يتوجه الأردنيون غداً الثلاثاء إلى صناديق الاقتراع، لاختيار نواب quot;مجلس الأمةquot; الخامس عشر، في مرحلة سياسية واقتصادية واجتماعية دقيقة في تاريخ الأردن الحديث.

فهل من جديد في المجلس القادم؟

ربما تتبدل الصور، وتتغيّر أشكال نواب مجلس الأمة الخامس عشر القادم، ولكن الأداء سيكون هو نفسه، لأن الناخب الذي يوصل النائب إلى مجلس الأمة هو نفسه لم يتغير كثيراً، بل ربما أصبح أسوأ من الماضي، وأكثرطمعاً بمال المرشحين، الذين كانوا يُغدقون المال في الماضي، وهم في هذه الانتخابات يغدقون مالاً غزيراً غير مسبوق. وهكذا، سيكون حال المجلس النيابي القادم كحال أكثر من ثمانين حكومة سابقة، توالت على الأردن، منذ أن أصبح الأردن دولة مستقلة على خارطة العالم، مما دعا أكثم التل لأن يطلق على بلده الأردن quot;بلد المليون وزيرquot;. فالحكومات الأردنية كانت ndash; وما زالت - تأتي وتذهب، دون أن يعرف المواطن الأردني لماذا جاءت، ولماذا ذهبت.. فتلك هي quot;إرادة ملكية مطلقةquot;. ودون أن تقدم أية انجازات تُذكر، إلى درجة أن بعض المحللين السياسيين للدولة الأردنية يقولون، أن الأردن يتقدم ndash;ولو بطيئاً متعثراً - بقوة الدفع الذاتي، وبفضل رجال الأعمال والمستثمرين، وبعض نخب المثقفين والأكاديميين فيه، وكذلك بفضل المساعدات المالية الخارجية والدعم السياسي الخارجي، وليس بفضل عبقرية وشفافية وانجاز سياسييه في الحكومات والبرلمانات المتعاقبة.

وشهد شاهد من داخله
فقد نقل موقع quot;سراياquot; الأردني على الانترنت مقالي السابق (هل يحتاج الأردنيون إلى برلمان جديد؟) المنشور في quot;إيلافquot; أصلاً، ونال تعقيب أكثر من ستين قارئاً، كان أبرزهم

المرشحة الأردنية روان العدوان
تعليق د. عبد اللطيف الرعود، الذي قال بعدم جدوى الحياة البرلمانية الأردنية، وأنها عبث في عبث، وقدم لنا من داخل الأردن وصفاً دقيقاً لنواب مجلس الأمة، على النحو التالي:
quot;من وظائف مجلس الأمة التشريع، والمراقبة، وتفسير الدستور، وتفسير القوانين، وسنِّها. وأنا أجزم بأن السواد الأعظم من أعضائها، لا يستطيع أن يُفسّر جملة واحدة من مفردات السياسة، أو العلاقات الدولية، أو الاقتصاد، أو تحرير السوق، أو الأحزاب السياسية، أو المعاهدات الدولية، أو منظمات المجتمع المدني، أو علاقة المواطن بالدولة وعلاقة الدولة بالمواطن.. الخ. أغلب النواب من لا يستطيع أن يُلقي على مسامع الناس جملة واحدة مفيدة، تخصُّ أي موضوعquot;.
وكتب المعلق الأردني عماد شاهين (موقع عمون، 13/11/2007) عن الحملة الانتخابية الحالية المليئة بالمال، والطبيخ، والشعوذات يقول:
إن ما يحدث من دعاية انتخابية قد فاق حدود العقل والمنطق، بعد أن غابت بعض العقول الفكرية والنقدية وطغى المال وهواجس العقل الباطني على السلوكيات والتصرفات. فما بالك بمن استعان بالحجابين والمشعوذين ساعياً من وراء ذلك ليكون ممثلا للشعب الأردني العريق تحت قبة البرلمان متحصناً بالخزعبلات والأكاذيب والنكبات. إن الزمن الذي يختلط فيه المال متساوياً مع العقل والفكر ممزوجاً بالمشعوذين والدجالين لإيصال ممثل للشعب زمنٌ رثٌ رجعيٌ عقيم، لا تجوز فيه الانتقادات والنصائح التي ستكون بسعر quot;سدر كنافةquot; (السدر هو الطبق الكبير الذي يلتف حوله مجموعة) أو quot;جَمعة منسفquot;.
ولكي لا نظلم كافة المرشحين، علينا أن نقرَّ أن هذه الحال هي حال معظم المرشحين وليس كلهم، فيما لو علمنا صعوبة تطبيق الاستحقاقات الديمقراطية في مجتمعات الفقر، مع وجود استثناءات (الهند مثالاً لا حصراً). فقد أقر روبرت زوليك أحد رؤساء البنك الدولي، أن من الصعب تطبيق الديمقراطية في مجتمع يقلُّ دخل الفرد فيه عن عشرة آلاف دولار سنوياً.


سرُّ تقدم الأردن
استعرضنا فيمقالنا السابق (هل يحتاج الأردنيون إلى برلمان جديد؟) هنا في quot;إيلافquot;، تاريخ وانجازات الأربعة عشر مجلساً للنواب السابقة، فلم نعثر على انجازات تُذكر. وتبيّن لنا، بأن الأردن يتقدم بقوة الدفع الذاتي، وليس بفضل تشريعات وقوانين مجالس النواب السابقة، فيما لو علمنا أن مجالس النواب السابقة لم تكن مجالس للتشريع بقدر ما كانت مجالس للتشنيع على فئات السياسيين الآخرين، ومجالس للغيبة، ومجالاً لإظهار مقدرة بعض النواب على الخطابة والبلاغة الجماهيرية أمام كاميرات التلفزيون وميكروفونات الإذاعة، علماً بأن عبد اللطيف الرعود ndash; كما سبق أعلاه - يصف غالبية النواب بالجهل، وبعدم قدرتهم على قول جملة واحدة مفيدة.


مَنْ المسئول؟
وهذا كله ليس ذنب النواب وليس ذنب الحكومات المتعاقبة، ولكنه ذنب الناخبين الذين مُنحوا كرةً، لا يجيدون اللعب بها، وكان يجب تدريبهم تدريباً شاقاً، قبل إعطائهم هذه الكرة.
فالإناء كما يقال ينضح بما فيه، إن كان حنظلاً وإن كان عسلاً. ذلك أن عدم إيصال نواب قادرين على التشريع والمراقبة والمحاسبة، سببه نحن الناخبين، فمربط الفرس بيدنا لا بيد الحكومة، كما كتب توفيق مبيضين.
فما زال الناخب الأردني ينتخب لمجلس النواب ابن العشيرة، وليس ابن الوطن.
وما زال الناخب الأردني يبادل صوته برغيف النائب.
وما زال الناخب الأردني ينتخب نوابه من خلال المسجد، وليس من خلال الجامعة، أو المعاهد العلمية.
وما زال الناخب الأردني أكثر إقبالاً على طبق quot;المنسفquot; وصحن الكنافة، منه إلى طروحات المستقبل التنموية.
وما زال النائب الأردني يصلُ إلى مجلس النواب بفصيلة دمه وشجرة عائلته، لا بعلمه وخبرته.
وما زال النائب الأردني منذ نصف قرن حتى الآن، يخاطب جيب الناخب ومعدته، وليس عقله.
وما زال النائب الأردني يسعى إلى البرلمان ليس ليساهم في بناء وطنه، ولكن ليزداد وجاهة وزعامة وعزاً وربما غنىً من خلال موقعه السياسي الرسمي.
وهذا ليس حال الأردن فقط، ولكنه حال كثير من البلدان العربية، خاصة تلك التي تتحكم العشيرة والقبيلة والمؤسسات الدينية في بنية مجتمعاتها، مما اضطر بعض الأنظمة العربية إلى تعيين أعضاء مجلس الشورى بدل انتخابهم، حيث لا ناخب واعياً وشفافاً، تفادياً لكي لا يكون مجلس النواب عبارة عن لوحة ديمقراطية جميلة يعلقها الحاكم في مكتبة لكي تكون قناعة للناظرين والمعارضين.


ديمقراطية الدواء لا ديمقراطية الطعام
كان الملك حسين الراحل، معماري الأردن الحديث، من ملوك العرب العلمانيين المجيدين للعبة الحكم الملكية في العالم العربي. ومن إجادته لهذه اللعبة، استطاع أن يحكم الأردن (بلد العواصف والفقر والغبار والعشائر) نصف قرن تقريباً (1953-1999) بالديمقراطية الدواء، وليس بالديمقراطية الطعام. فكانت الاستحقاقات الديمقراطية الأردنية خطوة إلى الأمام وأخريات إلى الوراء. وكان يمنح وطنه الاستحقاقات الديمقراطية بالقطّارة كالدواء تماماً،ولا يصرفها إلا بروشتة الأطباء من حوله. وكان يعتقد بأن زيادة جرعات هذا الدواء يمكن أن تسبب الموت للشعب، كأي دواء آخر، كما حصل في 1956- 1957 وكذلك في 1970 مما اضطره إلى تعطيل الحياة النيابية 13 سنة (1971-1984)، خوفاً من الديمقراطية وخوفاً عليها كذلك.

الملك عبد الله الثاني، لا يقل علمانية عن أبيه. وإن كان والده لأسباب سياسية محضة وليست دينية، قد أفرغ الساحة السياسية الأردنية لجماعة الإخوان المسلمين سنوات طويلة (1956- 1972) حيث تم قيام حزب واحد (الاتحاد الوطني العربي- 1972) أما ولادة الأحزاب الجديدة (35 حزباً) التي هي على الساحة الأردنية الآن فلم يتم إلا في عام 1992.

الجديد في جيب الملك
والملك عبد الله الثاني وإن كان يحرص على تتبع خُطى أبيه في الحرص على مصالح العشائر، وتقريبهم منه، وتوظيف أبنائهم في الجيش (قرة العين الملكية كما يُوصف دائماً)، وتشجيعهم على الانخراط في الحياة السياسية، إلا أنه يحاول من جانب آخر أن يخطو بالأردن خطوات أوسع من خطوات أبيه، بعد أن قطع الأردن هذا الشوط الطويل بعد الاستقلال منذ 1946. فلم يعد الملك عبد الله الثاني يعتمد على جماعة الإخوان المسلمين في تثبيت الشرعية الهاشمية في الأردن، الذين كانوا يوصفون بأنهم (من عظام رقبة النظام)، بل هو ابتعد عنهم، ورفض مقابلة قادتهم عدة مرات، وأيقن أنهم أكبر الداعمين للأصولية وللإرهاب، خاصة عندما زار النائب الإخواني محمد أبو فارس مجلس عزاء الزرقاوي الإرهابي الأكبر المعروف.

كذلك، فالملك عبد الله الثاني كان صاحب الدعوة المتكررة والملحة في ضرورة دمج الأحزاب الأردنية في حزبين فقط، حزب يكون في الحكم وحزب يعارض. ولكن لا حياة لمن تنادي. وبقيت الحياة السياسية الأردنية عبارة عن دواوين ومنتديات رؤساء وزارات سابقين ووزراء سابقين (يطخون) ويطلقون (الفتّاشات) على بعضهم، ويتصيدون فرصة الانقضاض على كرسي الحكم.
الملك حسين والملك عبد الله الثاني، كانا سابقين بخطوات عدة لمجموع الشعب الأردني في الحداثة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، نتيجة لثقافتهما الغربية، واتصالهما الحميم بالحضارة الغربية.
فهما ملكان عربيا اللسان، وغربيا العقل. ولكنهما حريصان على أن لا يسبقا شعبهما بخطوات كثيرة حتى لا يبتعدان عنه كثيراً، ويتعثرا.
فلا بُدَّ أن في جيب الملك عبد الله الثاني كما كان في جيب أبيه الراحل، تعديلات دستورية تعطي الشعب المزيد من الصلاحيات والحريات والإصلاحات، ولا بُدَّ أن في جيب الملك عبد الله الثاني أفكاراً سياسية كثيرة نتيجة لقربه الشديد والحميم من الحياة السياسية الغربية، بل هو أقرب الحكام العرب المعاصرين لهذه الحياة وديمقراطيتها. ولكن طبيعة تركيب المجتمع الأردني العشائرية المحافظة، وفراغ الحياة السياسية الأردنية من مصلحين سياسيين، وإداريين سياسيين مخلصين غير فاسدين وزعماء سياسيين بارزين، وتزاحم هذا الكم الهائل من الأحزاب الصغيرة (35 حزباً) ذات الفاعلية السياسية المتدنية على الساحة السياسية الأردنية، بحيث أعاقت الحركة (كان الملك حسين يقول للأحزاب: شدة الزحام تُعيق الحركة).. كل هذا يعيق الملك عبد الله الثاني ndash; فيما أظن ndash; من القيام بخَبْزِ الرغيف السياسي الذي ما زال (عويصاً) بعد، ولم يتم اختماره، ليطيب طعمه.
وما زال الجديد في جيب الملك، ينتظر الموعد.
السلام عليكم.

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية