سقط نظام صدام حسين, وحُلَّ الجيش العراقي, وتفككت المنظومة الامنية الرهيبة التي شيدها صدام حسين, وشرد الكثير من موظفي الدولة, ونهبت دوائر الدولة, وتبعثر الحزب الحاكم, وانسحبت قوات الحدود, وماجت الجماهير الغاضبة, وتخوفت طوائف وفرحت طوائف, وتسلل الا رهابيون بالمئات عبر الحدود الإيرانية والسعودية والسورية, فكان الطوفان...
حدث فراغ مريع, فراغ مخيف, فمن يملأ هذا الفراغ يا ترى؟
هذا الفراغ ما زال يمارس دوره في بنية الدولة العراقية, ولم تقدر محاولات الحكومات الثلاث المتعاقبة على ملئه بالشكل المطلوب. النقطة الجوهرية في هذا الفراغ أنه أصبح مصدر خوف لدول الجوار, ومعادلات الخوف متعددة هنا في الواقع, منها: الخوف من التقسيم, فإن ذلك قد يجر نتائجه على هذه الدول, ومنها: الخوف من الحرب الاهلية التي قد تنتشر آوارها في كل المنطقة, ومنها: الخوف من أن يُملأ هذ ا الفراغ من الأخر, سواء كان إقليميا أ و عا لميا, أو إ قليميا وعاليما في آن واحد, ومنها: أن يتحول العراق إلى مصدر لتصدير الارهاب كما هو حاصل اليوم, ومنها الخوف من إستمراء الديمقراطية من قبل شعوب هذه الدول الامر الذي يقضي بإ ثارة مشاكل بالنسبة للحكام, ومنها: الخوف من تكريس الوجود الامريكي في المنطقة من خلال تكرسيه في العراق. الكثير من هذه بة للعراالمخاوف مشتركة, أي مشتركة بين كل الدول الاقليمية, بل وحتى الدول التي تبعد قليلا أو كثيرا عن المحيط الاقليمي بالنسق, ولكن هناك مخاوف خاصة بكل دولة إقليمية.

نماذج من التخوفات التركية
أولا: النفوذ الإيراني.
ثانيا: النفوذ السعودي.
ثالثا: الحكم الذاتي للاكرا بمساحة وعمق مؤثرين, ويعتبر هذا التخوف جوهري بالنسبة لتركيا.
رابعا: مصير كركوك,ويتبعها أو يوازيها القلق على مصير التركمان.
خامسا: التقسيم.
سادسا: أن يتحول هذا الفراغ إلى منطقة تجمع وإنطلاق لحزب العمال الكردستاني.
سابعا: غلبة الشيعة على مساحة كبرة من الحكم في البلاد.
هذه تخوفات صميمية بالنسبة لتركيا, ولذلك هي ترا قب الوضع بدقة, وحرص, وتحفز, وجاهزة للقيام بالكثير من العمل العسكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي في معالجة هذه الاخطار, وبناء علي كل ذلك لها أجندتها الفاعلة في العراق, ولها خططها لمواجهة هذه المخاطر, وهي في تنافس محموم مع قوتين أساسيتن هنا, هما إيران والسعودية.

نماذج من التخوفات السعودية.
أولا: النفوذ الإيراني.
ثانيا: سيادة العنصر الشيعي بمساحة كبيرة وعميقة في الحكم.
ثالثا: تراجع منسوب الوجود السني.
رابعا: النفوذ الكويتي.
خامسا: أن يتحول العراق إلى موقع تصدير إرهابيين.
وقد أبدت السعودية صراحة تخوفاتها هذه, وهي حائرة أزاء هذا التشتت في الوجود السني الذي يجب أن يكون ذراعا لها في العراق, وقد أعلنت أكثر من مرة تصديها لاي محاولة تقليص أو تحجيم للوجود السني حسب بعض التصريحات, ثم دخلت في حرب شبه باردة علنية مع الجمهورية الا سلامية الايرانية, وتضخ الاموال لكثير من المقاتلين وغير المقاتلين من السنة, وتعمل على توجيه العمل السني في العراق, بل كثيرا ما تصدت إعلاميا للحكومة العراقية, وكان لها مواقف صارمة من حكومة ا لمالكي.أجندتها المال والكثير من العشائر السنية المجاورة. والسعودية تتحسس بطبيعة الحال حتى من نفوذ كويتي في جنوب العراق.

نماذج من التخوفات الإيرانية
أولا: التواجد الامريكي لإيران في العراق باي شكل من الاشكال على قمة المخاوف الايرانية.
ثانيا: بروز حوزة النجف الاشرف وعودتها إلى عهد الريادة في العالم الشيعي.
ثالثا: سيطرة قوية ونافذة لشيعة العراق, فإن ذلك قد يؤول إلى تكتل سني عربي إسلامي ضد إيران.
خامسا: الحرب الأهلية الشاملة, لان ذلك يحمل إيران الكثير من التبعات أزاء شيعة العراق على أقل تقدير.
سادسا: التجاذب الايجابي والحيوي بين عرب الاهواز وعرب العراق من الشيعة.
سابعا: عود ة السنة إلى الحكم, وعودة ولو جزئية لرجال البعث إلى دفة قيادة العراق بشكل و أخر.
وإيران اليوم داخلة في عمق العراق, وتشير أصابع الإ تهام لايران بأنها من أكثر دول الجوار تدخلا وعملا في داخل العراق, وهي في صرا ع مرير مع التواجد الا مريكي عبر أجندة كثيرة ومعقدة وهائلة. حتى يمكن القول أن إيران ترى في العراق ساحة مواجهة مع الولايات المتحدة الامريكية.

نماذج من التخوفات السورية
يمكن إجمال التخوفات السورية في بعض النقاط الجوهرية, الاولى التواجد الامريكي بالذات, وما يمكن أن يستتبع من ضعف للدور السوري ي المنطقة, بل جعل سوريا دائرة في الفلك الا مريكي, وتغيير بنية الحكم السوري بإرغامة على إجراء تغييرات ديمقراطية ينهي حكم الفرد الواحد والحزب الواحد, ومنها الخوف من تثوير الاقليات والاثنيات مثل الاكراد وغيرهم.
وتعتبر سوريا اليوم من اللا عبين الكبار في الداخل العراقي, تستند إلى أجندة عسكرية وأمنية وعشائرية في داخل العراق, وتشير بعض المصادر إن هناك تناسقا بين إيران وسوريا في هذا المجال.

نماذج من التخوفات الكويتية
يتركز الخوف الكويتي من النفوذ الايراني في العراق, جوهر الخوف الكويتي هو هذا, كذلك من عودة حزب البعث وقواه إلى الحكم بقاعدة عريضة ومؤثرة, كما أن للكويت حساسية جدا نم تصاعد الحركة الأسلامية الاصولية المتشددة في العراق, لان ذلك ينعكس عليها مباشرة, خاصة وهي تعاني من نفوذهم وتشددهم. تتخوف الكويت من حرب أهلية تنشب في العراق.

نماذج من التخوفات الأردنية
يتخوف الاردن من أن يتحول العراق إلى بؤرة تصدير إرهابي, كما يامل بحكومة تتفهم وضع الاقتصاد الاردني, وهناك خوف ا ردني حقيقي من تواصل شيعي / شيعي, يبدا من أيران ويمر با لعراق ويستقر في سوريا الكبرى.هذه بعض نماذج تخوفات الجوار, والسبب الرئيس هو ضعف العراق, ضعف الحكومة بكل ما تعنيه الحكومة من معنى, وهذا الضعف الذي سبب كل هذه التخوفات يقضي بحتمية الصراع داخل العراق بين هذه الدول, وبالفعل, فالعراق اليوم مسرح صراع إقليمي, والحكومة أ ضعف من أن تؤدي شي تجاه هذا الصراع, وهذا الصراع سوف يستمر, والامريكان غير قادرين على حسمه بسهولة. هناك أجندة تركية, سعودية, أردنية, إيرانية, سورية, وكلها تتصارع نيابة عن هذه الدول والانظمة, وهناك تكافؤ تقريبا بين هذه الانظمة في القوة والاساليبب والممكنات والأجندة والمساحات الجغرافية والتواجد التاريخي والامتداد المذهبي, وعليه, سوف يستمر الصراع...
نعم يستمر...
ولكن إلى متى؟
نكمل في الحلقات الاتية.