من يستطيع تفسير هذه الحرب الطاحنة بين حركتي حماس و فتح؟ هل هي حرب أهلية أم اقتتال داخلي؟ أم حرب الأشقاء الأعداء؟. هل هي حرب من أجل تصعيد النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي أم من أجل الكراسي والسلطة والنفوذ والمال والوظائف؟. من يتخيل مئة قتيل ومئات الجرحى والمخطوفين من الطرفين خلال أقل من إسبوع؟. هل يصدق عاقل أو مجنون أن يتم إعدام مواطن فلسطيني وقذف جثمانه من الطابق الثامن عشر؟ هل قام الاحتلال طوال تاريخه البشع بمحاصرة عشيرة بكاملها والطلب منها الاستسلام لأن واحدا من أبنائها عضو في تنظيم معاد، كما فعلت حماس مع عشيرة بكر في غزة، حيث اقتادت ثلاثمائة من العشيرة للاستسلام في أحد المساجد وقتل العديد منهم من بينهم خمسة نساء عزل؟. من يتخيل هذا النداء؟ ( ناشد الأطفال والنساء القاطنون في برج العودة في منطقة تل الهوى غرب غزة المنظمات الدولية والإنسانية، إنقاذهم من براثن كتائب القسام والقوة التنفيذية، الذين احتلوا البرج السكني وحولوه إلى ثكنة عسكرية. وأوضحوا في نداء استغاثة أن القسّام والتنفيذية اتخذوا النساء والأطفال دروعا بشرية للهجوم على مقر الأمن الوقائي والمربع الأمني التابع لمنزل الرئيس محمود عباس، معرضين حياتهم وأطفالهم للخطر). وهل يصدق أحد ( أن كتائب القسّام والقوة التنفيذية تقصف مستشفى القدس ومبنى الهلال الأحمر الفلسطيني في منطقة تل الهوى غرب مدينة غزة بالقذائف الصاروخية والرشاشات )، وكم هو مفرح هذا الخبر الذي يستحق الصلاة لله شكرا : ( أعلنت كتائب القسّام الذراع العسكري لحركة حماس أنها سيطرت بشكل كامل على المقر الرئيسي الخاص بجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني أحد أكبر الأجهزة الأمنية التابعة لحركة فتح والواقع شمال مدينة غزة. وعرضت فضائية الأقصى التابعة لحماس ما يثبت ذلك، حيث ظهر المئات من الملثمين المقنعين التابعين للقسّام وهم يجولون في أنحاءالمقر، وأظهرت اللقطات التي بثتها فضائية الأقصى العديد من عناصر القسام، وهم يفتشون في مكاتب المقر الأمني الرئيسي في غزة، قبل أن يرفعوا أعلام حماس الخضراء وأدوا الصلاة داخل المقر ). هذا بالإضافة لجرائم حقيقية فعلا بعضها لم يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي، تبدو فداحتها عند التذكر أنها من فلسطينيين يدّعون النضال من أجل تحرير فلسطين ودحر الاحتلال.

مسؤولية حماس الفعلية
لماذا هذا التدهور الإجرامي فقط بعد تسلم حماس رئاسة الحكومة الفلسطينية منذ عام ونصف تقريبا؟ لماذا كان الفلسطينيون في قطاع غزة قبل ذلك لا يواجهون إلا رصاص الاحتلال الإسرائيلي فقط ؟ وكانت حماس تمارس نشاطها التنظيمي والمقاوم بدون أن يتعرض لها أحد من السلطة الفلسطينية وخارجها؟. أقولها صراحة: حماس لم تصدق أن كسبت الانتخابات وترأست الحكومة، وفتح كذلك لم تصدق أنها خسرت الانتخابات والحكومة، وبالتالي بدأ الصراع المسلح من أجل احتفاظ حماس بالحكومة أي النفوذ والكرسي والمال المهرب عبر معبر رفح بالملايين، ومن أجل أن تستعيد فتح السلطة والنفوذ، وبالتالي فليس كل فتح لصوصا، وبالمقابل ليس كل حماس شرفاء، بدليل أنه منذ تولي حماس رئاسة الحكومة في يناير 2006 وهي تراوغ بين هدنة طويلة وعدم اعتراف بإسرائيل، ولم تطلق رصاصة منذ ذلك التاريخ ضد جيش الاحتلال!. والدليل على ذلك تصريح صلاح البردويل الناطق باسم كتلة حماس في التشريعي الفلسطيني، حيث أعلن صراحة ( إن قرار الحسم مع هذه الفئة التي تمثل جزءا من فتح لم يعد محل تردد...وطالبهم بتسليم أسلحتهم وإخلاء مقراتهم الأمنية....لقد سلّم العديد من هؤلاء أنفسهم ومن لم يفعل فهو محاصر، وقد تمّ تحرير شوارع غزة من حواجز الموت ومحاصرة من تبقى منهم في بعض الأبراج التي يختبئون فيها )، وهل سبق أن واجه البردويل وحماسه جيش الاحتلال بهذا الحسم القاطع؟
إن هذا ليس دفاعا عن فتح والسلطة الفلسطينية وكل ما كانت تعيشه من فساد ومحسوبية وشللية، ولكنه تذكير بأن الهدوء التام كان يعيشه المواطن الفلسطيني، ولم يكن يشغل باله سوى منغصات الاحتلال، ولمّا أوصلت الصواريخ التلفزيونية حماس للحكومة، بدأ هذا التدهور ضد الشعب الفلسطيني وليس ضد الاحتلال ؟. وهاهي المؤشرات توحي أن حماس بصدد السيطرة الكاملة على القطاع وطرد الفتحاويين أو قتلهم أو سجنهم، وماذا بعد أن تعلن حماس إمارتها الإسلامية في القطاع تحت اسم ( غزتستان )أو ( حماسستان)؟. مع من ستتعامل من دول العالم إذا كان الجميع يقاطعها الآن رغم شراكة فتح لها في الحكومة؟ كيف ستدفع رواتب الموظفين الفلسطينيين شبه المتوقفة منذ شهور؟ كيف ستؤمن الغذاء والماء والكهرباء والهاتف والخدمات الصحية ؟.

لا حل...و سوف نعيش المزيد من القتل والموت ! كافة الطرق مسدودة، فاجتماع الجامعة العربية لن يصدر عنه سوى بيان ومناشدات للإخوة الأعداء تماما كالمناشدات الدولية، أما جيش الاحتلال فلن يفكر قادته باحتلال القطاع من جديد، فما توفره حماس وفتح من قتل وموت ودمار يعجز عنه جيش الاحتلال، وبالتالي فهذا يعني سقوط وانتهاء السلطة الفلسطينية دون أسف من أحد، وهاهي الظروف يوفرها الفلسطينيون أنفسهم لانسحاب العرب والعالم من هذه القضية (بطيخ ويكسر بعضو )...

( في هذه اللحظة دخل معي على الماسينجر الزميل الكاتب نصر جميل شعت المقيم في غزة، وكتب لي يقول: أحمد في هذه اللحظة المعارك عنيفة ولا تبعد عن بيتي سوى خمسين مترا، كل شيء يتحول إلى موت وفوضى على يد الإرهابيين. هنا في غزة وخان يونس وجباليا ورفح ودير البلح لا شيء سوى صوت الرصاص والقذائف...هذا الوصف قليل ممن نعيشه، لا أستطيع الخروج من منزلي. إنهم يقتلون بعض بحقد لم يمارسوه ضد الاحتلال )

ماذا يفعل محمود عباس ؟

في ظلّ المؤكد أن حماس ستسيطر على كافة قطاع غزة بالقتل والرصاص خلال ساعات أو أيام قليلة، ولوقف هذه النزيف الدموي المجرم ربما من الأفضل أن يعلن محمود عباس كرئيس للسلطة الفلسطينية الانسحاب من الحكومة الفلسطينية، وانسحاب كل مقاتلي فتح من أرض المواجهة مع حماس ودعوة حماس لتسلم القطاع كاملا، كي تصبح مسؤولة عنه بشكل كامل، ليرى شعبنا كيف ستديره و توفر متطلبات حياة مليون ونصف فلسطيني، وإن نجحت في ذلك فعندئذ مرحبا بها لتسلم الضفة الغربية، وسواء فعل محمود عباس ذلك أم لا فسيطرة حماس على القطاع قادمة لا محالة، وعندئذ ستبدأ ملاحقة عناصر فتح وكل الأجهزة الأمنية التي كانت تابعة لها، وهذه الملاحقات وما يتبعها من تصفيات لن تنتهي في شهور طويلة، وسيرى الشعب الفلسطيني أيهم أرحم : أيام الاحتلال أم أيام حماس ؟. وسننتظر لنرى هل ستمدد حماس الهدنة مع إسرائيل من ستين إلى ثمانين عاما أم ستعمل على تحرير الضفة الغربية أولا من احتلال فتح ومحمود عباس، ولكل حادث حديث !
[email protected]