رسالة إلى النظام السوري، العرب والعالم... وإلى ساركوزي!

لم يكن أغتيال النائب وليد عيدو ونجله وحارسيه مع مجموعة من المواطنين اللبنانيين في بيروت سوى أشارة اخرى يرسلها النظام السوري في أتجاه المجتمع الدولي. فحوى الأشارة أنّه على أستعداد لتحدي المحكمة الدولية التي أقرّها مجلس الأمن التابع للامم المتحدة ألى النهاية وأن في أستطاعته ممارسة الأرهاب بكلّ أشكاله في حربه على المحكمة. يريد تأكيد أنّه يستطيع ذلك ليس من أجل تعطيل المحكمة التي يتوقع أن تنظر في الجرائم التي أرتكبها في الأراضي اللبنانية بدءاً بمحاولة أغتيال الوزير مروان حماده في الأول من اكتوبر ndash; تشرين الأول 2004 مروراً بأغتيال رفيق الحريري ورفاقه وكل من سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار أمين الجميّل وأنتهاء بأغتيال نائب بيروت فحسب، بل من أجل القول أيضاً أن لبنان يكون تحت الوصاية السورية أو لا يكون.
تلك رسالة النظام السوري ألى العالم وألى فرنسا ورئيسها الجديد نيكولا ساركوزي تحديداً، ساركوزي الساعي ألى عمل شيء من أجل لبنان ومن أجل أعادة لغة الحوار ألى لبنان.
ليس لبنان وحده المعني بالرسالة السورية الجديدة - القديمة بمقدار ما أن على المجتمعين الدولي والعربي أدراك حجم الجرائم المرتكبة في الوطن الصغير وهي جزء لا يتجزّأ من أستراتيجية أوسع تستهدف ألغاء النظام الأمني العربي واحلال آخر مكانه تكون أيران عموده الفقري. المطلوب أن يكون في المنطقة نظام أمني جديد يبدأ بطهران ويمر ببغداد ودمشق وبيروت وبجنوب لبنان وينتهي في فلسطين... في قطاع غزّة على حدود مصر.
تندرج جريمة أغتيال وليد عيدو السنّي البيروتي الذي وقف بشجاعة في صف الوطنيين اللبنانيين الذين عملوا وما زالوا يعملون من أجل الحرّية والسيادة والأستقلال وبقاء لبنان دولة عربية في سياق الحملة التي يتعرّض لها لبنان بهدف ألغائه. أنها حرب مستمرة على لبنان بدأت بالتمديد قسراً للرئيس أميل لحود. جاء هذا التمديد في ستمبر (أيلول) من العام 2004 بعد سلسلة من التهديدات المباشرة وجهها الرئيس بشّار الأسد ألى الرئيس رفيق الحريري الذي لم يجد مفرّاً من الرضوخ للتهديدات تفادياً لمزيد من التخريب السوري للبنان عبر أميل لحّود والعملاء الآخرين الذين يأتي quot;حزب اللهquot; في طليعتهم.
عندما أكتشف رئيس النظام السوري أن التمديد ليس كافياً لأبقاء هيمنته على لبنان كي يكون الوطن الصغير مجرد quot;ساحةquot; يبتز عبرها كلّ من يريد أبتزازه من العرب وغير العرب، وعندما أكتشف أن محاولة أغتيال مروان حماده ليس كافية لتركيع اللبنانيين أنتقل ألى مرحلة جديدة في التصعيد. أنتقل من الحرب الهادفة ألى أبتزاز الآخرين، بما في ذلك اللبنانيين أنفسهم، عبر quot;لبنان ndash;الساحةquot; ألى الحرب المباشرة على لبنان واللبنانيين. أنها حرب ألغاء بدأت بأغتيال رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما في الربع عشر من شباط ndash; فبراير 2005. كانت الخطوة التالية سعي أميل لحّود ألى العبث بساحة الجريمة. ولمّا أُوقف عند حدّه، حُرّكت قوى ما يسمّى quot;الثامن من آذارquot; التي نزلت ألى الشارع بقيادة quot;حزب اللهquot; لتغطية جريمة أغتيال رفيق الحريري والحؤول دون أي مس بنظام الوصاية في لبنان. لكنّ اللبنانيين الشرفاء كانوا أقوى من الأدوات السورية والأيرانية. تظاهر لبنان، كلّ لبنان في الرابع عشر من آذار- مارس 2005. نزل ألى الشارع لبنانيون من كل الطوائف والمذاهب والمناطق ومن كلّ الطبقات الأجتماعية لتأكيد رفضهم لنظام الوصاية وأخرجوا الجيش السوري من لبنان. لم يفهم النظام في دمشق أن من مصلحته الأنصراف ألى الأهتمام بشؤون سوريا وشعبها المظلوم وأنتظار ما ستؤول أليه قضية المحكمة الدولية التي ستحدد مدى تورطه في أغتيال رفيق الحريري. أعتقد أن ألهجوم على لبنان أفضل وسيلة للدفاع عن وجوده كنظام وأفضل تغطية لجرائمه. لم يفهم أن العالم تغيّر، لا يستطيع الأعتراف بذلك نظراً ألى أنّه من عالم آخر ومن مدرسة سياسية تؤمن بأن في الأمكان معالجة ذيول جريمة بجريمة أخرى. هذا هو التفسير المنطقي لأغتيال سمير قصير الذي أستشهد في الثاني من يونيو ndash; حزيران 2005 بعد أقلّ من خمسة أسابيع من الأنسحاب العسكري السوري من لبنان. وهذا هو التفسير المنطقي لأغتيال جورج حاوي وجبران تويني وبيار أمين الجميّل ووليد عيدو. هذا هو التفسير المنطقي لأستئجار المهرج برتبة quot;جنرالquot; كي يلعب دور الأداة المسيحية في تغطية جرائم النظام السوري ومعلّميه في أيران. هذا هو التفسير المنطقي لسلسلة التفجيرات في مناطق لبنانية مختلفة، خصوصاً المناطق المسيحية، كذلك لأفتعال quot;حزب اللهquot; حرب الصيف الماضي التي سمحت لأسرائيل بتدمير جزء من البنية التحتية اللبنانية. ولم يكتف الحزب الذي لديه ميليشيا خاصة به تعتبر لواء لبنانياً تابعاً لquot;الحرس الثوريquot; الأيراني بأفتعال الحرب الأسرائيلية، بل أستكملها عن طريق أقامة مخيم البؤس وسط بيروت بغية تعطيل الحياة الأقتصادية في البلد. أما ما بقي من الحياة السياسية فقد تولى تعطيله رئيس مجلس النواب المغلوب على أمره الذي ليس سوى لاجئ سياسي عند quot;حزب اللهquot;...
صمد لبنان. صمد اللبنانيون. صمدت الحكومة الشرعية المعترف بها من العالم، حكومة فؤاد السنيورة. صمد الجيش اللبناني. بسبب صمود لبنان كان لا بد للنظام السوري من تفجير الألغام التي تركها في لبنان، بما في ذلك المخيّمات الفلسطينية ألتي حوّلها ألى جزر أمنية تحتمي بها عصابات أرهابية من صنع أجهزته بينها quot;فتح-الأسلامquot;. وفيما كان الجيش اللبناني يحقق تقدماً في مخيم نهر البارد في مواجهة عصابة quot;فتح ndash; الأسلامquot;، جاء أغتيال وليد عيدو بغية ترويع اللبنانيين وحضهم على الأستسلام لنظام الوصاية مجدداً. أنها لعبة كلاسيكية مكشوفة يمارسها النظام السوري الهارب ألى أمام من المحكمة الدولية.
مرة أخرى، أظهر اللبنانيون أنهم صامدون وأنهم يقاومون عودة نظام الوصاية السوري المتكل على تواطئه الضمني مع أسرائيل من أجل التخلص من تبعات الجريمة والجرائم الأخرى التي يتعرض لها لبنان واللبنانيون الشرفاء. لا شك أن مسيرة الأستقلال والحرية لا تزال طويلة. سيسقط مزيد من الشهداء، سيفتعل النظام السوري جرائم أخرى في حق اللبنانيين والفلسطينيين كما يفعل حالياً في مخيّم نهر البارد الفلسطيني في شمال لبنان. كلّ ذلك لن ينفعه ولن ينفع أدواته وأدوات حليفه الأيراني. لبنان سينتصر بمسلميه ومسيحييه. سينتصر لأن لا مفرّ من أنتصار الحق في النهاية من جهة ولأن جريمة أغتيال رفيق الحريري والشهداء الآخرين في حجم جريمة أحتلال صدّام حسين للكويت من جهة أخرى. معروف جيّداً كيف أنتهى صدّام الذي حاول ألغاء الكويت! معروف جيداً كيف سينتهي من يحاول حالياً ألغاء لبنان!