هل عادت الشراكة التاريخية بين دفتي الأطلسي إلي سابق عهدها؟.. قبل الحرب علي العراق حدث الانقسام، ليس بين أوروبا والولايات المتحدة فحسب، وإنما قسمت أوروبا نفسها إلي quot; جديدة quot; و quot; قديمة quot;. واستمر ذلك بعد الحرب، وعلقت مشروعية الأمم المتحدة حتي اشعار آخر، وعكس مجلس الأمن الانقسامات نفسها، وغيرها. ومع ذلك فإن الواقع السياسي المتغير في العالم خلال السنوات الأخيرةrlm;، وإحتمالات مجيء رئيس ديمقراطي إلي البيت الأبيض خلفا للرئيس جورج بوشrlm;، بالإضافة إلي التغيرات في المجال الدوليrlm;، خاصة مع إزدياد القوة الآسيوية الناهضة والمنافسة لأوروباrlm;، فضلا عن الإقتناع الكبير بأن روسيا سوف تستعيد مكانتها العالميةrlm;، كل ذلك دفع القادة الجدد في أوروبا، وفي مقدمتهم ساركوزي وميركل، نحو إعادة العلاقات مع الولايات المتحدة إلي سابق عهدها.
علي مدي ستين عاما، مثلت هذه الشراكة قوة وقدرة ليس لأوروبا وأمريكا فقط وإنما للعالم برمته. وكان شعار quot; كلنا أمريكيون quot; في مواجهة الإرهاب عقب زلزال الحادي عشر من سيتمبر 2001، الذي عنون به quot; جان ماري كولومباني quot; جريدة quot; لوموند quot; الفرنسية، هو الرد الأوروبي لدين أمريكا التي رفعت شعار quot; كلنا أوروبيون quot; خلال الحرب العالمية الثانية، وكأنه تجديد للعهد، وتأكيده.
لكن خلال أعوام قليلة تبدل كل شئ، وما بدا علي السطح طوال الحرب الباردة وبسبب التهديد السوفياتي، كان يخفي ما تضطرب به الأعماق التي كشفت عن خلاف اساسي في الثقافة الاستراتيجية بين أوروبا والولايات المتحدة. فالأولي تخلت عن فلسفة طبعت سلوكها إبان الفترة الاستعمارية التي امتدت اربعة قرون ولم تعرفها الولايات المتحدة. أما هذه الأخيرة فهي تعيد سيرة القوي الامبريالية العظمي التي تحررت من عقدتها أوروبا.
وحسب تعبير وزير الدفاع الامريكي الأسبق دونالد رامسفيلد: quot; لابد من تحقيق اللقاء بين القرن التاسع عشر والقرن الحادي والعشرين quot;. ويقصد بذلك العودة الي ما كان يعرف بالنظام البريطاني في ثوب امريكي. أما القرن التاسع عشر فهو قرن الاستعمار المباشر وغياب quot; الثنائية القطبية quot; في النظام الاقتصادي السياسي.
علي ان أخطر ما في هذه التوجهات هو مفاهيمها وخلفيتها التي تعود الي الإرث الامبراطوري الروماني، حيث تري في quot; الآخر quot; و quot; الغريب quot; و quot; البعيد quot; وجه البربري، وتحاول علي غرار الامبراطورية الرومانية ان تختصر العالم الي قرية كونية خاضعة لأحكامها وقوانينها بالقوة.
كان طبيعيا ان تصطدم هذه التوجهات بأوروبا اولا اكبر الحلفاء الاستراتيجيين، التي استشعرت بحكم ميراثها الفلسفي السياسي، وخبرتها التاريخية والاستعمارية خطورة تطبيقها عمليا، إذ انها ليست نظاما عالميا يقوم علي قدر من التوافق الدولي وإنما تنظيم لفوضي يراد لها ان تعم العالم بالقوة.
ففي مقابل quot; الحرب الاستباقية quot; التي روجت لها الادراة الأمريكية الحالية منذ عام 2000، ولبس عقب زلزال سبتمبر 2001 (عمليا.. طبقت اسرائيل الحرب الاستباقية في 1967 و1982، مرورا بضرب المفاعل العراقي عام 1981)، تقترح اوروبا quot; الديبلوماسية الوقائية quot;، علي لسان quot; جان ايليا سون quot; وزير خارجية السويد الأسبق، إذ ان انفجار الصراعات اصبح السمة المميزة لعالم اليوم، ما يتطلب تطوير وتفعيل quot; ثقافة الوقاية quot; التي تلتقط النذر الأولي للإنفجارات المتوقعة. وهو ما قابلته أمريكا باستخفاف وبررت ذلك بأن quot; أوروبا ليست ذات شأن عسكري لذا فهي تركز علي الدبلوماسية كحل للنزاعات quot;.
الأخطر من ذلك ان الامريكيين يعزون عدم التزام اوروبا الكامل بمكافحة الارهاب الي معاداة مستترة للسامية، أما الاوروبيون فيرون ان الحرب ضد الارهاب لا يمكن لأمريكا ان تكسبها علي الرغم من قوتها الساحقة؟. ذلك ان quot; الغضب البارد quot; يتسلل من الحواجز الأمنية والجمركية، ولا يظهر عند تفتيش الحقائب، ولا تصلح معه الحروب الاستباقية، ويتساءل الأوروبيون حول ما اذا كانت امريكا تواجه التحدي في شكل فاعل أم ان ممارستها وسياستها هي التي تغذي الارهاب الذي تريد القضاء عليه.
ولكن بدأت أوروبا تشهد في الفترة الأخيرة تغييرا من جانب الحكومات الجديدة التي خلفت الرؤساء السابقين المعارضين لسياسة الرئيس بوشrlm;، في محاولة لإيجاد طريقة للتخلص من حالة المعاداة للسياسة الأمريكيةrlm;. ففي اجتماع شمل سفراء فرنسا في العالم قال الرئيس ساركوزي:'rlm; إنني من بين الذين يعتقدون بأن الصداقة بين الولايات المتحدة وفرنسا تعتبر اليوم هامة مثلما كانت خلال القرنين السابقينrlm;'.rlm;
وحسب مجلة التايم الأمريكية فان ساركوزي وميركل يتصرفان وكأن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك والمستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر ينتميان إلي عصر أخرrlm;.rlm; ومن وجهة نظرهما فإن ظروف هذا العصر قد إختلفتrlm;.rlm;

فعلي مستوي القيادات السياسية في أوروبا يسود إحساس اليوم بأن الرئيس بوش قد يكون في مرحلة تغيير سياستهrlm;، علي الأقل بالنسبة للعراقrlm;، وأن هناك رغبة قوية في التعاون الإقتصادي بين الولايات المتحدة وأوروبا في وقت تزداد فيه مكانة كل من الصين والهند كقوة منافسة إقتصاديا، بالإضافة إلي العودة إلي سيطرة الفكر الواقعي علي الفكر الإيديولوجي سواء كان ذلك في مواجهة المحافظون الجدد في أمريكا أو الإشتراكيين القدامي في أوروباrlm;.rlm; وأن هذه الواقعية تدعو إلي محاولة حل المشكلات الدولية بطريقة تبعد عن التطرف الذي يحكم الفكر الإيديولوجيrlm;.rlm;


كما أن من الأسباب التي دعت بعض الدوائر السياسية في أوروبا إلي الإهتمام بتضييق الفجوة علي جانبي الأطلنطيrlm;، ما يراه البعض من أن روسيا تعمل علي إستعادة مكانتها الدولية وهو ما يجعلهم يرون أن ذلك قد يكون طريقا للعودة إلي حرب باردة جديدةrlm;، وبالتالي ينبغي إعادة العلاقات الطبيعية غير التنافسية بين أوروبا والولايات المتحدةrlm;.rlm;

ويعتقد البعض أن الولايات المتحدة قد تكون لديها رغبة متزايدة في العمل مع الحكومات الأوروبية وليس التصرف منفردة في معالجة مشكلات مثل القدرة النووية الإيرانية والنزاع في الشرق الأوسطrlm;.rlm;

قبل عقد من الزمان أكد العالم الاسترالي كورال بيلrlm;: quot; ان التحدي الامريكي في عالم مابعد الحرب الباردة، وحتي لا تعيد أجواء الحرب الباردة مرة أخري، هوrlm;:rlm; ان تعترف امريكا بتفوقها بشرط ان تدير سياستها كما لو كانت تعيش في عالم ملئ بمراكز القويrlm;.rlm; ففي مثل هذا العالم ستجد الولايات المتحده شركاء ليس في تقاسم الاعباء النفسيه للقياده فحسبrlm;، بل في صياغة نظام دولي يتماشي مع الحرية والديمقراطية.rlm;

أستاذ الفلسفة جامعة عين شمس
[email protected]

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية