quot;يسعدني أن أعرب لفخامتكم عن اصدق التهاني والتبريكات لمناسبة تجديد ولايتكم الدستورية رئيسا للجمهورية العربية السوريةquot;من رسالة الرئيس الطالباني إلى نظيره بشار الأسد
أقف أمام كلمات رسالة رئيسنا حزيناً وحاسر الأمل،متسائلاً:هل انتخب الأسد حقا لولاية جديدة من سبع سنوات بموجب استفتاء دستوري على الطريقة التي أسس لها ديكتاتور العراق سابقاً؟..وقبل أن أجد جواباً عن سؤال مرعب كهذا،تختلط عليّ الأحداث فلم أعد أتذكر أي رئيس ذلك الذي سمعته يهنئ الرئيس السوري؟..هل كان الرئيس العراقي المهنئ؟..أبعدُ هذه الفكرة عن تصوري،لأن معادلها المعنوي يعني أن شيئاً لم يتغيّر في العراق،والنتيجة واحدة..نتيجة لم يترك لي غيرها صدق الخبر الذي وجدته منشوراً في صحف العراق الرسمية..تذكرت قول الشاعر وأزداد حزني فجيعةًً بذلك الخبر:
حـتى إذا لـم يدع لـي صدقـه أمـلاً شَـرِقتُ بِـالدمعِ حتى كـادَ يشرَقُ بي..
وعاد بي كابوس اللحظة إلى آخر استفتاء قسري أجري في العراق يوم 15-10-2002 وكانت نتيجته غير مسبوقة في تاريخ الاستفتاءات العالمية وبإجماع لا يمكن أن يحصل عليه أي رمز مقدس أو نبي مرسل ولا حتى طوطم لشعوب بدائية،فالنتيجة كانت 100%. ولكن ليس هذا هو المهم الآن، فالأهم لدي؛ ما ذكرني بتهنئة الرئيس لنظيره السوري، هو حضور رؤساء سابقين الى الاستفتاء الأخير الذي أجري للطاغية في العراق!،فكم ذا انتظرنا نشرة الأخبار بعد أن أطلت مذيعة قناة الجزيرة بغنج يليق بالمناسبة لتعلن: quot; رئيسان سابقان يدليان بصوتيهما في الانتخابات الرئاسية في العراقquot;..هكذا قالت، لحظتها أحسست بفيض من حلم يراودني منذ أيام..حلم في الديموقراطية والتغيير المرتقب في العراق،رؤساء سابقين أحياء ياالله!!.... وتحسست جسدي بلمسة من يريد التأكد من صحوته، نعم كنت مستيقظاً وكانت الساعة تعلن السادسة مساء يوم الاستفتاء الرئاسي الأغرب. ولكن...من هما الرئيسان السابقان في العراق؟؟! هل بُعث أهل القبور؟..هل المقصود فعلاً رؤساء جمهورية؟..أم رؤساء عرفاء من أصحاب انقلاب الدبابة الواحدة؟.وما أسرع خيبات الأمل في الرجاء السياسي العراقي..خاب ظني بعد انتظاري دوران عقارب الساعة حتى نشرة الأخبار التالية لأرى احمد بن بيلا الرئيس الجزائري المخلوع ورئيس أفريقي آخر مخلوع هو الآخر يدليان ضمن من أدلوا بأصواتهم تأييداً وانتخاباً لرمز الرعب العراقي..
وقتها استفتي له-بالوهم-على سبع سنوات ،كسنين يوسف التي سيعدّ مثيلاتها الشعب السوري الآن،فالجوار الشعبي،لا السياسي الحاكم في المنطقة، كان يتأمل خيراً وفيراً بزوال ديكتاتور بغداد وصعود معارضة عانت لسنوات طويلة من جور هذا الطاغية..وكانت تبث شكواها في دول جوار احتضنتهم كمعارضين؛ وسوريا واحدة من دول الجوار الأهم في ملف المعارضة العراقية،وربما قدمت الكثير لهم سابقاً،قلت: فهل سيكون من واجب الحكومة الجديدة في عراق الديموقراطية ان يهبّ رئيس دولتها مع من سارعوا مهنئين على حساب معاناة الشعب السوري وآماله؟!..وربما يحتج من يحتج بالقول:ان في هذا بروتوكولات ودبلوماسيات وعلاقات دول..وأجيب هنا كعراقي عاش زمن الرعب الصدامي،مستحضراً فجيعة أن نقف متجمدين قرب التلفاز الذي لا يبث سوى أخبار الديكتاتور ومناصراته للديكتاتوريات، ولست أنسى كيف غُيّبَ أحد معارفي بسبب نكتة كنا نتبادلها يوم خرج الطاغية ليقرأ بنفسه برقية تأييد لتشاوشيسكو ديكتاتور رومانيا الذي كان محاصراً بالتظاهرات الشعبية العارمة أمام قصره.بعد يوم واحد من تمثيلية quot;بيعة بوخارستquot; التي جمع لها الشعب الروماني للإيهام بشعبيته، حيث القى خطابه الأخير قائلا quot;إن رومانيا لن تشهد أي تغيير،قبل أن يثمر الصفصاف أجاصاً quot;..
وأثمر الصفصاف دماً غمر شوارع بوخارست بالربيع،وبقي العراق،وكنا نتأمل مشهد الحرية اينما حلّ بالرجاء والأمل..وربما يتأمل الآخر الآن في دول الجوار مشهدا مشابهاً لا نريد لسياسيينا الإجهاز عليه،فهو حجتنا التي دفعنا لأجلها الكثير وما زلنا ندفع دماً بلون الأجاص الذي أثمره الصفصاف العراقي.