هناك عدد من الاسئلة الهامة حول مواثيق حقوق الإنسان الدولية وعلاقتها بالحالة المصرية مثل هل تطبق الدولة المصرية هذه المواثيق؟، وما مدى التزام الدولة المصرية بها من ناحية القانون الدولى؟، وهل تعتبر المواثيق الدولية لحقوق الإنسان أو ما تسمى ب quot; الشرعية الدولية لحقوق الإنسانquot; ملزمة كقوانيين داخلية فى مصر؟، والتى تشمل: الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى صدر عام 1948، والعهديين الدوليين لحقوق الإنسان لعام 1966 أى العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والبروتوكول الاختيارى الأول الملحق بالعهد الدولى الذى تعترف بموجبه الدولة الطرف فى العهد باختصاص اللجنة المعنية بحقوق الإنسان المنشأة بموجب العهد فى تسلم ونظر الشكاوى المقدمة من الأفراد الداخلين فى ولاية تلك الدولة.وهل مواثيق الشرعية الدولية لحقوق الإنسان مبادئ فوق دستورية فى مصر أم دستورية أم قانونية فقط أم أضعف من المستوى القانونى؟.
فى الولايات المتحدة اقرت المحكمة الفيدارالية العليا فى حكم شهير لها بأن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان هى مبادئ فوق دستورية، ولا يعنى هذا فقط تعديل أى مواد دستورية تحد من هذه الحقوق، وهى فى حالة الدستور الأمريكى متوافقة تماما مع هذه المواثيق،ولكن الأهم هو تفسير المبادئ الدستورية بشكل يوسع الحقوق والحريات ويعمل على حمايتها.
فى مصر الموضوع مختلف، فالمواثيق لها قوة القانون بموجب المادة 151 من الدستور والتى تنص على quot; رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات،... وتكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا للأوضاع المقررةquot;، أى تصبح بمثابة قانون من القوانين المصرية الصادرة عن السلطة التشريعية، وبالتالى تعتبر نصوصها من النصوص القانونية الصالحة للتطبيق والنافذة أمام جميع السلطات فى الدولة سواء التشريعية أو التنفيذية أو القضائية. ويشتمل الدستور المصرى فى مواده المتعددة الكثير من مبادئ حقوق الإنسان الدولية ومن ثم اصبح الكثير منها مبادئ دستورية. وكما يقرر تقرير المجلس القومى لحقوق الإنسان، quot;أن الاتفاقيات الدولية بشكل خاص المعنية بمبادئ حقوق الإنسان وحرياته الأساسية نتيجة لكونها من المصادر الأساسية للدستور لاتصال أحكامها الأساسية والمبادئ الواردة فيها بنصوص مقابلة لها فى الدستور المصرى تتمتع بحماية إضافية هى الحماية المقررة للنصوص الدستورية من حيث توفير الحصانة لها من أية قوانين قد تصدر بالمخالفة لأحكامها الموضوعية المتصلة بالحقوق أو الحريات المحمية بمقتضاهاquot;.
يعنى هذا أن مواثيق حقوق الإنسان التى صدقت عليها مصر هى بمثابة قوانيين محلية مصرية يجب تطبيقها فى المحاكم،كما أن مبادئ حقوق الإنسان الدولية الواردة فى المواثيق تضمن معظمها الدستور فى مواده، ولكن مواثيق الحقوق ليست مواد فوق دستورية كما فى الولايات المتحدة وأنما بهذا الوضع تلى الدستور مباشرة.
ولكن السؤال هل القوانين المصرية التى تتناقض مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان تعتبر غير دستورية لمخالفتها لمبادئ دستورية واضحة؟. نظريا نعم وعمليا لا، فهناك العديد من القوانيين التى تخالف المبادئ الدستورية المنبثقة من المبادئ الدولية لحقوق الإنسان وترفض المحكمة الدستورية الحكم بعدم دستوريتها. والحكم الوحيد الذى استند الى نصوص العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية معترضا على قانون العقوبات المصرى الذى يجرم ويحرم حق الإضراب هو الحكم الصادر بتاريخ 16 ابريل 1987 لتبرئة عمال السكة الحديد الذين اضربوا عن العمل وقتها ومع هذا لم يغير القانون بصفته غير دستورى.
على أن الموضوع فى مصر أعقد من هذا بكثير فهناك عدد من القيود التى تفرغ هذا الكلام من محتواه ومنها:
اولا: التحفظات التى اوردتها مصر عند التوقيع على الكثير من المواثيق الدولية واهمها التحفظ الخاص بالشريعة الإسلامية مثل:
1-التحفظ الخاص باتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة لسنة 1979 والتى صدقت عليها مصر فى 18 سبتمبر 1981 وتحفظت على وضع المساواة بين الرجل والمرأة وارجعتها للشريعة، وتحفظت أيضا على منح الجنسية المصرية لأبناء المصرية المتزوجة من اجنبى وقد تم علاج هذه النقطة مؤخرا ولكن ظل قيد الشريعة باقيا.
2-التحفظ الخاص بالاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 وقد انضمت مصر للاتفاقية بالقرار الجمهورى 536 لسنة 1981 واصدرت مصر عند الأنضمام الإعلان التالى quot; مع الأخذ فى الاعتبار أحكام الشريعة الإسلامية وعدم تعارضها معهاquot;.
3- التحفظ الخاص بالاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966 وانضمت اليها مصر بالقرار الجمهورى رقم 537 لسنة 1981 مع تحفظ خاص بالشريعة الإسلامية مثل سابقتها.
4-التحفظ الخاص بالاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وافراد أسرهم لسنة 1990 والتى انضمت اليها مصر بالقرار الجمهورى رقم 446 لسنة 1991 وتحفظت مصر على الإنجاب خارج مؤسسة الزواج للمهاجر باعتبار أن ذلك يخالف الشريعة.
5-التحفظ الخاص بالبرتوكول الملحق بالاتفاقية الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والخاص بالاتجار بالأطفال والنساء والذى انضمت اليه مصر بالقرار الجمهورى رقم 295 لسنة 2003 مع تحفظ خاص أيضا بالشريعة الإسلامية.
6- التحفظ الخاص بالميثاق الأفريقى لحقوق الإنسان والشعوب لعام 1980 والتى انضمت اليه مصر بالقرار الجمهورى رقم 77 لسنة 1984 مع تحفظ خاص بالشريعة الإسلامية ايضا.
يلاحظ أن التحفظات الخاصة بالشريعة جاءت بعد إقرار التعديل الدستورى الخاص بالشريعة الإسلامية عام 1980 وهذا التحفظ يفرغ هذه المواثيق الهامة من مضامينها، حيث تمثل الشريعة قيدا ثقيلا على الحريات والحقوق، وتظهر مصر أيضا فى حالة أنفصام حيث تقر الحريات وتلغيها فى ذات الوقت. على أن الأخطر هو أن هذه التحفظات تظهر بجلاء أن مصر دولة دينية إسلامية تعلى النصوص الدينية على القوانيين والمواثيق الدولية.
ثانيا: حيث أن الدستور المصرى اشتمل فى مواده على الكثير من المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان وحرياته الواردة فى المواثيق الدولية ولكنه فى نفس الوقت يقر فى مادته الثانية مبدأ خطير وهو مبدأ سيادة الشريعة الإسلامية ومن ثم دستوريا تعتبر الشريعة قيدا على هذه المبادئ الدستورية الخاصة بالحريات والحقوق، وحيث أن المواثيق الدولية ليست مبادئ فوق دستورية فهنا حتما ستفسر المبادئ الحقوقية وفقا لمبدأ سيادة الشريعة المتصدر للدستور فى مادته الثانية. وهذا يقودنا إلى نقطة أخطر وهى أن كون المواثيق تشكل قانونا محليا وفقا للمادة 151 من الدستور فهى ايضا مقيدة بالمبدأ الدستورى الخاص بالشريعة ومن ثم فهى قوانيين مقيدة بقيد حديدى مجهض للحريات ومن ثم مفرغة من مضامينها. أضف إلى ذلك أن المحكمة الدستورية تتهرب من تفسير القوانيين بما يوسع الحقوق والحريات ويضاهيها بالمواثيق الدولية، وفى حالة تفسير المحكمة لبعض هذه القوانيين لتتماشى مع المواثيق الدولية يتهرب القضاة من الأخذ بتفسير المحكمة للقوانيين والمبادئ الدستورية مفضلين تفسيرهم الخاص بالشريعة.
ثالثا: أن المبادئ الدستورية الخاصة بالحريات والحقوق تم إحالة الكثير منها إلى القوانيين لتنظيمها مثل حريات الصحافة والحصول على الجنسية وتكوين الأحزاب وحق التجمع وتكوين الجمعيات وحق الترشيح والإنتخاب... الخ، وفى الحقيقة فإن هذه القوانيين فرغتها من مضمونها تماما، وهنا تم التلاعب بالمبادئ الدستورية.
رابعا: هناك قوانيين غير دستورية ترفض المحكمة الدستورية مناقشة عدم دستوريتها لانها قوانيين سيئة تم اقرارها للحد من الحريات والحقوق وهى لا تستقيم والمبادئ الدستورية الداعية لهذه الحقوق.
خامسا: هناك قيد حديدى آخر يلغى كل الحريات الحقوق وهو قانون الطوارئ المطبق منذ عام 1981 وحتى الآن، وقد نشأ اكثر من جيل فى مصر تحت ظل هذا القيد الحديدى، والاغرب أن هناك الكثير من القوانيين العامة الاشد قسوة وسوء من قانون الطوارئ نفسه، فمثلا كيف يكون هناك بحث سياسى او علمى بدون استطلاعات للرأى العامالذى يعد جريمة بمقتضى قانون آخر وهنا يظل الكلام عن حق البحث العلمى والدراسة مقيد بقوانين تحد من هذا البحث.
واخيرا: الأخطر من كل ذلك هو تفسير المبادئ الدستورية بشكل مخالف تماما لوضوح نصوصها أو لمصدرها الدولى التى اخذت منه، فمثلا المبدأ الدستورى الخاص بحرية العقيدة الوارد فى المادة 46 من الدستور والمأخوذ من المادة 18 من الأعلان العالمى لحقوق الإنسان فأى دارس مبتدأ للقانون الدولى يعرف المقصود بحرية العقيدة ولكن القضاة الذين يحكمون ضد البهائيين والعائدين إلى المسيحية والمتحولين عن الإسلام والملحدين يضربون بهذا المبدأ الدستورى والدولى عرض الحائط، وما ينطبق على حرية العقيدة ينطبق أيضا على الحريات الشخصية والموجودة فى المادة 41 من الدستور المصرى والمأخوذة من المادة 3 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان حول الحريات الشخصية ولكن ما يحكم به القضاة ينسف هذا المبدأ الدستورى والدولى تماما... وقس على ذلك الكثير من المبادئ الدستورية والدولية.

وإذا اضفنا إلى كل ذلك أن التطبيق الفعلى للجزء اليسير المتبقى من هذه المواثيق المقيدة من كافة النواحى يعانى من ضعف شديد لاتضح أنه لا توجد حماية حقيقية لمبادئ حقوق الإنسان الدولية، ولاتضح اكثر خطورة المادة الثانية من الدستور المصرى الخاصة بالشريعة والتى تفرغ الحريات من مضامينها وتجعل الأمور متناقضة وترسخ وجود الدولة الدينية.
مبادئ دستورية تتناقض مع مبادئ حقوق دولية، مبادئ دستورية تتناقض مع بعضها، قوانيين تتناقض مع المبادئ الدستورية وتتناقض مع الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، قضاة يحكمون وفقا لتفسيراتهم الخاصة للمبادئ الدستورية وبما يهدر هذه المبادئ، محكمة دستورية عاجزة عن تفسير مبادئ الدستور أو بالاحرى تتهرب من ذلك وترفض قبل ذلك تنقية القوانيين من تلك التى تشوبها شائبة مخالفة المواد الدستورية،بيئة قانونية تبدأ من وكيل النيابة وتنتهى بالمحكمة الدستورية العليا عاجزة عن تفسير معنى الشريعة وعندما افتت المحكمة الدستورية بأن احكام الشريعة هى الأحكام قطعية الدلالة قطعية الثبوت لم يؤخذ بتفسيرها أحد ولم توضح لنا ما هى الأحكام قطعية الدلالة قطعية الثبوت.... وفى النهاية أنت فى حالة حرب أمام المحاكم لتفسير أمور حسمها القانون الدولى منذ أمد بعيد وأصبحت من أبجديات الشرعية الدولية لحقوق الإنسان.
ولا أجد تعبير يوضح الحالة المصرية سوى عنوان فيلم يوسف شاهين quot; هى فوضىquot;!!!

رسالة من منتدى الشرق الأوسط للحريات

يسر منتدى الشرق الاوسط للحريات عن الاعلان عن فتح باب العضوية، للافراد و الهيئات فى الداخل و الخارج .
وللمشترك حق الحصول مجانا على كافة الدراسات و التقارير التى يصدرها المركز، و ايضا الحصول على نسخة واحدة مجانا من كافة الكتب التى ستصدرها دار النشر التابعة للمركز، بالاضافة لدعوتة للمشاركة فى انشطة المركز الثقافية وندواتة و مؤتمراته..
ويسر المنتدى الإعلان ودعوتكم لحضور أنشطته القادمة

الاحد 30 يناير 2007 من السابعة حتى العاشرة مساء
محاضرة عن
مستقبل الفن المصرى
يلقيها
الفنان الكبير الموسيقار محمد نوح
ويعقب المحاضرة
سهرة غنائية مصرية

الاحد 13 يناير 2008 من الساعة السابعة حتى العاشرة مساء ندوة بعنوان
كيف نوقف العنف ضد الأقباط؟
المتحدثون
الاستاذ محمد فايق
رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان
الدكتور منير مجاهد
مؤسس حركة مصريون ضد التمييز
الاستاذ سعد هجرس
الكاتب الصحفى المعروف
يدير الندوة
الاستاذ مجدى خليل
وذلك بمقر المركز 45 شارع كيلوباترا مصر الجديدة
للاستفسار رجاء الاتصال بالتليفونات
22905931-22905932-0125226887
إدارة المنتدى

[email protected]

اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه