قرأت في صحيفة الحياة وفي أعلى الصفحة الأولى، وهي الخانة المخصصة عادة لأخبار القتلى والكوارث وضحايا الحروب وغضب الطبيعة، خبرا عن أن وزارة العمل السعودية استحدثت مسمى وظائف جديد وهو (مدبّرات سعوديات )وهو باختصار الاسم الدلع لوظيفة (خادمات سعوديات.. تذكرت احدى المسلسلات المصرية التي تخطب فيها البطلة لشاب عرّف نفسه بأنه (ضابط )، لتكتشف في النهاية أنه طبال في فرقة عوالم في شارع محمد علي، فقال لها بأنه لم يكذب لأنه ببساطة: ضابط... ايقاع!!
هذا التلاعب بالمسميات له ما يبرره، حيث يسود عندنا عشق المناصب والوجاهة حتى لو كانت فارغة..
نعود لمدبراتنا حيث وقع الخبر لم يكن بأشد من وقع الكوارث فعلا,وقد خصصت قناة الاخبارية السعودية حلقة من برنامج يستقبل المكالمات الهاتفية ليعرف انطباعات السعوديين حول هذه (الكارثة )التي صعقتهم بها وزارة العمل، فرغم وجود بعض الردود الواقعية من البعض الا أن معظم الردود لم تخرج عن (الله لا يوصلنا هالمواصيل )أو (أرفض أرفض أرفض -بالثلاثة! - أن تعمل بنت بلدي خادمة )أو (أن مثل هذا العمل لا يليق بعاداتنا )أو (كيف تعمل بناتنا في البيوت ونحن دولة غنية )...الخ
ان ما تقوم به اليوم وزارة العمل وما يتعبره البعض صادما لهم، هو في الواقع تصحيح للوضع القائم، ومحاولة لاعادة مفهوم الاحترام للعمل أيا كان نوعه طالما أنه عمل شريف، ويساعد المواطن السعودي على تحسين وضعه وحل مشاكله، ومحاولة لتخليص المجتمع من رواسب الطفرة التي خلخلت الكثير من القيم، وأعطت الكثير من الخليجيين قيمة لا يستحقونها بالضرورة، ومن هذه الرواسب فكرة وجود أعمال خاصة بالخليجيين وأعمال أخرى خاصة بغيرهم ولا تليق بهم ضمن أحد بنود قائمة (خصوصيتنا السعودية )التي ليس لها نهاية.
حتى وقت قريب كان السائق السعودي من الأمور المنتشرة والعادية، وذلك قبل الطفرة واستقدام السائقين من الهند والفلبين وبنغلادش، ورغم هذه الانتفاضة والاعتراض على عمل السعودية في المنزل، فهناك اعتراف بالمرأة السعودية (الصبّابة ) وهي التي تأتي في الولائم لتصنع القهوة وتصبها وهو عمل يدخل ضمن العمل داخل البيوت، وهناك أيضا اعتراف بالمرأة السعودية (الفرّاشة )ووهي التي تعمل في المدارس في التنظيف والخدمة، لكن مشكلتنا مع العمالة المنزلية أننا نحن امتهنا هذه الوظيفة حتى تحولت الى نوع من الاستعباد فلا عمل محدد ولا ساعات عمل واضحة يتم مراعاتها واحترامها ولا اجازات اسبوعية ولا مكافآت وعلاوات مما يجعلنا نرفضها لبنات بلدنا، لكن الأولى أن نتخلص من هذه النفخة الكاذبة ونرفض لبنات الآخرين ما نرفضه لبناتنا فما هو المانع من أن تعمل السعودية في البيوت وخاصة أن لدينا الكثير من البيوت الضخمة والتي تحتاج الى جيوش من الموظفين للمطبخ والصيانة والتربية، كما أن السعودية لن تكلف صاحب العمل تذكرة ولا سفر ولا اقامة ولا فيزا وهي الأقرب لطباعه ولغته؟
والذي جرب أن يستعين بجليسات الأطفال في لندن، سيفاجأ بأن كثيرات منهن انجليزيات ومن أسر مقتدرة واخترن العمل الى جانب الدراسة لزيادة دخلهن دون أن يعتبر ذلك انتقاصا لكرامتهن, ولعل أوضح مثال على ذلك الأميرة ديانا سليلة آل سبنسر والتي عملت كمربية قبل زواجها من الأمير تشارلز، وقد ألفت المرأة التي عملت معها ديانا كتابا عنها وعن تجربتها درعليها مبالغ محترمة.
ثفافة احترام العمل أيا كان نوعه ورغم أنها من أهم قيمنا الدينية الا أنها مفقودة في الخليج وفي العالم العربي بشكل عام... في النهاية (مدبرة منزل )تتقن عملها وتخلص فيه أفضل من طبيب ينسى المقص في بطن مريضه أو أستاذ جامعي يبيع الأسئلة أو يشتري أبحاث الترقية، وتغيير نظرتنا لكثير من الأعمال سوف يحل الكثير من مشاكل البطالة ويعيدنا مجتمعا طبيعيا مكتفيا بنفسه وبسواعد أبنائه وبناته.

[email protected]،