1- أبو طالب لم يمت كافراً.
2- الرسول لم يكن أمياً.
3- الرسول لم يحاول الإنتحار بعد توقف الوحى ووفاة ورقة بن نوفل.

هل من المعقول أن يدخل أبو سفيان الجنة ويدخل أبو طالب النار؟
الإعلام الأموى إدعى أن معاوية كتب القرآن بإملاء الرسول، برغم أن معاوية دخل الإسلام بعد فتح مكة!.

[المجتمع الإسلامى هو المجتمع الوحيد فى العالم الذى إخترع وصك تعبير quot;المسكوت عنهquot;!، فالتاريخ الإسلامى هو التاريخ الوحيد الذى إخترع أسواراً تمنع القفز عليه وتخطيه، والمؤرخون الإسلاميون هم الوحيدون المتفردون بإقامة صوب تاريخية معقمة، ومناطق تراثية محرمة ملغومة ممنوع الإقتراب منها والتصوير، أشهرها الفتنة الكبرى على سبيل المثال، وفقهاؤنا هم أصحاب نصيحة عدم الخوض فى هذه المسائل والإبتعاد عنها حتى لايهتز إيمان العوام ويصابوا بلعنة إنكار ماهو معلوم من الدين بالضرورة.

[صدر هذا الأسبوع كتاب يخوض فى هذا المسكوت عنه، ولكنه قد يكون أكثر صدمة وصداماً عن الكتب السابقة لأنه من تأليف شيعى مصرى هو د.أحمد راسم النفيس، الصدمة مزدوجة والصدام مع التاريخ ومع الأغلبية معاً، عنوان الكتاب quot; النبوة فى نهج البلاغة quot;، يظهر من العنوان أن المؤلف يتبع مدرسة مختلفة فى مناقشة النبوة وتاريخها، بعيدة عن الأدبيات السنية وكتب الحديث والتاريخ المعترف بها عند أهل السنة، ويعتمد على أهم مرجع شيعى وهو كلام الإمام على بن أبى طالب فى نهج البلاغة، والكتاب يناقش مسائل حساسة كثيرة أهمها فترة نزول الوحى على الرسول صلى الله عليه وسلم فى غار حراء، وعلاقة ورقة بن نوفل به فى هذه الفترة، ومحاولة الإنتحار بالتردى من شواهق الجبال بعد فتور الوحى وإنقطاعه بعد وفاة ورقة بن نوفل، ورغم أننى أختلف مع د.راسم النفيس فى منطلق إعتراضه على سيناريو قصة نزول الوحى بالرغم من أننى أشاركه التوجس من بعض التفاصيل التاريخية المكتوبة، فقد كان منطلقه هو أن كتب السنة جعلت الرسول بشراً عادياً فى أحيان كثيرة وإختزلت دوره فى وطيفة المبلغ، ورأيى الخاص أن هذه البشرية والضعف الإنسانى فى بعض الأحيان هو مصدر قوة للإسلام وليس العكس، وبشرية الرسول ليست مصدر إدانة على الإطلاق، ولكن ماأتفق فيه مع د.راسم هو ضرورة تحريك المياه الراكدة للرؤية التاريخية الأحادية الرافضة لإعادة النظر ومناقشة مايسمى بمسلمات التاريخ، وقد أثار المؤلف من خلال كتابه فى هذا الإتجاه قضيتين مهمتين أو بالأدق طرح سؤالين مهمين أعتقد أنهما سيثيران غباراً كثيراً فى معركة ستحتدم بين فقهاء الشيعة والسنة، السؤال الأول هو هل مات أبو طالب كافراً؟، والسؤال الثانى هو هل كان النبى أمياً لايقرأ ولايكتب بالفعل؟!.

[السؤال الأول هو سؤال شائك بالنسبة للشيعة بصفة خاصة، فهو سؤال يمس وينخر جذعاً هاماً فى شجرة آل البيت وهو أبو طالب عم الرسول وأبو الإمام على، ويبدأ الكاتب بعلامة إستفهام ملغومة، هل أبو طالب فى النار وأبو سفيان وعائلته فى الجنة؟!، معقول أبو طالب رأس المدافعين عن عقيدة التوحيد كافر أبى ورفض أن ينطق بكلمة التوحيد خوفاً على نفسه من مسبة قومه، وفى هذا تلميح إلى أن الإعلام السفيانى والأموى قد زيف العقول وشارك من خلال كثير من المستفيدين فى تلطيخ صورة أبى طالب وتجميل صورة أبى سفيان، والرواية التى تشير إلى أن أبى طالب مات كافراً يرويها إبن الجوزى قائلاً أن الرسول لما حضر أبا طالب الموت قال له فى حضور أبى جهل وعبد الله بن أبى أمية: ياعم قل لاإله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله لأبى طالب: أترغب عن ملة عبد المطلب؟، وظل الأمر سجالاً، الرسول يلح، وأبو جهل وعبد الله يخوفان أباطالب، حتى قال آخر كلمة قبل الوفاة وهى: أنا على ملة عبد المطلب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك مالم أنه عنك، وظل الرسول يستغفر له حتى نزلت آية quot; ماكان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ماتبين لهم أنهم أصحاب الجحيم quot;.
[يتشكك المؤلف فى الحادثة التاريخية من أصلها ولكنه لم يشرح للقارئ ماهو سبب نزول هذه الآية، وإكتفى بالقول أن مؤلف الحادثة إلتقط الآية وركب عليها حديثاً، أى أنه فعل العكس، ولكن د.أحمد راسم قدم بعض الأدلة القوية من كلام وأشعار ومواقف أبى طالب تثبت إيمان وفضل هذا الرجل العظيم الذى خدم رسالة الإسلام وحمى وناصر نبيها ورسولها محمداً بكل ماأوتى من جهد، ويستنكر المؤلف أن يدخل النار كافراً من قال quot; لعمرى قد كلفت وجداً بأحمد وإخوته دأب المحب المواصل.. .حليم رشيد عادل غير طائش، يوالى إلهاً ليس عنه بغافل، فأيده رب العباد بنصره.. وأظهر ديناً حقه غير باطل quot;، هل من قال هذا الكلام مجرد شخص قبلى يحامى عن شرف القبيلة، ولما حضرته الوفاة رفض أن يتلفظ بالشهادتين وقال أموت على دين عبد المطلب خشية أن تغضب قريش؟؟!!، ويؤكد بأن هذا الكلام غير منطقى، فأى منطق كما يقول المؤلف يدفعنا للتصديق بأن أبا طالب كان حريصاً على ألا يغضب قريش وهو الذى ناصر محمداً صلى الله عليه وسلم فى مواجهة الطغيان القرشى طيلة السنين السابقة على موته!، ويؤكد على أن المنطق يجافى رواية البخارى وغيره من الكتب التى تحدثت عن تفاصيل وفاة أبى طالب.

[ السؤال الثانى هو هل كان الرسول أمياً بمعنى الجهل بالقراءة والكتابة؟، يجيب المؤلف بالقطع لا، ويؤكد على أنه إفتراء من معاوية بن أبى سفيان الذى قال بعد بيعة الحسين إن الرسول قد قال له إنه سيلى الخلافة من بعده، وخطب بعد عودته من العراق إلى الشام وكتب كتاباً قال عنه إن كاتبه هو معاوية صاحب وحى الله الذى بعث محمداً نبياً وكان أمياً لايقرأ ولا يكتب فإصطفى له من أهله وزيراً كاتباً أميناً، فكان الوحى ينزل على محمد ويكتبه معاوية والرسول لايعلم مايكتبه معاوية!!، ويناقش المؤلف تفاصيل تلك القصة الواضحة الهدف السياسى، ويقول أن الهدف والغرض هو إختراع طبقة من أمناء الوحى الذين لولاهم ماوصل إلينا القرآن، ويتساءل راسم النفيس كيف يكتب معاوية الوحى وهو لم يسلم إلا بعد فتح مكة، ولماذا إحتاج القوم أن يجمعوا القرآن من صدور الرجال بدلاً من اللجوء إلى معاوية مباشرة.

[ لو نحينا جانباً لغة العداء ولهجة الكراهية التى كتب بها المؤلف عن معاوية و المستمدة من العداء التاريخى المزمن بين الأمويين والشيعة، وبعيداً عن الألفاظ القاسية مثل إبن آكلة الأكباد والتى لامكان لها فى كتاب بحثى مهم مثل هذا الكتاب، بعيداً عن كل هذا فالأسئلة التى طرحها المؤلف منطقية وتستحق المناقشة والتحليل، ولكن ماهو المقصود من وصف الرسول بالأمى التى لايستطيع أحد إنكارها لأنها لفظ قرآنى صريح ورد فى سورة الأعراف؟، وكيف فسرها المؤلف من منطلق فهم الشيعة للتاريخ النبوى؟.

[ التفسيرات الأقرب إلى الصحة من وجهة نظر المؤلف هى أن الأمية مستمدة ومنسوبة إلى الأمة الأمية التى بعث فيها الرسول، ومن الممكن أن تكون منسوبة إلى أم القرى، والمدهش أن روايات البخارى نفسه والمؤرخ الطبرى والتى يعتمد عليها أهل السنة تؤكد على أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن أمياً بمعنى الجهل بالقراءة والكتابة، بل إنه كان يتقن القراءة والكتابة، فعلى سبيل المثال عندما أراد الرسول العمرة ورفض أهل مكة دخوله، وبعد مقاضاتهم على إقامته ثلاثة أيام، وكتبوا الكتاب فإعترض كفار قريش على كلمة محمد رسول الله، أمر الرسول علياً بمحوها، فلما رفض على كتب الرسول بنفسه (هذا ماقاضى عليه محمد بن عبد الله، لايدخل مكة سلاح إلا فى القراب.. .. الخ).

[ البعض سيرفع عقيرته مهاجماً عرض هذا الكتاب قائلاً: هل هذا وقته؟، وهل من المباح كشف المستور والحديث بصراحة والخوض فى المسكوت عنه والمتفق على quot;طناشه quot; وتجاوزه وتغمية وتغميض العينين وسد الأذنين عند ذكره، والإجابة لا يوجد شئ إسمه المسكوت عنه، ووقت أن أصبح التاريخ مطية للبعض يؤممونه وقت يريدون، ويصادرونه حسب المزاج، ويجملونه طبقاً للطلبات والأمنيات، وقتها سيصير التاريخ مجرد quot; منيو quot; قائمة طعام يطلب البعض منها الإستاكوزا ويطلب البعض البصارة!، التاريخ أمام مدرج العلم يتعرى ويخلع كل إكسسواراته ويغسل ماكياجه لتظهر ملامحه الحقيقية، ومن حق كل باحث أن يدلى بدلوه بدون أن يكفره الآخر، ولذلك فمصادرة الكتاب ليست هى الحل، ولكن الحل هو فى مصادرة الوصاية، ومصادرة المصادرة.

أية اعاده نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه