نجح الفلسطينيون تماما في تبديد مخاوف ايهود اولمرت مما قد يحصل في غزة ويشكل خطرا على اسرائيل، وها هم يقتربون من النجاح مرة اخرى في تبديد مخاوفه حيال ما قد يمكن ان يحصل في الضفة الغربية الممسوكة حتى الآن امنيا اكثر من الإسرائيليين.
والحقيقة، لا تملك الامتان العربية والاسلامية إلا تهنئة الفصيلين الفلسطينيين الرئيسيين quot;فتحquot; وquot;حماسquot; على هذا الانجاز الاسرائيلي الرائع الذي وفر على تل ابيب عناء الانشغال بالخاصرة الغزاوية الصعبة والتفرغ للقضايا الاكبر الممتدة من الحملة الدولية على الارهاب الى المشاركة المحتملة في اي مواجهة مع ايران حول ملفها النووي.
كذلك لا يمكن إلا الاشادة بالتطور النوعي في العمليات العسكرية التي تجري على الارض بين المتحاربين، فهناك من قتل في بيته، وهناك من جلس على كرسيه في مكتبه فانفجر به، وهناك من ضغط على ازرار المصعد ففوجئ باشتعال قنبلة، وهناك من سقط جريحا في معركة فلحق به مقنعون الى المستشفى وامطروا جسده الداخل في مرحلة النزع الاخير بخمسين طلقة. هناك من قطعوا رأسه وشوهوا جسده وابادوا اسرته، وهناك من دفنوا احياء في نفق، وهناك من اصطادته بنادق القناصين الدقيقة بعد النجاح في السيطرة على الابراج العالية في مدينة خان يونس.
ولا شك في ان الاسرائيليين المتابعين لتقويم الصراع العربي ndash; الاسرائيلي سيتقدمون بجزيل الشكر لدافني المجازر الاسرائيلية بحق الفلسطينيين في غياهب النسيان (او المقارنة) بعدما اشعلتها الذاكرة العربية لعقود وعقود. فمنذ نشأتنا الاولى ونحن نعطل يوما من المدرسة في ذكرى quot;مجزرة دير ياسينquot; او quot;مذبحة كفر قاسمquot; او quot;جريمة سعسع الانسانيةquot;. كنا نقف دقائق صمتا في الندوات والمهرجانات التي تتطرق الى المناسبات المتوحشة في تاريخ العرب كي يبقى سلاح الضمير العالمي صاحيا ضد ما ارتكبه الصهاينة من مجازر ضد المدنيين العزل الابرياء، وكانت مناهج الدراسة عربيا وعالميا تتسع لهذه الاحداث التاريخية كجزء لا يتجزأ من محاولة فهم ابعاد هذا الصراع الطويل في المنطقة.
كان لا بد من العودة الى هذه المجازر منذ اللحظة الاولى التي اندلع فيها القتال بين الفلسطينيين انفسهم وداخل فلسطين، للمقارنة في كل شيء: عدد الضحايا، اسلوب القتل، النتائج والانعاكاسات. ولم تكن المقارنة بحاجة الى كثير عناء ليتضح ان الصهاينة انتصروا مرة بأياديهم وانتصروا مرات اخرى ... بأيادي الفلسطينيين.
في 14- 2- 1948، ارتكب الاسرائيليون مجزرة في سعسع كانت حصيلتها استشهاد 60 من أهالي القرية معظمهم من النساء والأطفال. .
في 29 ndash; 10 ndash; 1956 قتل حرس الحدود الاسرائيلي 49 مواطنا من أهل كفر قاسم.
في 10-5-1948 دهمت عصابات شتيرن وأرغون والهاغاناه قرية دير ياسين، وقتلت 250.
عشرات الشهداء ، إذا، سقطوا برصاص ومتفجرات عدو غاصب ورسموا للضمير العالمي صورة مأساة كبرى بقينا على مدى عقود نتذكرها ونحيي مناسباتها. أما في الاقتتال الداخلي بين الفلسطينيين فالعشرات يسقطون ايضا وباساليب اكثر وحشية من دون ان يجرؤ اي عربي ومسلم على تعليب هذه المعارك في صناديق quot;المجازرquot; او على احياء ذكرى سقوط شهداء مدنيين ابرياء بمجزرة quot;اهلية ومحليةquot;. الاسرائيلي وحده هو من يرتكب المجازر... هكذا كتب التاريخ العربي، والاميركي ايضا يفعل الشيء نفسه...هكذا لقننا الزعماء الاتقياء الانقياء، وللمجازر هويات، فهي جرائم ابادة بشعة اذا قام بها quot;الآخرquot; على ارضنا، وهي مجرد quot;اقتتال بين اخوةquot; اذا قام بها عرب ومسلمون على ارضنا، وهي فتوحات وغزوات وانتصارات اذا قام بها عرب ومسلمون ضد مدنيين على اراضي quot;الآخرquot;.
لو احيا الفلسطينيون قبل عام، بأسى واسف، ذكرى ضحايا شهدائهم الذين سقطوا في العام الذي سبقه باقتتال quot;الاخوة الاعداءquot; وطالبوا بمحاكمة المتسببين فيه قيادة وتحريضا وتنفيذا وتغطية... لما تكرر ما حصل هذا العام ولما سيتكرر ما حصل العام المقبل.
هل يقف التلاميذ العرب غدا دقيقة صمتا احياء لذكرى quot;كفر قاسمquot; وquot;دير ياسينquot; وquot;كفر غزةquot; وquot;دير خان يونسquot; ام ان لا مكان في ذاكرتنا لضحايا النيران الاخوية؟
الجواب طويل عريض ... بطول ليلنا وبعرض الجدار الفاصل بين العرب من جهة والانسانية من جهة ثانية.
[email protected]