لقد تعرضت المرأة منذ أقدم العصور، وفي كل بقاع العالم، لأنواع كثيرة من الانتهاكات على أيدي الرجل، وقوانينه، وهيمنته الذكورية، ومنذ أسطورة خطيئة حواء، رسخت عقدة المرأة وخطاياها المفترضة.
إن الحديث عن مأساة المرأة مكرر ومستمر، والتكرار ضروري عندما تكون المشكلة قائمة، بل إنها تتفاقم، وتتخذ أشكالا وحشية في العديد من بقاع العالم.
على مر التاريخ، والمرأة تتعرض للاغتصاب، والاعتداء الجسدي، والاستغلال الجنسي، والخطف وبيع الجواري واقتنائها، كما كان يقع في الدول الإسلامية.
إن المرأة الغربية قد حققت في القرن العشرين، وتدريجيا، كثيرا من المكاسب بفضل نضالها المتواصل، ونضال المفكرين اللبراليين، والتيارات والقوى الديمقراطية والتنويرية، ومن هذه المكاسب الكبرى التي تحققت منذ العشرينات الحق في الانتخاب. إن المرأة الغربية تحتل اليوم مراكز عليا في الدولة والحياتين السياسية والعامة، بما في ذلك منصب الرئاسة، وقد حدث ذلك أيضا في الهند، ودول آسيوية أخرى. أما في البلدان العربية، فقد استطاعت المرأة والمفكرون والساسة الأحرار انتزاع مكاسب تدريجية منذ العشرينات الماضية، ولكن الأوضاع انقلبت وتدهورت منذ أكثر من عقدين على نحو ما سيرد.
إن المرأة لا تزال، وبوصفها أنثى، تعاني أشكالا صارخة من التمييز، والانتهاك، والعدوان حتى في الديمقراطيات الغربية: كالاغتصاب، والرق الأبيض، وعصابات تهريب النساء من بلدان أخرى لإجبارهن على ممارسة البغاء، وكذلك العدوان الجسدي في العائلة؛ وفي التقارير الفرنسية فإن 330 ألف امرأة يعشن بين أزواج وأصدقاء عنيفين، من فرنسيين، ومن أبناء الهجرة، وقد وقعت مئات من الوفيات النسائية بسبب هذا العنف.
إن أي انتهاك ضد المرأة وحقوقها في الغرب محرم قانونا، وخاضع للعقاب، ومعاكس للفكر والثقافة السائدين، وذلك بالعكس مما يجري في البلدان الإسلامية، وفي عدد من البلدان الأفريقية والأمريكية اللاتينية، فالاغتصاب سلاح حرب في الكونغو، وقتل المرأة أمر طبيعي في بعض مناطق المكسيك، والأرجنتين، وغواتيمالا.
إن كل الأحداث والوقائع الجديدة، والسجلات الماضية، مليئة بشواهد اضطهاد المرأة كأنثى، وهضم حقوقها، والعدوان عليها، وفي بعض الدول العربية، فإنها، حتى عندما تحتل مركزا وظيفيا في الدولة، ومهما كانت مهمة، فلا يحق لها الزواج من غير موافقة مسبقة من الوالد، أو الأخ، أو الابن، كما تحثنا شهادة تونسية.
إن من الوقائع الجديدة التي دفعتنا لاختيار الموضوع، الحكم القضائي السعودي بجلد وسجن امرأة تعرضت للاغتصاب لكونها تحدثت عن الاعتداء عليها، وحكم القضاء المصري بسجن فتاة قبطية لكونها لم تكتب عند الزواج كونها مسلمة بحجة أن أباها سبق واعتنق الإسلام، مع انه عاد لدينه الأصلي. أما عن العدوان المستمر على المرأة الإيرانية، فالحديث عن ذلك سوف يأتي مع بحث أوضاع المرأة المسلمة، وهل لنا أيضا التذكير بالاغتصاب الجماعي لنساء دارفور، وهو يمثل لطخة عار، لا في جبين النظام السوداني وحده، بل وأيضا في جبين الدول العربية والإسلامية الصامتة عن انتهاكات دارفور، ويجب أن نضيف الصين لاستمرار دعمها للنظام السوداني.
إن من المفيد جدا لفت النظر إلى مجلد فرنسي ضخم صدر عام 2006 تحت عنوان' الكتاب الأسود عن أوضاع النساء'، والكتاب يستعرض أوضاع المرأة في العالم، ويستند للوقائع الدامغة والشهادات المأساوية، وإن ما تؤكده كل هذه الوقائع والشهادات هو حقيقة أن أوضاع المرأة في الدول العربية والإسلامية هي الأسوأ، والأكثر فظاعة، وبشاعة، وقسوة.
إن المجلد الفرنسي يستعرض أنواع الانتهاكات الفظة التي تتعرض لها المرأة في هذه البلدان، كالاغتصاب، وجرائم 'الشرف'، وعنف الزوج، وهضم حقوق المرأة في شؤون الزواج والطلاق، وزواج القاصرات، والزواج الإجباري، ومذهب 'ولي الأمر'، وختان المرأة، والرجم حتى الموت، والنظر للمرأة بوصفها مجرد أداة جنس لإشباع شهوات الرجل، وكل ذلك سوف ترد شواهد مثيرة عنه في الكتاب وهو يستعرض أوضاع المرأة في هذه الدول، وخصوصا تلك التي تخضع لأحكام الشريعة.
أجل، إن المرأة، ونحن في الألفية الثالثة، لا تزال رجسا في الدول الإسلامية الآخذة بحكم الشريعة، وهي أداة متعة ليس إلا، ومجرد ملك خالص للرجل كقطعة أثاث! إن لمس المرأة رجس حتى في بعض الآيات التي يستغلها غلاة المسلمين، مسها رجس يجب التطهر منه كوجوب التطهر من الغائط!
إن هذه العقليات والممارسات تجري حتى بين أفراد الجاليات المسلمة في دول الغرب، كالزواج الإجباري، وجرائم 'الشرف'، كما وقع مثلا في السويد، وألمانيا، وتشويه وجه المرأة بالمواد الحارقة، بل وحرقها حتى الموت، كما وقع قبل أعوام في إحدى الضواحي الفرنسية. إن كل هذه الممارسات، وغيرها، تثير استغراب واستنكار الرأي العام في الغرب، فإذا أضفنا عمليات الإرهاب، والعنف الجماعي كحرق السيارات، وغير ذلك، فهل نستغرب أن تتشجع هواجس القلق من المسلمين، بل وميل بعض الأوساط الشعبية للتأثر بالتيارات العنصرية؟
إن ما مر مجرد استعراض مختصر جدا للمشكلة، وسوف نعود للشهادات الحية عن أوضاع المرأة في العالمين العربي والإسلامي، لاسيما في بلدان حكم الشريعة، لنجد ما يقشعر له البدن من جرائم وحشية، ومن ذلك أمثلة الرجم حتى الموت، والانتشار المذهل لجرائم 'الشرف'، وغيرها.
في ختام هذه الحلقة ننقل عن 'الكتاب الأسود' مقتطفا ذا دلالة لداعية إيراني في كتاب له صدر في 1994. يقول المؤلف علي قايمي [ Ali qaemi ] في كتابه العتيد 'تكوين المرأة في الإسلام'، صفحات 184- 185:
' إن المرأة المثالية هي تلك التي لا ترفض أبدا خدماتها الجنسية لزوجها، وحتى عندما تكون كئيبة، وغير راغبة، فإنها تضع نفسها تحت تصرف الزوج وتتظاهر بأنها هي الراغبة.' يقول المؤلف أيضا:
' عندما يذهب الزوج للفراش، فإنه محظور على المرأة أن تبتعد عن مخدع الزوجية وأن تذهب للصلاة أو لأداء أية فروض دينية أخرى.' هكذا، نجد الجنس أهم من الفرائض الدينية لدى الدعاة الإسلاميين في بلد الثورة الإسلامية العظمى!!
نعم، إنها شريعة اللذة، هيمنة الفحولة، وفضيحة الفضائح، فهل اختيار المجلد الفرنسي لعنوان 'الكتاب الأسود' لم يكن عين الدقة والصواب، وفي صميم الصميم؟؟