القانون لفظ من أصل لاتينى (Canon)، وله معان ثلاثة:
(1) فهو مقياس لكل شىء، وأى شىء؛ كأن يقال quot; القانون الجمالي quot; أو quot; قانون الحياة quot;.
(2) وهو النظام الكلى، كأن يقال quot; القانون الطبيعي quot; إشارة إلى المبادىء الأساسية التى تـُوجد بالفطرة لدى كل شخص؛ أو يقال قانون الشركة أو قانون المؤسسة.
(3) وهى تعنى التشريع؛ أى القواعد والأحكام التى يتـّبعها الناس فى علاقاتهم وتعاملاتهم مثل: القانون الدولى، و القانون المدنى، وقانون العقوبات أو الجزاءات، و قانون المواريث.. وهكذا.
أما الفقه، فهو يعنى الفطنة والإدراك، كما يعنى آراء العلماء فى موضوع محدد (أحيانا تـُخصص بفروع الدين)، أو شروحهم لمبدأ معين فى القانون عموماً، وفى المسائل الدينية خاصة (يراجع رأى مخالف فى القاموس العربى الأساسي، حيث يـّعرف الفقه بأنه علم أصول الشريعة وفروعها، وهو ما سيلي شرحه وبيانه).
فى القانون الرومانى ndash; قانون روما والإمبراطورية الرومانية ndash; كان يوجد قانون لأهل مدينة روما، وقانون آخر للشعوب التى تحتلها روما. ومع الوقت تقاربت وتدامجت قواعد هذين القانونين. وقد بدأ قانون مدينة روما بآراء الفقهاء العلماء، فى شتى فروع القانون والأخلاق، ثم حدث بعد ذلك تقنين لهذه القواعد فيما يسمى بقانون الألواح الأثنى عشر؛ وهو عدد الألواح التى دُونّ عليها القانون.
وفضلاً عن ذلك فقد عرف الرومان (أهل روما) ما سموه بالقانون الطبيعى وهو سـُنة الفطرة التى أودعتها الطبيعة (أو بثها الله) فى كل كائن. فقانون الفطرة أو القانون الطبيعى يأبى الإساءة إلى أى إنسان، وتختلف هذه الإساءة بتخالف الأمكنة وتغاير الأزمنة، فهى فى البداوة قد تكون القتل أو النهب، وهى فى الحضارة قد تكون مجرد كلمة نابية أو تصرفاً يخرج عن حدود اللياقة. إنما يرفض القانون الطبيعى ndash; أو شريعة الفطرة ndash; تفصيلاً، كل ما يكون إساءة للغير فى المدن والحضر، فى البداوة والحضارة، ففى الحالين ترفض هذه الشريعة أو القانون الطبيعى وقائع السرقة والقتل والخيانة والغدر وعقوق الوالدين، وعدم سداد الديون، وما إلى ذلك. ويذهب القانون الطبيعى إلى ضرورة إصلاح الخطأ الناجم عن أى فعل فيه إساءة للغير، على النحو الذى يقره كل مجتمع بما يناسبه.
وفى شرح هذا القانون الطبيعى قال شيشرون أحد أعلام مدينة روما (106-43ق.م) إنه القانون الصحيح الذى يقبله العقل الحق المتفق مع الطبيعة، والذى يدخل فى نطاقه العالم بأسره، وهو القانون السرمدى الذى لا يتبدل ولا يتغير. وهو لا يختلف فى روما عنه فى أثينة، ولا فى الحاضر عنه فى المستقبل. فهو نظام صحيح ثابت عند جميع الأمم وفى جميع الأحقاب، ومن عصاه فقد أنكر نفسه واختان طبيعته.
فيما عدا القانون الطبيعى، وفى مجال القانون ndash; بمعنى التشريع الذى الذى ينظم أوضاعاً معينة فى مجتمع بذاته ndash; فإن دور الفقه يكون فى شرح نصوص هذا التشريع أو مبادئه، وفى إقتراح ما يمكن من قواعد لسد أى خلل أو لرفع أىّ قصور فى القانون، أو لما يجدّ من مسائل، تحتاج إلى قواعد ومبادىء جديدة.
فى التوراة ndash; العهد القديم ndash; قدم موسى عليه السلام ndash; تشريعات كثيرة ومتعددة فى الكتب الخمسة الأولى من هذا العهد، وهى أسفار التكوين والخروج واللاويين والعدد والتثنية (أى تكرار النصوص)، وهم يُسمَّون باليونانية البنتاتيك. وقد لـُقـَّب موسى من أجل ذلك بمُعطى الشريعة (بمعنى القانون بجانبية الخلقى والتنظيمى).
وبعد موسى طرأت حوادث جديدة، قصرت القواعد الثابتة فى كتبه الخمس عن حلها أو تفسيرها، وزاد من ذلك أن تشتت اليهود فى أماكن أخرى ndash; لأكثر من سبب ndash; قد غير المكان تماماً، كما كان الزمان قد تبدل كلية، فعمل الأحبار والربانييون والكهنة على وضع تفسيرات جديدة وإنشاء قواعد أو إرساء مبادىء حديثة، حتى تتماسك اليهودية وتكون الشريعة لأبنائها كالمظلة تجمعهم تحت سقف واحد وحكم واحد. وظل هذا العمل من جانب الكهنة الإسرائيليون حقا لهم حتى اليوم، يسمى التعاليم وهى بالعبرية التلمود. ولكى يلتزم بنى إسرائيل الأحكام المستجدة التى يضعها الكهان والأحبار، فقد قال هؤلاء إن موسى ترك تراثاً مكتوباً وتراثاً شفهياً غير مكتوب؛ وأنهم بوحى من الله مستمر معهم يقدمون وحى موسى غير المكتوب وما يوحي به اليهم، لأن الوحى عندهم مستمر فيهم حتى اليوم. وبهذه القالة سدّ الكهنة والأحبار الثغرة ما بين الشريعة، وهى وحى من الله، وبين تعاليمهم وتفاسيرهم التى هى التلمود. بل وزاد من شيوع الأمر أنهم أطلقوا على التلمود لفظ التوراة، فعندما يقال فى اليهودية لفظ التوراة فهو يعنى التلمود، أى تعاليم الكهنة.
فى الإسلام نزل القرآن، ودعا إلى الفقه فى آيه تقول (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين). وبهذا وضع الإسلام فارقاً دقيقاً بين الشريعة، وهى طريق الله الذى يتضمن ضمن ما يتضمن تشريعات فى الزواج والطلاق والوصية والميراث (ولا تذكر الدراسة الحدود الجزائية لأن المجال لا يتسع لها) وبين الفقه وهو أعمال الناس فى التفسير والتأويل والتقدير. وعند أهل السنة فإن الوحى انقطع بوفاة النبى، أما عند الشيعة فإن الوحى مستمر مع الأئمة الأثنى عشر، ومع نواب الامام الغائب فيما يسمى ولاية الفقيه. وفى خضـّم الخلافات السياسية التى بدأت بها الفتنة الكبرى (أواخر عصر الخليفة الثالث عثمان ابن عفان) إتجه البعض إلى وضع قواعد تشريعية أو مبادىء دينية ثم نسبوها إلى النبى ليضفوا عليها مسحة دينية، وقالوا فى ذلك (إذا أعجبنا الرأى صيّرناه حديثاً) وترتب على ذلك زيادة أعداد الحديث زيادة مهولة، إذ إن البخارى جمع 600000 (ستمائة ألف) حديث، صحّ له منها 2772 حديثاً فقط، وهى عند التكرار تبلغ ستة الآف حديث. وقد لجأ عالم له إسم كبير هوأبو حامد الغزّالى فى كتابه (إحياء علوم الدين) إلى إستعمال أحاديث منحولة مثل (علم لا ينفع وجهل لا يضر) و(العلماء ورثة الأنبياء)، وهلم جرا، فأمّحى بذلك الفارق فى الدين بين الشريعة وهى تنزل من الله، والفقه وهو آراء الناس. وفى الفقه نشأت مذاهب كثيرة أهمها بالنسبة إلى أهل السنة: المذهب الحنفى والمذهب المالكى والمذهب الشافعى والمذهب الحنبلى. وبالنسبة للشيعة فلديهم مذاهب بعدد فرقهم ولكن أهمها هو المذهب الجعفرى (نسبة إلى جعفر الصادق) سادس الأئمة الشيعة.
مع الوقت، وازدياد الجهل، اختلطت الشريعة بالفقه، كما سلف أن أشارت الدراسة إلى ما جاء فى معجم مهم عن الفقه بأنه أصول الشريعة. وعلى هذا الخلط قامت دعوى عريضة فى الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن العشرين تتنادى بتقنين الشريعة. وعندما نشرت اللجان التى أنشاها الرئيس السادات مشروعات القوانين أتضح منها أنها خلطت بين الشريعة والفقه، فقننت الفقه بزعم أنه الشريعة، وبذلك ساوت بين حكم الله وحكم الناس.
وإذ ذاك نشرت كتابى quot; أصول الشريعة quot; وبينت فيه أن المشرع المصرى قنن أحكام الشريعة فى الزواج والطلاق وقنن أحكام المواريث (التى هى القانون العام فى مصر) منذ عام 1928. ثم عُدّل قانون المواريث بما يسمى الوصية الواجبة عام 1946، وأن الفقهاء إستحدثوا منذ أوائل القرن الهجرى نظام الوقف الأهلى والخيرى، مع أنه لا سند له فى القرآن أو فى السنة المتواترة أو المشهورة، وليس له من أساس إلا فى حديث آحاد يمكن أن يفسر بإرهاق على الوقف الخيرى، لا الوقف الأهلى، ثم صار الوقف نظاماً دينياً أوقف (وقف) كثيرا من أحكام المواريث الشرعية.
وقد عرف الرئيس السادات موضوع كتابى واقتنع بما جاء فيه فامتنع عن إصدار المشروعات التى سُمَّيت خطأ تقنينات الشريعة، وبعد فترة سلـّم بالأمر، وبما جاء فى كتابى، أعتى من خاصمونى وأهدروا دمى، قائلين ما مفاده إنهم قننوا الفقه، وأن أحكام الشريعة فى مصر مطبقة عدا القليل الذى يحتاج إلى مناقشات علمية.
وانتهت تماما دعوى تقنين الشريعة لتظهر دعاوى آخرى، سوف يأتى الوقت لمناقشتها وردها واحدة بعد أخرى.
Email:
[email protected]

أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه