منذ مقالنا الأخير عن الإرهاب الإسلامي وخطره على البشرية وقعت جملة أحداث خطيرة، كان أبرزها التمرد الطالباني القاعدي في المسجد الأحمر في إسلام آباد.
لقد كتب كتاب أفاضل، ولاسيما من الخليج، مقالات هامة معلقين على الحدث. تساءل الأستاذ مشاري الذايدي عن أسباب كون الأكثرية من إرهابيي 11 سبتمبر هم سعوديون، وأن الإرهابيين السعوديين منتشرون على نطاق منطقتنا، وقد اعتقل العديد منهم وقتل آخرون. أجاب الأستاذ عبد الحميد الأنصاري، وطارق الحميد، والراشد، والذايدي، بأن السبب الأول هو التعليم الديني المتشدد والتكفيري. وأكدوا جميعا على الدور السلبي للكتاتيب والجامعات الدينية في باكستان في تفريخ الإرهاب، و المسجد الأحمر كان مثالا صارخا على ذلك. وقد كتب الأنصاري متسائلا quot; ما هذا الفكر الظلاميquot; الذي يجمع هؤلاء الإرهابيين الإسلاميين في مختلف البلدان؟
quot;إنه فكر العدوان وثقافة الكراهية، التي هي القاسم المشترك بين معظم التنظيمات الأصولية السياسية؛ إنه هذا الفكر الجهادي العدواني المدمر؛ لكن دعونا نتساءل لماذا انتشر هذا الفكر العدواني وأصبحت له السيادة والأتباع وخلايا تتناسل في كل مكان؟quot; يجيب، كما يجيب الكتاب الآخرون، بأن ذلك يعود لفشل مناهج ومقررات [ التربية الإسلامية] في إرساء مضامين إنسانية وحضارية وتنموية لكافة المفاهيم الدينية السامية، مثل الجهادquot; وغيره؛ ويقتطف الأنصاري نموذجا من مفردات كتاب ndash; التربية الإسلامية ndash; في موضوع الجهاد، وهو من تأليف ومراجعة مشايخ سعوديين كبار وصفوا بquot;الاعتدالquot;. يقول النص حرفيا في موضوع الجهاد:
quot; يجب على المسلمين أن يبلّغوا رسالتهم لغيرهم، فإن رفضوا وأصروا على الوقوف في وجه الدعوة ومقاومتها، ورفضوا دفع الجزية إن كانوا يهودا أو نصارى، وجب قتالهم بعد إعلان الحرب عليهم.quot;
إن هذا الفكر التكفيري القتالي هو الذي دفع ويدفع إرهابيي القاعدة وغيرهم انشر الموت والدمار في كل مكان بأمل تشكيل الدولة الإسلامية الكبرى في العالم! إن من هذا الفكر الظلامي مدارس كثيرة تكفر غيرهم من المسلمين وخصوصا الشيعة quot;الرافضةquot;. وإن هذا الفكر التكفيري هو من وراء تفخيخ السيارات، والأشخاص، والحيوانات، وحتى جثث الموتى لقتل الناس بالجملة واستباحة الدماء البريئة.
لقد سبق منذ سنوات عديدة أن كتب مفكرون علمانيون، أمثال العفيف الأخضر، بأنه يجب quot;تجفيف ينابيع الإرهابquot;، وابتداء بتصحيح التعليم الديني بجرأة وبعملية فكرية جراحية.
إن الباكستان تدفع اليوم ثمن التساهل التام مع دعاة هذا الفكر الوحشي حتى انقلب السحر على الساحر. ودفعت دول غربية كبريطانيا ثمنا غاليا جدا لتساهلها لعدة سنوات مع شيوخ التكفير والجهاد القتالي، ولم تتخذ بعض التدابير الحازمة إلا بعد تفجيرات لندن، علما بأن مسؤولية داعية التطرف والإرهاب هي أكبر من المجرم المنفذ.
إن شبكات القاعدة اليوم منتشرة على نطاق دولي، وهي تتبع تكتيكا جديدا بجعل المنظمات القاعدية ذات استقلالية في التخطيط والتنفيذ. وأكثر من ذلك دعا الظواهري عام 1906 في رسالة أنترنيت كل إرهابي للتصرف إن وجد الفرصة سانحة. هكذا انضمت التنظيمات الإرهابية في دول المغرب العربي مؤخرا في مركز واحد، مهددة هذه الدول واحدة فواحدة. أما في المشرق العربي فتقول تقارير جريدة الفيجارو الفرنسية بأن العراق قد صار هو quot;القاعدة الخلفيةquot; للقاعدة ومنه تصدر إرهابها إلى لبنان وغزة، ناهيكم عن تركيزها على العراق.
لقد نشرت الصحيفة يوم 6 تموز الجاري تقريرا مفصلا على صفحتها الأولى وعلى كامل صفحتها الثانية. كان مانشيت الصفحة الأولى كالتالي: quot; كيف يتحول العراق إلى قاعدة خلفية للقاغدةquot;، وعناوين الصفحة الثانية تقول: quot;كيف تصدر القاعدة الإرهاب من العراق.quot; تورد الصحيفة كثيرا من الوقائع للتدليل، ومنها تدريب عناصر من منظمات إرهابية، كالجيش الإسلامي في غزة وفتح الإسلام في لبنان على الأراضي العراقية.
إن مئات من الإرهابيين العرب يتسللون من سوريا ومنهم من استخدم عمان ترنسيت نحو سوريا، وفي السنة الماضية اكتشفت السلطات الأردنية خطة لتدمير المطار فلفتت نظر سوريا ولكن بلا جدوى.
إن العراق فريد في هجمة الإرهابيين عليه. إنه لم يتحول فقط لمركز هام للقاعديين من عراقيين وعرب، بل شاء سوء حظه أن يكون في الوقت نفسه ضحية لكل أشكال الإرهاب ومدارسه ومذاهبه
. هناك طبعا إرهاب الصداميين المتمتعين بالمال والسلاح، وهناك إرهاب التكفيريين، يضاف إرهاب مليشيات شيعية سياسية دموية كجيش المهدي، الذي وصل تساهل السيد المالكي مع زعيمه بحث صار يضرب حتى المنطقة الخضراء بمدافع الهاون.
إن الحكومة الحالية، كما نرى، برهنت، مع مزيد من الأسف، على عجزها عن المواجهة الفعالة لكل قوى الإرهاب الدموي المجرمة، وهذا يتطلب ما أكدنا عليه مرارا كثيرة من ضرورة تشكيل حكومة مصغرة ومستقلة وفعالة لمواجهة قوى الإرهاب الشريرة.