لا يستقيم المعنى لكلمة البرلمان تعبيراً عن سياسيين انتخبهم الشعب لتمثيله -مجتمِعاً- في التشريع، ما لم يكن البرلمان تام النصاب القانوني. وتمام مجلس نواب الشعب العراقي لم يحصل لمرة واحدة منذ تأسيسه، حيث الغياب البرلماني صار مثار سخرية يومية شعبية لملاين تنتظر قوانين وتشريعات، متواتراً قلقها مع إدراك عام؛ ان فاقد الشيء لا يعطيه. وهي ليست شتيمة بحق برلمان لم يجد الى الآن قانوناً داخلياً يعرّف الغائب البرلماني الذي هو في الغالب ضمير مستتر خلف أفضح الأعذار. وكم ذا لا يجد البرلمان نصاباً أقله حضور (138) عضواً، أي نصف عدد النواب، مضافاً له رقماً يتيماً، حالفنا الحظ بجعله حجة لاكتمال النصاب.
والبرلماني يغيب، ليغيّب صوت من انتخبوه، هكذا يظن البعض، لكن الحقيقة أبعد من هذا بالطبع، فكلّ عضو في مجلس النواب ينتمي في لحظة وجوده الى ممثلية الشعب التشريعية دون طائفة أو جهة، وربما يمثل حضوره رقماً لمن يمثلهم، لكن غيابه يحسب على البرلمان كنقص هوية للديموقراطية في العراق. يغيب البرلماني، أو تعلّق كتلته عضوية أعضائها، لتعلّق الآمال الكثيرة وتدفع بها بعيداً في أفق التأجيل، والأدهى حين لا يعلن في جلسات البرلمان تعليق تلك العضوية، بل تأتي في الغالب عبر وسائل الإعلام، كرغبة إعلامية وإعلانية، وفي مفارقة غريبة، تحسب لثقل الإعلام حسابه، لكنها تتغاضى عن أهمية هذا الإعلام وجدواه لحظة لا تُنشر أسماء الغائبين عقب كلّ جلسة، ليتسنى خلالها لكلّ ناخب عراقي معرفة اسم الغائب عن تمثيله في إصدار أي قرار. وبمعنى أدق، ليعرف حجم مسؤوليته كناخب في صنع القرار وبالتالي تقصيره الذاتي في رسم الصورة النهائية للوضع السياسي.

برلمان أيتام!
تماماً مثلما تكشّفت سوءات المسؤولين عن ذلك الميتم، تكشفت عيوب برلماننا، فالميتم الكبير معلن منذ زمن طويل، لكن صورته الإعلامية مغيبة، وما أقسى حاجتنا الى فصيل من القوات متعددة الجنسيات ليداهم البرلمان، معلناً مشهداً مروعاً، ربما سيفاجئ العالم عن وجه ديموقراطيتنا المستتر، وسيبدو المشهد فجائعياً نلعن بعده فصيل الاحتلال المُغرض، هذا الذي كشف لنا ان رئيساً للبرلمان عين أحد أولاده مديرا عاماً في الأمانة العامة لمجلس النواب، ليعيّن بدوره شقيقين له وشقيقة في ممثلية مجلس النواب في اربيل. والأمر موصول حسب المحاصصة على عدد كبير من اعضاء البرلمان. فهل ستختلف صورة الأطفال الجياع العراة في مشهد الحزن الأول، عن صورة البرلمان منهوباً وعارياً؟..
لن يختلف المشهد بالطبع لكن الأزمنة تشابهت علينا، و ليس لنا خلالها على ما نعاني من يشاركنا، ذكرا بذكرى ونسياناً بنسيان، فالزميل الذي هوجم بسبب عموده في صحيفة الصباح البغدادية سيجد من يتذكره الآن وهو يقرأ ان حديثاً يدور بالفعل عن وجود مخصصات تقاعدية ب 40مليون دينار عراقي شهرياً يجري التفاوض عليها لإقناع مسؤول كبير لإستحقاقها مستقيلاً. المسؤول ذاته من وقف ليشتم quot;الصباحquot; بكل إشراق حقيقتها واستشرافها -قبل حين من الحزن- لما نحن فيه الآن، قائلاً: quot;انتخبنا الشعب.. فهل يريد هؤلاء في الصحافة ان يعلمونا كيف نشتغل في البرلمان؟!quot;.. لحظتها ضحكت من القلب مجيباً على سؤال المسؤول؛مثل هذا الأمر يحتاج الى معجزة.واستذكرت حكاية طريفة.. عن الرئيس الأمريكي ترومن أيام كان نائباً للرئيس روزفلت حيث وقف أمام قاض لشهادة ما، وكان القاضي فظ الطباع وضيق الصدر، ولما أفاضَ quot; ترومنquot; في سرد ما لديه تضايق منه وصاح فيه:
- مستر ترومن.. أو جئت هنا لتعلمني القانون؟
فأجابه ترومن بهدوء الواثق:
- لا.. لأني وببساطة لا أستطع عمل المعجزات!!.