هو عميد الحكام العرب الطغاة المستبدين بلا منازع، فهو يستولي على البلاد والعباد في (المملكة الليبية ) سابقا، ( الجماهيرية العربية الشعبية الديمقراطية الثورية العظمى ) منذ أن حكمها الملازم أول ( معمر القذافي ) عام 1969 أي قبل ثمانية وثلاثين عاما، كانت حافلة بما يمكن تسميته ( المساخر القذافية )بامتياز أنفق فيها غالبية الثروة الليبية على هذه المساخر التي بدأت بمؤتمرات دعم الهنود الحمر واللجان الشعبية ودعم الإرهاب في العديد من العواصم، كانت عملية لوكربي أبرزها، وعندما قرّر الانحناء بذل أمام التصميم العالمي على معاقبته اعترف بارتكاب تلك العملية و دفع حوالي ثمانية مليارات دولار من ثروة الشعب الليبي تعويضات لذوي الضحايا. ولأن هذا النظام المستبد يبحث عن أية وسيلة للبقاء في الصورة الإعلامية، كانت مسخرة الممرضات البلغاريات آخرها، التي استمرت ثماني سنوات مستغلا بلا إنسانية تلك القضية المختلقة لتحقيق انفراجات في حائط المقاطعة الدولية لنظامه العبثي، ومنذ اعتقالهن مع الطبيب الفلسطيني في السادس عشر من سبتمبر عام 1999، وهم يتعرضون لابتزازات كان هدفها رفع الحصار عن ذلك النظام المستبد رغم تقارير طبية دولية أهمها تقرير البروفسور الفرنسي لوك مونتانيي الذي عزل فيروس الإيدز والبروفسور الايطالي فيتوريو كوليتسي اللذان أكدّا بعد زيارة مستشفى بنغازي مكان الحدث في سبتمبر عام 2003، ( أن سبب العدوى ونقل الفيروس للأطفال الليبيين هو عدم مراعاة الشروط الصحية والنظافة في المستشفى )، ورغم ذلك استمر احتجازهن لمواجهة مسلسل محاكمة عبر محكمة جماهيرية قذّافية عرف بهزليتها قضاء القذافي اللاجماهيري طوال العقود الأربعة.

لأنهن غير عربيات
ومن حسن حظ هؤلاء الممرضات أنهن غير عربيات، لذلك استمرت حكومتهن البلغارية وعموم الدول الأوربية في متابعة قضيتهن دون كلل، ومن خلال سياسة الترغيب والترهيب وللتدليل على قضاء أكثر فسادا من قائده اللاجماهيري، تمّ تخفيض حكم الإعدام الصادر ضدهن في السادس من مايو 2004، وقد رفضت الحكومة البلغارية آنذاك عرضا قذافيا بإغلاق ملف القضية مقابل دفع عشرة ملايين يورو عن كل طفل مصاب، وكان مجموع المبلغ لو وافقت الحكومة البلغارية أربعة ألاف وثلاثمائة وثمانين يورو، أي حوالي نصف ما دفعه ذلك الطاغية تعويضات لإرهابه في حادثة لوكربي. وضمن العديد من التطورات والسيناريوهات التي توجت بدخول الإليزية الفرنسي على الخط عبر زيارة سيسيليا زوجة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، أعلن عن دفع مليون دولار لأسرة كل طفل أي ثلاثمائة وثمانية وثلاثين مليون دولار، مقابل ذلك المبلغ الخيالي الذي كان مطلوبا في السابق، وما إن وصلت الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني لصوفيا العاصمة البلغارية صباح الثلاثاء الرابع والعشرين من يوليو 2007 حتى أعلنت مصادر بلغارية وأوربية أن البلغار والأوربيين لم يدفعوا أي دولار من ذلك المبلغ المعلن عنه، وتؤكد مصادر معلوماتية ليبية أن أسر الأطفال الليبيين بدورهم لم يتسلموا دولارا واحدا من ذلك المليون لكل طفل، وبالتالي فهي مجرد أكاذيب قذافية لحفظ ما تبقى من ماء وجهه ( إن تبقى منه قطرة واحدة ) كي لا يقال أنه رضّخ للضغوط الدولية فأفرج عنهن.

الفلسطيني البلغاري
أما قصة الطبيب الفلسطيني أشرف الحجوج الذي اعتقل مع الممرضات البلغاريات، فهي جديرة بأن تكون درسا لقيمة الإنسان عند الأوربيين ولا قيمته عند العرب العاربة والمستعربة على حد سواء، فضمن مسلسل القضية المسخرة كان هو الأضعف لأنه فلسطيني و لم يسأل عنه أحد لا في السلطة الفلسطينية ولا في التنظيمات الفلسطينية الجماهيرية، لذلك ضمن قرار العقيد اللا جماهيري الرضوخ للمطالب الأوربية بالإفراج عن الممرضات البلغاريات، كان من المطروح في كواليس القضاء القذافي أن يتم تبرئة الممرضات البلغاريات و إلقاء التهمة على الطبيب الفلسطيني الذي لا سند له ولا حكومة وراءه، وهنا كانت المبادرة الإنسانية البلغارية حيث استجابت فورا لطلب الطبيب الفلسطيني ومنحته الجنسية البلغارية وهو في السجن، ففوتت على العقيد الطاغية أية فرصة للاستفراد بالطبيب الفلسطيني. هل هناك أية دولة عربية أو إسلامية تقدم على هكذا مبادرة إنسانية ضمن أي سياق مشابه ؟ والسؤال مهم لأنه سبق للحكومة الهولندية أن أعطت حق اللجوء والإقامة قبل عام ونصف تقريبا لأسرة نفس الطبيب الفلسطيني المكونة من الأب والأم وأربعة فتيات، وكان هذا مبررا أيضا لتدخل الحكومة الهولندية في القضية والضغط على العقيد الطاغية. ونسأل بصراحة : لو طلبت هذه الأسرة حق اللجوء هربا من مضايقات نظام القذافي من كل الأنظمة العربية والإسلامية، هل كان هناك نظام واحد سيوافق و بنفس سرعة موافقة الحكومة الهولندية؟.
وتنتهي بذلك قصة الممرضات البلغاريات والطبيب البلغاري من أصل فلسطيني، لكن مسلسل مساخر العقيد لن ينتهي فلا بد من مسخرة جديدة كل فترة، ليستمر النظام بنكهته المعروفة حيث السجون والمعتقلات ومصادرة الحريات ما عدا حرية التغني بجماهيرية نظامه المزعومة، التي لا مانع من استمرارها رغم جرائم مثل مذبحة سجن أبو سليم عام 1996 وقتل الشاعر الليبي ضيف الغزال والكاتب موسى أحمد منذ عامين تقريبا، و من قبلهما خطف وقتل المعارض منصور الكخيا عام 1993، وهناك أسماء لما لا يقل عن ثلاثمائة ليبي من الكتاب ونشطاء حقوق الإنسان مختفين منذ سنوات، مما يجعل ملف نظام القذافي من أوسخ ملفات الأنظمة العربية في مجال الحريات وحقوق الإنسان.
ونحن الآن في انتظار المسلسل الجديد في مساخر القذافي وهو حسب تخميناتي المعلوماتية سيكون ملف ( اختفاء الإمام موسى الصدر ) في عاصمة القذافي الجماهيرية في أغسطس من عام 1978 رغم أنه كان هناك بدعوة رسمية من القذافي لحضور احتفالات مهزلة الفاتح المشؤومة، ومع فتح هذا الملف قريبا هناك الكثير الذي سيتم الكشف عنه، وعندئذ تكتمل سلسلة ( الكافي الوافي في فك طلاسم القذافي ).
[email protected]