إنها quot;شرفات لندنquot; مرة أخرى، التي أطيحت منها شخصيات مصرية بارزة، منها على سبيل المثال، الليثي ناصف رئيس الحرس الجمهوري الأسبق، والفنانة سعاد حسني، وعلي شفيق مدير مكتب عبد الحكيم عامر، وأخيراً يأتي حادث مصرع أشرف مروان الذي لا يقل غموضاً عن حياته المفعمة بالأسرار التي طالما اقتربت من حافة الأساطير.
وفضلاً عن طريقة الوفاة الغامضة التي تكاد تتطابق في تلك الحالات، وكونها اتخذت من شقق لندن وشرفاتها مسرحاً لها، فإن هناك قاسماً مشتركاً آخر يجمع بين هذه النهايات المأساوية وهو أن تلك الحوادث الغامضة وقعت عقب إعلان أبطالها عن اعتزامهم كتابة مذكراتهم، بل ويتردد في أوساط الصحفيين العرب المقيمين في لندن أن الراحلة سعاد حسني التقت أحدهم، الذي عاد لاحقاً إلى مصر وكوفئ بمنصب رسمي هام، حيث أملت عليه خلال عدة جلسات مطولة تفاصيل حياتها التي اقتربت فيها من شخصيات وأحداث بالغة الأهمية، وكانت شاهد عيان وأحيانا طرفاً أصيلاً فيها، لكن ـ والعهدة على الرواة ـ فإن الصحفي لم ينشر هذه المذكرات، بل سلمها إلى quot;أجهزة سياديةquot; لتحاصر هذه الفضائح، التي كان يمكن أن تجعل الصحفي نجماً، لكن عينه كانت على هدف آخر ناله لاحقاً، وهو المنصب الحكومي الكبير، وحلمه بالحقيبة الوزارية، التي سعى إليها حتى قبل أن يعود إلى مصر، ثم واصل quot;تعاونهquot; وتقديم خدماته في عدة قضايا، لدى عودته إلى القاهرة مسلحاً بجواز سفره البريطاني، ورصيده في كتابة التقارير للأجهزة، وهكذا.. تعددت الاجتهادات حول ملابسات وحقيقة وفاة سعاد حسني، فذهب البعض إلى أنها انتحرت بعد أن جاءت خيانة الصحفي لتفاقم الاكتئاب الحاد لديها، بينما رأى آخرون أن هناك من تخلص منها حتى لا تمضي في نشر مذكراتها وما قد تتضمنه من فضائح تطال الكثيرين.
هذا الانقسام في الرأي عاد مجدداً ليبرز في قصة مصرع أشرف مروان، وبعيداً عن تقييم دوره وتاريخه السياسي واللغط الدائر حوله، فإن الثابت أن الرجل اقترب كثيراً من دائرة quot;لعبة الأممquot;، فاطلع على أسرار خطيرة، وكان شاهداً وطرفاً في صراعات مصرية وإقليمية ودولية، بحكم مصاهرته للرئيس عبد الناصر، ثم اقترابه ومساندته لخلفه السادات ضد quot;مراكز القوىquot;، فضلاً عن وساطات سياسية وأخرى ذات صلة بصفقات السلاح الدولية، التي ربما أدت إلى تصفيته إثر خلافات مع جهة ما، تنافس معها مروان في صفقة ما، وهو الرأي الذي ذهب إليه محمود جامع أحد أكثر المقربين من السادات، الذي قال في حوار مع صحيفة (الوفد) إن المستفيد الوحيد من قتله هو تجار السلاح والمافيا العاملة في هذا المجال، خاصة وأن اللعب في سوق السلاح العالمي أمر محفوف بالمخاطر، نظراً للاعتبارات السياسية والأمنية التي تكتنفها، فضلاً عن العوائد المالية الضخمة التي تترتب على إبرام تلك الصفقات.
وشخصياً أتوقع خلال الأيام المقبلة أن تدفع quot;جهات ماquot; بأبواقها من quot;هواة الجعجعةquot;، المتلفعين زوراً برداء الوطنية الزائف، من طراز quot;أرامل صدامquot;، والذين طالما استخدمتهم الأجهزة لتصفية حسابات مع خصومها، لتتحدث هذه الأبواق عن دور جهاز الموساد الإسرائيلي في اغتيال مروان، وهو ـ بتقديري ـ برئ براءة الذئب من دم ابن يعقوب، فالموساد بالتأكيد جهاز شرير لا يريد بالمصريين أي خير، لكنه لم يفعلها ولم يقتل أشرف مروان ولا سعاد حسني، غير أن توجيه التهمة إليه من شأنه أن يبعد الشبهات عن المستفيد من هذه الجرائم، ويعفي الجناة الحقيقيين من المسؤولية، وأخيراً فمهما طال الزمن فإن الحقائق ستكشف ذات يوم، لكن غالباً سيحدث ذلك في وقت لن تكون لهذه الحقائق أي قيمة.
[email protected]