(أعطني ما أريده، تحصل على هذا الذي تريده) آدم سميث1723-1790

ما هو الموقف من التحديث؟ سؤال في منتهى المباشرة، راح يطلق بعد أن تداخلت الخنادق، وازدادت الفجوة بين عالم الشمال و الجنوب، حيث الغنى والثراء والرفاهية في جهة، والفقر والأزمات والنكسات والتراجعات في الضفة الأخرى، هل هي الانقسامية والتوزيع بين حدين، أم هي الانتكاسة المريعة والفشل الذي راحت تعيشه نظرية التحديث، باعتبارها الوصفة الساحرة والآسرة لمضمون التقدم والتطوير.

هكذا تحدث جوندر فرانك
يتوقف جوندر فرانك الألماني المولد 1929، والدارس في الولايات المتحدة، والأستاذ في العديد من جامعات بلدان أمريكا اللاتينية عند مفهوم (تنمية التخلف) والذي نال صيتا وشهرة وتداولا واسعا من قبل المراقبين والمهتمين بدرس التبعية، حيث التفحص في مضمون تركز الفقر، باعتبار التوقف عن المضامين التالية:
1. الفقر قوام نتاجه البلدان الفقيرة ذاتها.
2. تراجع النمو نتاج الاستناد على الأمم الغنية.
3. علاقات الهيمنة ركزت مضامين الإفقار.
4. المصالح الرأسمالية تدعم نمو المركز وتساهم في تخلف الأطراف.
5. التحدي الاقتصادي يتبدى بثقل على حساب دور التغير الاجتماعي.
6. خبرات العالم تتوقف عند النماذج المتقدمة على الصعيد الاقتصادي.
7. التقاطع في بروز حالات النمو في جهة والتخلف في جهة أخرى، من دون الوقوف على آلية للتفسير العميق.
8. التخلف ليس أصلا تاريخيا في الأمم والمجتمعات.
9. التخلف نتاج يقوم على طبيعة العلاقة القائمة بين البلدان المتخلفة والمتقدمة، حيث القدرة على المبادرة والإنجاز.

الاختراق والعزلة
كيف يمكن النظر إلى طبيعة العلاقات الاقتصادية السائدة في العالم؟ السؤال يبقى عالقا عند طبيعة المبادرة الصادرة عن البلدان الأكثر تقدما باعتبار تنشيط دور الرأسمال والمؤسسة والأفكار المتعلقة باقتصاد السوق والمنافسة الحرة. فيما يتم النظر إلى التنمية الذاتية الصادرة عن القوى المحلية بدونية وعجز. لقد تعالقت فكرة التنمية بوصفها علاجا لا يمكن الحصول عليه إلا من خلال الاعتماد على قوة اقتصادية لها حضورها وانتشارها وتأثيرها، فيما يتم التغاضي عن القوى المحلية والتي ينظر إليها، على أنها مجرد قوى تقليدية لا تقوى على الصمود والتفاعل والمنافسة.
ما هو مقياس التخلف؟ سؤال مركزي يجب التوقف عنده بإمعان وتدقيق. هذا بحساب أن طريقة تقويم الفعالية التنموية، إنما يصدر عن مرجعية العلاقات الرأسمالية، وعلى هذا فإن طريقة العزل للنماذج، تتفاقم حدتها عند مستوى التغاضي عن التاريخ الخاص للعلاقات السائدة لدى المجتمع المحلي، بل والإغفال المريع للمكونات الذاتية، حيث الاستناد إلى النموذج الطاغي والمهيمن (العلاقات الرأسمالية) والتغافل عن المكونات التاريخية والثقافية والاقتصادية، التي يحتويها النموذج المحلي. وهذا ما يمكن توصيفه بالعزل الذاتي، وفسح المجال أمام العلاقات الخارجية ومكوناتها من التسلل والاختراق في صلب العلاقات التاريخية.إنها الثنائية الجاهزة التي يتم من خلالها تقويم فعالية التنمية والتخلف، الرأسمالي بوصفه ناميا وساعيا نحو التغيير، وما قبل الرأسمالي باعتباره متخلفا وراكدا ومتخلفا، ومن هذا يتبدى كم الخروقات! تلك التي تفصح عن تعزيز دور التأثر بترسيخ مفهوم التخلف وجعله وضعا ثابتا وراسخا غير قابل لتغيير، فيما يتم العزل من خلال التأثير والنفوذ الذي تعمد إلى ترسيخه المؤسسة الرأسمالية الساعية إلى المزيد من النفوذ والقوة والهيمنة. فيما تشير حقيقة العلاقات التاريخية إلى أن مستوى التطور، إنما جاء عبر تفعيل القوى الذاتية، وليس مجرد رجع صدى لعلاقات مقتبسة عن الآخر.

المركز والأطراف
بعد افتتاح قناة السويس عام 1869، صار التطلع نحو دمج منطقة الشرق الأدنى بالإنتاج الرأسمالي، وكان التركيز على تنميط الإنتاج الزراعي في العراق خلال تلك الحقبة، حيث تحولت العلاقات من أبوية باترياركية بين الشيخ والفلاح، إلى علاقات شبه إقطاعية، قوامها السيطرة ومحاولة التوجيه والتركيز على إنتاج الحبوب التي تحتاجها السوق الرأسمالية بالنسبة للمركز. وهكذا برزت ظاهرة مراكز تجميع الناتج الزراعي في مناطق الجنوب العراق تحديدا، والتي راح يطلق عليها مصطلح مدن التوزيع.ولم يتوقف الأمر عند المكون الاقتصادي، بل أن النزوع الثقافي والقيمي راح يتم توجيه لخدمة تلك العلاقات، حتى راح يتم توصيف زراع الخضار، بأقذع الصفات وامتهانه وعزله، باعتبار نقص الرجولة ومحاولته الركون إلى الراحة والدعة، في الوقت الذي وصف فيه زارع الرز بالرجولة والبطولة، على الرغم من الفارق المالي في مجال الإنتاج.إنها الأهداف التي يترسمها المسيطر الرأسمالي، سعيا إلى تعزيز موقعه، من خلال عملية الدمج للإنتاج المحلي في عموم الإنتاج الرأسمالي، إنها المدينة الإقليمية التي مثلت أداة للسيطرة وتكريس التبعية، من قبل الفاتح الاستعماري، خلال تعامله مع العالم الجديد، تلك الأحوال التي تبدت واضحة في ربط السكان الأصليين في أمريكا اللاتينية بالمركز الرأسمالي، حيث وظيفة تجميع المحصول الزراعي الموجه أصلا لخدمة الفاتح الاستعماري، وتركيز مجال العمل في حقل الاستثمار، وهكذا راح يتم ترسيخ مجال التبعية لتلك التجمعات، بالعاصمة الاقتصادية الرأسمالية.إنه التحويل للفاض الاقتصادي والرأسمال الوطني إلى المركز على حساب النشاط الاقتصادي في الأطراف.تلك الأخيرة التي لا يتبدى فيها سوى علاقات من نوع الاستغلال والسيطرة والاحتكار، حيث الثراء الذي يشمل الفئة المنتفعة والمرتبطة مصالحها بالمركز، فيما يتم إفقار الفئات الأوسع من المجتمع، وما ينجم عنه من عواقب تبرز في الهجرة إلى المدن الكبرى، و انتشار البطالة والنقص الحاد في المهارات والإنتاج والتعطيل للطاقات الإنتاجية في الحقل الاقتصادي.
إحالات
Gunder Frank,Latin America; Underdevelopment or Revolution , Monthly Review Press,New York 1969.

[email protected]

اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه