أرسل لي الأخ صالح من تورنتو، رأيه في مشكلة النفط واليورو والدولار، ويذهب إلى أن بيع النفط بالدولار مصيبة على العرب، ونفع لأمريكا ولو بلغ سعر البرميل 180 دولارا، طالما كان في قدرة أمريكا طبع الورق الأخضر بماكينات جاهزة للتزوير.
وفي الواقع فإن هذا الموضوع تتبعته أنا منذ زمن طويل وقرأت فيه بدقة رأي خبراء الاقتصاد، ويبدو أن هبوط أمريكا الحالي الاقتصادي مؤشر أبعد من كونه اقتصاديا، بل إن اثنين من خبراء الاقتصاد الأمريكيين أعلنوا في كتاب اقتراب موعد الإفلاس الكبير لأمريكا، ولذا فإن هبوط ضغط الدم الأمريكي قد يصل لحالة الصدمة غير القابلة للرجوع، كما هو الحال مع صدمات المرضى غير القابلة للانتعاش (Irreversible Shock).. عندها سوف يركب بوش بسكليت بدل سيارة ليموزين.. وهذا القدر دخلت فيه أمم شتى وأمريكا غير محصنة ضد قدر التاريخ..
إنه من الغرابة بمكان أن الأمة العسكرية الأشد بأسا أمريكا حاليا سوف ينال منها الإقتصاد. وفي العادة يهرب الناس زمن الأزمات إلى الدولار كمنطقة أمان ولكن الذي يحدث هو العكس، فلم يتحسن الدولار في حرب العراق، بل هبط وما زال. واليوم تخزن دول مهمة مستودعاتها باليورو مثل روسيا والصين وتايوان وكندا.
وتتوالى شهادات خبراء الإقتصاد عن مستقبل مظلم للدولار الأمريكي فعندما يفكر Jim Orsquo;Neill الخبير الإقتصادي في بنك جولدمان ساكس الإستثماري Goldman Sachs حول مستقبل الدولار لا يخرج إلا بالتشاؤم 'سوف يفقد الدولار المزيد من قيمته أمام اليورو وسوف يصل سعر صرف اليورو مقابل الدولار إلى 1.2 أو1.3 أو ربما 1.4. وأكثر من ذلك؟؟
ويذهب إلى نفس التحليل ميشيل كلاوتر Micheal Klawitter خبير العملات في بنك West LB في لندن ويرى أن صعودا في اليورو سيرافقه حضيضا في الدولار وأن يصل اليورو إلى 1.4 دولار موضوع مفروغ منه. وهو ما حصل في خريف 2007م حيث وصل اليورو 1,44 من الدولار وبلغ الدولار الأمريكي مقابل الكندي 92 سنتا وهو أمر لا يخطر في بال أحدنا في أشد الكوابيس ظلاما؟
ويتعاظم الشك في البورصات في أداء أمريكا القوة الأعظم، ليس في قوتها العسكرية لكن الاقتصادية.
وينمو الخوف أن الاقتصاد الأمريكي ليس ذلك الصلب كما كان متوقعا. وأن النمو الذي عاشه البلد سابقا لربما يفاجأ بانهيار حاد.
وينقل أولريش شيفر Olrich Schafer عن فيم دويزنبيرج Wim Duisenberg رئيس البنك المركزي الأوربي قوله 'إن الرفاهية في أمريكا في قسمها الأعظم هي محصلة نفخ اقتصادي، وأنها تتغذى على قصور مضاعف Double deficit '
وعندما يشرح هذا القصور المزدوج يقول لقد كان المؤشرات تتوهج احمرارا في هبوط الميزانية الأمريكية وتوازن التحمل، وهكذا حول بوش الميزانية المعافاة التي خلفها له كلينتون خلال سنوات إلى قصور هائل، فمن جهة مد يده إلى أموال الموعين ليستدين 380 مليار دولار من أجل تخفيف الضرائب وتمويل الحرب، وهو يعني سلبا 4% من الإنتاج الوطني، ومن الخارج ارتفعت كمية الواردات ما اضطر أمريكا لضخها بـ 500 مليار يورو من أمول خارجية كي تغطي حمى الاستهلاك الأمريكي.
إن هذا الشرخ في (توازن التحمل) لم تطق عليه نمور آسيا في الشرق الأقصى، وفي الوقت الذي بلغ المخطط ذروته، وفقد الناس ثقتهم بالأداء الاقتصادي، انهارت أندنوسيا وتايلاند بين ليلة وضحاها، وهو ما يقوله رئيس قسم الاقتصاد الوطني في البنك الألماني نوربرت فالتر Norbert Walter '
أننا قد نكون شهود انفجار فقاعة الدولار بعد فقاعة الأسهم'
واليوم أعظم المدخرات في الدولار هي في الشرق الأقصى (اليابان حوالي 800 مليار، الصين حوالي 1100 مليار، تايوان 162.3، كوريا الجنوبية 121، وهونج كونج 111.9، مقابل ألمانيا 56.4، وأمريكا 80.4 مليار دولار)
وهكذا فإن الدول الأسيوية بيدهم نصف الأموال العالمية ويشجعوا رخاء شريكهم أمريكا ولكن إلى متى؟
وهذه الدول تسعى إلى رفع احتياطها من اليورو فتايوان مثلا رفعت احتياطها من اليورو من 20 إلى 35 % وسنغافورا إلى 30%. وكانت نسبة المدخرات عام 99 في البنوك العالمية بين الدولار واليورو 5.8 مرة وبعد ثلاث سنوات نزلت إلى 4.6 والمخطط يتزحزح تدريجيا باتجاه اليورو.
هذه الأرقام تقول أن أمريكا قابلة للإصابة، وأن رفاهيتها تقوم على أن العالم يشتري الدولار، لأن البترول يباع بالدولار، وبهذه الكيفية فإن الثقوب في التوازن الاقتصادي الأمريكي، تسد طالما كان البترول يباع بالدولار وبالدولار فقط. مما يبقى الطلب على العملة الأمريكية في مستواها الحالي.
ومن الغريب أن صدام فطن إلى هذا التحول وهي رمية من غير رامي ولكنها كانت صائبة عندما اعتمد بيع البترول باليورو بدل الدولار.
وهذا التوجه لو نما بحيث أن بيع البترول انقلب إلى اليورو فإنه سيقود إلى كارثة على أمريكا؟؟
وذهب المؤرخ الأمريكي (وليام كلارك) منذ أيام غزو أمريكا للعراق أنه لم يكن من أجل أسلحة الدمار الشامل، بل من أجل احتكار بيع النفط بالدولار فقط، وقطع الطريق على فكرة صدام أن تتطور من شبح إلى حقيقة دولية. وهي نظرية تم تناقلها بالانترنيت تلك الأيام.
وقد يأتي الوقت الذي يخاف الاقتصاديون ويرتعب المودعون بأن الأخطار كبيرة فيسحبوا أموالهم بالدولار عندها ستحدث الصدمة الكبرى، وهو ما خشي منه المؤرخ الاقتصادي هارولد جيمس من جامعة برينستون. وحذرت يومها مجلة النيوز ويك قراءها الأمريكين من التطورات الدرامية بقولها 'انسوا الحرب العراقية. انسوا النزاع الأطلنطي. إن أم المعارك تتربص بكم في جبهة أخرى'.
إن التاريخ يروي عن دورة انهيار الحضارات أنها تتحول من فكرة إلى ثورة ثم تتجمد في صورة دولة ثم تكبر إلى قوة إمبراطورية امبريالية ثم يجف النسغ في شجرتها كما يقول شبينجلر الفيلسوف والمؤرخ الألماني ثم تتخشب فتهوي فتصبح غثاء أحوى. سنقرؤك فلا تنسى.
هذا ما حصل لروما ثم بريطانيا واليوم أمريكا...
ومن يغفل عن سنن الله فإن سنن الله لا تغفل عنه.

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية