ارتفعت وتيرة النقد الاسرائيلى والامريكى لمصر فى الشهور الاخيرة بسبب تهريب السلاح من رفح المصرية عبر الانفاق الكثيرة الى غزة والتى تسيطر عليها حركة حماس الان. وقد اثير موضوع خفض المعونة الامريكية العسكرية لمصر بمبلغ 200 مليون دولار لاول مرة منذ تدفق المعونة لمصر منذ نهاية السبعينات من القرن الماضى بسبب هذه الانفاق، كما ناقش اكثر من مسئول امريكى هذا الامر مع المسئولين المصريين وتحدثوا بوضوح هذه المرة عن مسئولية مصر عن هذا الامر. والسؤال لماذا تزايدت الضغوط على مصر رغم وجود هذه الانفاق منذ سنوات طويلة ورغم علم الجميع ايضا بتواطئ المسئوليين فى مصر مع المهربين من والى غزة.
فى تصورى هناك عدة اسباب لذلك:
اولا:ان مصر هى الطرف الوحيد الذى يمكن مناقشته فى هذا الموضوع حاليا، حيث ان الطرف الاخر وهو حماس هو طرف معزول دوليا ولا يعتد به ولا يتحمل مسئولية دولية عن تصرفاته، ولا يخشى الا رد الفعل الاسرائيلى. وفى حين تخلت السلطة الفلسطينية عن تحمل نتائج تصرفات حماس لانها لا تعترف بها اصلا وتراجع دور اسرائيل فى غزة لانها قانونيا تتبع السلطة الفلسطينية ومن ثم لا يوجد الا الطرف المصرى الذى يتحمل مسئولية هذا الملف امام المجتمع الدولى.
ثانيا:ان المعونة الامريكية لمصر قد منحت لها نتيجة دورها فى عملية السلام والصلح مع اسرائل، اذن هى معونة مشروطة بالحفاظ على هذا السلام.فهذا شرط خاص بمصر بالاضافة الى الشرط الخاص بالمعونة عموما وهو ربطها باوضاع حقوق الانسان فى البلد الذى يتلقاها. وقد حصلت مصر على عشرات المليارات بمجرد دورها فى وقف الحروب واستمرت هذه المعونة رغم حالة السلام البارد، ولكن تهريب السلاح بكثافة هو فى الاساس تخريب لهذه العملية السلمية وهذا يعنى الاخلال بشرط هذه المعونة الاساسى. ومن ثم فمن الطبيعى اثارة موضوع المعونة تزامنا مع هذا الامر، فالمعونة هنا اداة ضغط.واذا كانت مصر ترفض هذه الضغوط فلتعلن تخليها عن هذه المعونة. وحتى ولو تخلت مصر عن هذه المعونة فهذا لا يعفيها من التزاماتها الدولية الخاصة بمعاهدة كامب ديفيد واتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية بل وامام الامم المتحدة عن حفظ الامن والسلام الدوليين.
ثالثا: ان الحديث عن المعونة العسكرية بعد كل هذه السنيين الطويلة هو تحميل للعسكرية المصرية والاجهزة المخابراتية المصرية المسئولية عن حالة الفوضى عبر الحدود وهى مسئولية مقررة عبر هذه الاتفاقيات ايضا، وهى مسئولية الدولة وجيشها بالدرجة الاولى فى حماية الحدود وتامينها، وحرمان مصر من المعونة العسكرية لا يعنى فقط المعونة المقررة ب 1.3 مليار دولار الثابتة من بدء تدفق هذه المعونة ولكن من الامتيازات المتعددة التى يحصل عليها الجيش المصرى من التدريبات والمناورات المشتركة مع حلف شمال الاطلسى، وكذلك الحصول على الاسلحة المتعددة القديمة مجانا من الجيش الامريكى، وكذلك الاسلحة الامريكية المتبقية من الحروب الامريكية فى الشرق الاوسط كما حدث بعد حرب الخليج الثانية عام 1991. وهذا يعنى ان هناك اوراقا عديدة بخلاف المعونة العسكرية يمكن الحديث بصددها مع الجيش المصرى، وهذه كلها اشياء هامة يجب ان تؤخذ فى الاعتبار.
رابعا: وجه الخطورة ليس فقط تهريب الاسلحة عبر هذه الانفاق وانما تهريب المتطوعين من حماس عقب تدريبهم فى ايران، وتهريب اسلحة اكثر حداثة مما كانت حماس تستخدمها من قبل بل وتهريب تكنولوجيا ايرانية لصناعة صواريخ اكثر تطورا من الصواريخ البدائية التى تستخدمها حماس. فاذا اضفنا الى ذلك وجود حزب الله على حدود اسرائيل الشمالية وتسليحه حتى الانياب بالمعدات والتدريبات والتكنولوجيا الايرانية، فهنا ايران دخلت طرفا فى اللعبة الفلسطينية مع كونها طرفا اساسيا فى الملف العراقى ومحل سخط دولى نتيجة برنامجها النووى فلماذا تتحمل مصر كل هذه الملفات؟، وما هى المصلحة القومية فى تحمل مصر جزء من السخط الدولى على ايران؟.
خامسا: الاكثر خطورة هى خطط حماس والتى اعلنها منذ اسابيع محمود الزهار، القيادى الحماسى المتشدد، من ان الهدف الرئيسى هو الاستيلاء على رام الله واقامة دولة حماس المتطرفة على كل الاراضى الفلسطينية، واذا حدث هذا سيكون الاسهل هو التوجه تجاه مصر لدعم وضع الاخوان وليس اسرائيل كما يظن البعض، فالخطر الاكبر من وجود حماس هو تهديد الامن المصرى باكثر من تهديد الامن الاسرائيلى،.وقد دفعت مصر ثمن رخاوتها تجاه تهريب الاسلحة عبر هذه الانفاق فى سيطرة حماس على غزة وفى التهريب العكسى للمتفجرات الى سيناء المصرية والذى اسفر عن مجموعة من العمليات لارهابية المفجعة كادت ان تهدد سيناء درة السياحة المصرية وافقها الارحب فى التنمية المستقبلية.
سادسا: ان ترك مصر للعلاقة مع اسرائيل كفزاعة لمواطنيها وممارسة الارهاب والتخوين ضدهم نتيجة لابسط التصرفات التى وقعت عليها مصر فى معاهداتها الدولية حتى وصل الامر للنقد الشديد والابتزاز الذى وجه الى مغنى اوبرالى معروف لمجرد انه غنى اغنية للسلام فى معبد يهودى بالقاهرة فى ذكرى السلام، وقد خلق هذا المبررات القانونية والاخلاقية للمواطنيين المصريين لمساعدة مهربى الاسلحة والمتفجرات والذين يعملون فى تصورى على تهديد الامن القومى المصرى باكثر من تهديد امن اسرائيل.
سابعا: المدركون للامور يعلمون ان النظام المصرى استخدم موضوع العلاقة مع اسرائل وموضوع الانفاق كاحد الادوات فى لعبة علاقاته الدولية والامريكية خصوصا ولتدعيم دوره فى المنطقة،ولكن كل شئ يزيد عن حده ينقلب ضده، فالالعاب السياسية لها حدود، كما انه ممكن ان تفلت زمام الامور فى لحظة، فالذى يربى الثعابين لا يشتكى من لدغها.
ثامنا: الحجة التى يستخدمها النظام المصرى بترك مهربى السلاح رغم شهرتهم بين بدو سيناء هى نفس الحجة التى يستخدمها لتبرير الهجوم الواسع على امريكا واسرائيل والاديان اليهودية والمسيحية بانه نظام ديموقراطى لا يستطيع القبض على احد بدون دليل ولا يستطيع تكميم الافواه، رغم انه يمارس القبض والمحاكمات العسكرية والتعذيب المنتظم ضد من يشكلون خطرا على النظام ويستخدم كتيبة ضخمة من كتبة الحكومة للدفاع بسبب وبدون سبب عن اخطاء النظام وتبرير كل انتهاك حقيقى لحرية وكرامة الانسان المصرى. فهل يصدقه احد اذا تذرع بالحرية والديموقراطية من اجل التهاون مع مهربين لا يقلون خطورة على الدولة من الارهابيين؟.
واخير: ان النظام الذى استخدم لعبة الانفاق من آجل استمرار دوره واستمرار المعونة عليه ان يتحمل السخط الدولى عن هذا الدور وان يتحمل استخدام ملف المعونة لنفس الغرض.
هل يخدع النظام المصرى نفسه ام يخدع العالم؟. فكما يعلم الجميع ان تركه للجماعات الدينية المتطرفة افضى الى دولة شبه دينية، وان استخدام الامن والمراجعات والمصالحات الامنية مع المتطرفين ابعد نسبيا استخدام العنف الموجه للنظام ولكنه لم يوقف زحف الدولة الدينية تجاه الجسد المصرى المنهك والمترهل والملتهب، وفى نفس الوقت فان بث ثقافة الكراهية لن يؤدى فى النهاية الا الى اندفاع تجاه الحروب الاقليمية مرة اخرى، فبث الكراهية اكثر خطرا من الحماقة السياسة واذا اجتمع الاثنان معا سيؤديا حتما الى عودة الحروب المصرية الاسرائيلية مرة اخرى ويمكن ان يحدث هذا فى حالة غياب الرئيس مبارك الذى يتمتع بضبط للنفس تجاه خوض مثل هذه المعارك.
ما يؤسفنى حقا هو استخدام ملفات وادوات خطرة من اجل مكاسب آنية صغيرة فى حين تغيب الرؤية بعيدة المدى عن تفكير صانع القرار عمدا،وهو ما يجعل الحروب مع اسرائيل امرا واردا وتحول مصر الى دولة دينية امرا واردا، وكل من الملفين مرتبطين ببعضهما وكلاهما مرتبط بغياب رؤية وطنية حقيقية موظفة للمدى الطويل تضع استقرار البلد وتنميته وسلامه فوق الالعاب السياسية الصغيرة حتى ولو كانت هذه الالعاب تحقق مكاسب وقتية.. ففى النهاية سنجنى خسائر فادحة فى المستقبل.

[email protected]

أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه