بطولها وعرضها سائبة للتصيد بالماء العكر وتأجيج الصراعات الطائفية التي افتعلت بداية واصبحت واقعا مرا نهاية الامر.
ماذا علينا ان نتوقع من مجلس الشيوخ الامريكي الذي يقر بين الفترة والاخرى ميزانيات كبيرة تدعم الوجود العسكري الامريكي من اجل انهاء الازمة وانتظار يوم انسحاب الجنود الامريكان واستقرار الوضع الاقتصادي الذي سيعوض الولايات المتحدة خسائرها ويرضي شركاتها التي ستعمل على بناء العراق واستثمار موارده الطبيعية كما كان متفقا عليه قبل بدء الحرب؟
ان كان قرار التقسيم المطروح الان قرارا غبيا وقاهرا للعراقيين، فأي قرار تقسيم في تاريخ بلد ما كان قرارا حسنا ومفيدا؟
وهل كان تقسيم تركة الرجل المريض قرارا صائبا؟ وهو القرار الارتجالي الذي لم يراع سوى مصلحة الدول القوية التي وزعت الغنائم فيما بينها..
وهل ان خارطة العراق التي احببناها ودخلت في سايكولوجياتنا كوطن حدوده هذه الخارطة وعليها قدسناه واسميناه عراقا، هل كانت صائبة وقد خططها عسكر جلف غير مراع لاي تركيبة سكانية به؟ بل عومل سكان المنطقة جميعا على انهم اقل من بشر لانتشار الجهل والسذاجة وقلة الحيلة، فهم كما كان الانتداب يقول:
quot;لابد من قيادة هذه الشعوب ومساعدتها حتى يتسنى لها الوقوف على قدميها quot;
هل وقفت على قدميها يا ترى؟
ام انها انتكست بانتشار التعصب الديني الذي استغرق شعوبها ودمرها؟
لو كان لدينا قادة وطنيون حقا لاستطاعوا ان ينسوا خلافاتهم ويجدوا اسلوبا للتعايش وقانونا يرضي جميع الاطراف امام الدمار الذي ينتظرهم.
هل يتعض قادة العراق سريعا ويحلوا خلافاتهم ويوقفوا العنف تفاديا لتطبيق قرار التقسيم وليسحبوا البساط من تحت الاحتلال؟
هل يعملون عراقا موحدا يأخذ بنظام الوحدات الادارية اللامركزية الذي توزع الثروة به على عدد السكان وينهون كل العذابات؟
هل ان حل الخلافات بعد طاغية العصر صدام امر صعب للغاية ليدمروا كل امل بعراق حلمنا به وليسقطوا كل احلامنا؟
لقد غنينا للعراق على اختلاف الانتماءات فأين هم من كل غناء الاطفال والشعراء الفقراء؟
هاهو قرار التقسيم قد طرح بحجة السيطرة على الوضع من قبل الدولة العظمى التي تقسم على مقاساتها هي, تخطط الحدود بما تراه مناسبا، تتصرف على اساس مايقدم اليها من تقارير يراقبها مجلس الشيوخ ليزيد او يقلل نفقات الجيش على اساسها، انها وظيفتهم ومسؤوليتهم، وهم اصحاب القرار القادرين على تدميرنا متى شاءوا، فماهو رد فعلنا نحن؟
هل سينقذنا الدعاء عليهم وعلى نووياتهم ان لا تصيبنا؟
بأي قوة سنواجه قرار التقسيم؟ ومن نحن لنستطيع ان نواجههم؟
ترتفع ايادي البرلمان العراقي بالرفض او تمتليء شوارع العراق المنكسر بالتظاهرات الغاضبة, او نموت جميعا غيضا وقهرا على بلد احببناه، كله سواء ان كان القرار صائبا كما يراه قطب العالم الأوحد الولايات المتحدة...
هذا حصادنا وذاك حصادهم، وشتان بين الحصادين...


أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونيه