يقول المثل الدارج 'حاميها حراميها'، ويمكن في بعض الحالات أن نقول 'مخربها بانيها'، وحتى 'قاتلها منقذها'.
إن المهازل العراقية كثيرة، والأخيرة منها ما تقدم به النظام الإيراني إلى مؤتمر إسطنبول المنفض أخيرا باسم إخراج العراق من أزمته السياسية المتفاقمة.
ماذا تقترح إيران؟
- خروج القوات المتعددة الجنسيات؛
- تولي الشرطة والجيش العراقي كافة المسئوليات الأمنية بعد 'فشل القوات الأجنبية'؛
- إخراج الشركات الأمنية الأجنبية؛
- العفو العام عن جميع السجناء المتهمين بمهاجمة القوات المتعددة الجنسيات، أي المطلوب مهاجمتها!؛
- عفو عام عن المليشيات ' التي لم تتورط بالتعاون مع الإرهاب'، [كما يدعون]، وتجريدها من السلاح، وضم أفرادها للجيش والشرطة؛
- تشكيل لجنة من العربية السعودية، وسوريا، وإيران، وتركيا بإشراف الأمم المتحدة لدعم الحكومة العراقية في تنفيذ فقرات البرنامج الإيراني.
ثمة بنود أخرى وقد قدمنا الأهم.
إن سببا أساسيا من أسباب الأزمة العراقية، كما لا يخفى على أحد، هو بالضبط التدخل الإيراني في الشأن العراقي منذ سقوط صدام، مخابراتيا، وسياسيا، وفكريا، واقتصاديا، ودعم إيران المفضوح للمليشيات الطائفية، التي أراقت من الدم العراقي ما لا يقل عما أراقه الإرهابيون القاعديون والصداميون؛ كما ثبت دعم إيران للقاعديين في العراق، مثلما تدعم الطالبان والقاعدة في أفغانستان.
إن نظام خامنئي ndash; أحمدي نجاد مسئول عن تغذية الطائفية ونشرها في العراق، وعن التواطؤ في استيراد النفط العراقي المهرب، وعن إغراق البصرة والجنوب كله بضباط فيلق القدس الإرهابي. إنه منذ مدة قصيرة قد قصف القرى الحدودية الكردية أياما دون أن نسمع إدانة حكومية عراقية.
إزاء ما نعرف عن هذا الدور الإيراني، فإن أي برنامج وطني حقيقي، مدعم دوليا، لحل الأزمة العراقية يجب أن يطالب أولا بوقف التدخل الإيراني، ورفع اليد الإيرانية عن البصرة والجنوب، ووقف دعمها لجيش المهدي.
إن النظام الإيراني، بعد كل ما يقترفه بحق شعبنا ووطننا، يريد تشكيل لجنة رباعية (طبعا محايدة جدا) تضم إيران وحليفتها سورية، وهما البلدان الإقليميان الأكثر تدخلا في الشأن العراق. ماذا نريد أكثر؟!
إن الأزمة العراقية هي من العمق والتفاقم بحيث يحتاج حلها لقيادات وطنية تؤمن بالعراق حقا وصدقا، وتضع المصالح الوطنية قبل الاعتبارات الطائفية، والعرقية؛ قيادات تعمل على إدانة وإيقاف كل تدخل خارجي، وتكريس القوى لمحاربة الإرهاب، ومكافحة الفساد المستشري، والتوجه الجاد نحو معالجة مشاكل الخدمات.
إن القول بأن القوات المتعددة الجنسيات 'فشلت' في المهمة الأمنية هو مجرد ضحك على العقول وعلى الحقيقة، فالقوات العراقية لا تزال في حاجة كبرى لهذه القوات، التي بفضلها أولا تمت العمليات الأمنية الهامة والناجحة؛ كما أن دور الشركات الأمنية الخاصة لا يزال، و مع الأسف، مطلوبا رغم ما نسب لشركة بلاك ووتر. نضيف هنا أن الاهتمام الحكومي بالتهم المنسوبة لهذه الشركة كان جيدا ودليل حرص على أمن المواطنين، ولكننا نسأل: وماذا عن جرائم الصدريين، الذين يواصل القادة العراقيون مخاطبة زعيمهم ب'يا سماحة' السيد فلان.
لقد تحققت خطوات أمنية هامة ، سواء في بغداد أو الأنبار، وصارت العشائر السنية في الأنبار تطارد مجرمي القاعدة، وهذا حسن، وقد كان على الحكومة تشجيع الدعم الأمريكي لهذا التوجه بدل إعلان المخاوف منه. صحيح إن دور العشائر في السياسة ظاهرة مرفوضة من حيث المبدأ، وكان الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم قد عالج هذه المشكلة، وعاد صدام لإحياء العشائرية وإقحام العشائر في الشئون السياسية؛ أما اليوم، وفي الظرف الأمني المتدهور، فإن دور عشائر الأنبار يجب تشجيعه لمرحلة معينة، ومن ثم، وبعد انفراج الأزمة، لا بد من معالجة مبدئية لدور العشائر في المجتمع وعلاقاتها بالدولة.
بجانب كل الأدوار الإيرانية السلبية في العراق، كما في لبنان، وفي القضية الفلسطينية، وهو ما لا يبعث على أي حسن ظن بالبرنامج الإيراني المقترح للعراق، فإن علينا أيضا عدم تجاهل سباق التسلح النووي الإيراني، وإعلان أحمدي نجاد من جديد بأن إيران لن توقف تخصيب اليورانيوم لوحدها. إن إيران مزودة بسلاح نووي ستشكل خطرا داهما على المنطقة وعلى العراق بالذات، وسوف تستخدم القنبلة، في حالة صنعها، سلاحا للضغط والابتزاز الدائمين.
أخيرا ننصح النظام الإيراني بأنه خير له لو فكر في الأزمة الإيرانية التي تتجمع عواملها داخليا، وفي أزمة علاقاتها مع المجتمع الدولي، التي لا يمكن أن تحلها بركات السيد البرادعي ومسايراته!

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية