يبدو أن جرّة عسل الإخوان في الأردن قد انكسرت هي الأخرى، كما سبق وانكسرت جرّة عسلهم مع السعودية، منذ أن وقف الإخوان المسلمين إلى جانب الطاغية صدام في غزوه البربري للكويت، وبرروا يومها أن هذا الموقف ليس عداءً للكويت، ولا عداءً للسعودية، بقدر ما هو نكاية بأمريكا (الشيطان الأكبر) وحلفائها في المنطقة. ولكن هذا الكلام كان ضحكاً على عقول البلهاء و(العبطاء) في الشارع الديني العربي. والحقيقة أن الإخوان قد حصلوا - على ما يبدو ndash; من الطاغية على جرّة عسل أكبر من جرّة العسل السعودية، التي ظلوا يلحسوا منها صبحاً ومساءً منذ أن هربوا لاجئين سياسيين إلى السعودية في الستينات، هرباً من اضطهاد عبد الناصر لهم، وفي الثمانينات هرباً من اضطهاد حافظ الأسد الذي قتل منهم في حوادث حماة 1982، أكثر من عشرين ألفاً، ووضع القانون رقم 49 لعام 1980 الذي بموجبه يتم إعدام أي شخص يثبت انتماؤه إلى جماعة الإخوان المسلمين. وما زال هذا القانون سارياً حتى الآن. (للعلم، آخر حكم بالإعدام صدر بهذا الخصوص، كان على الفتى السوري مصعب الحريري، وعمره 21 سنة، حين عاد إلى سوريا من السعودية). وكانت من نتائج كسر جرّة العسل السعودية هذه الطلاق البائن بين السعودية والإخوان، الذي عبّر عنه وزير الداخلية السعودي لجريدة quot;السياسةquot; الكويتية في نوفمبر 2005 بقوله: quot;لقد كان الإخوان المسلمون عزاءً، فأصبحوا بلاءً quot;.

جرّة العسل الأردنية
الأردن ليست من الدول الغنية التي تملك جراراً من العسل لجماعة الإخوان المسلمين أو لغيرهم. ولكن الإخوان المسلمين حصلوا في الأردن على أكثر من جرار العسل التي حصلوا عليها في بلاد عربية أخرى.
فمنذ نهاية العام 1962 ألغيت الأحزاب السياسية الأردنية. وظل هذا الإلغاء ساري المفعول تحت قانون الأحكام العرفية حتى عام 1989. وخلال مدة 22 عاماً لم يكن على الساحة السياسية الأردنية غير الإخوان المسلمين يلعبون السياسة، وهم الذين لم يشملهم قرار حل الأحزاب السياسية، باعتبارهم جماعة دينية اجتماعية وليس حزباً سياسياً كما كانوا يدعون (لاحظوا في مصر يُشهرون القول بأنهم حزب سياسي وفي الأردن ينكرون ذلك). وخلال هذه المدة، سيطر الإخوان كالعادة - كما فعلوا في السعودية ومصر في عهد السادات - على وزارة التربية والتعليم ووزارة الإعلام ووزارة الأوقاف. وانتشرت لحاهم السينمائية المميزة في باقي مرافق الدولة. فوضعوا مناهج الدين والتاريخ واللغة كما يريدون ويرغبون. وتحوّلت الصحف الأردنية الرسمية إلى صحف أشبه بـ quot;الشهابquot;، و quot;النذيرquot;، و quot;البنانquot; وغيرها من صحف الإخوان المعروفة، التي كانت تصدر في مصر.

عظام رقبة نظام سابق
وظل الإخوان المسلمون بعد 1989 وقبل هذا التاريخ يفاخرون بأنهم من عظام رقبة النظام الأردني، والنظام يفاخر في ذلك كيداً للقوميين والشيوعيين وباقي أحزاب المعارضة الأخرى. وظل الإخوان المسلمون في عهد الراحل الملك حسين مسيطرين على التربية والتعليم على وجه الخصوص. وكان معظم وزراء هذه الوزارة من الجماعة. وفي العهد الذي لا يتم فيه توليتهم هذه الوزارة الحساسة والمهمة، كانوا يرفضون الاشتراك في الحكم، ويقفون موقف المعارضة الحريرية، التي كانت تغازل النظام ولا تنتقده، وتبرر له أخطاءه ولا تفضحها.

نهاية المشمشيّة
أصبح من الواضح أن عهد الملك عبد الله الثاني الذي يتصف بعلمانية جريئة في السياسة الداخلية والخارجية غير منسجم مع خطاب الإخوان، كما كان الوضع سابقاً مع والده الراحل. ذلك أن المعادلات السياسية قد اختلفت، والظروف السياسية قد تبدلت. وأن لكل زمان دولة ورجال. وأن عبد الله الثاني له أجنده سياسية واجتماعية وثقافية، تختلف عن أجندة والده الراحل، سواء اتفقنا معها أو اختلفنا. ولكن الإخوان يختلفون معها كل الاختلاف. فهم غير راضين عن علاقة الأردن الحميمة بأمريكا. وهم غاضبون من وقوف الأردن إلى جانب quot;فتحquot; ضد quot;حماسquot;. وهم منزعجون أشد الانزعاج من موقف الأردن من العصابات الإرهابية كالقاعدة وغيرها. وعندما قتل الزرقاوي ذهب زعيم منهم وهو محمد أبو فارس متحدياً السلطة والرأي العام الأردني ومشاعر أقارب ضحايا تفجير الفنادق بعمان، وقدم العزاء في الإرهابي الكبير. وهم متضايقون أشد الضيق من هذا الانفتاح الاجتماعي الأردني. وهم خائفون من الخطوات الحداثية التي يأخذ بها الأردن منذ بداية عهد عبد الله الثاني ولو ببطء شديد. وهم ضد السماح للمرأة الأردنية بالانتخاب والترشيح في الانتخابات البلدية والتشريعية. ولهذا السبب قاطعوا الانتخابات البلدية الأخيرة، وبعد أن تبين لهم أن جهد السنوات الماضية في تحويل الأردن من دولة على حافة الدولة الدينية إلى دولة على شواطيء الأطلسي قد أثمر.

سقوط مدوٍ لا سابق له
لقد أدرك الإخوان المسلمون في الأردن تقلّص شعبيتهم في الشارع الأردني. وأدركوا تمام الإدراك بأن الشارع الأردني يتحول عنهم متجهاً نحو شواطيء الأطلسي التي عادت على الأردن بالانتعاش الاقتصادي، والصوت السياسي المميز، كلاعب رئيس في الساحة العربية وفي الساحة الفلسطينية على وجه الخصوص. كما غصت حلوقهم غصاً، عندما قررت الدولة تخصيص عشرين بالمائة من مقاعد المجالس البلدية للمرأة في الانتخابات البلدية التي تمت قبل أيام، والتي تنافس فيها 745 مرشحاً ومرشحة على منصب رئيس بلدية بينهم 6 مرشحات, بينما تنافس 1941 مرشحاً ومرشحة بينهم 355 مرشحة على عضوية المجالس. وبهذا زادت نسبة الإناث بين المرشحين عن 48%. وهذه النسبة غير مسبوقة في تاريخ الأردن كله. فأعلن الإخوان المسلمون انسحابهم من الانتخابات البلدية الأخيرة عملاً بالمثل الأردني الشعبي (الهزيمة ثلثين المراجل) بحجة علميات التزوير التي يدعون أنها تمت. وهو قول مضحك وسخيف. إذ كيف تكون الانتخابات مزورة، وقد نجح منهم أربعة، ممن رفضوا الانصياع لقرار قيادة الحزب (جبهة العمل الإسلامي) والجماعة بالانسحاب من الانتخابات، وباعوا الجماعة بالكراسي البلدية؟

مأتمهم الديمقراطي
وكعادة الإخوان المسلمين في ذم ما لا يطولون، قال زكي بني ارشيد، الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، (الذراع السياسي للإخوان المسلمين): quot;لسنا معنيين بهذا المأتم الديمقراطي، وموقفنا واضح، ونطالب بإلغاء هذه النتائج، وإعادة الانتخابات على أسس سليمة وخالية من التزوير، ومن المخالفات والتجاوزاتquot;. وأضاف: quot;إن القرار الذي اتخذناه بالأمس كان قراراً شاملاً لكل مرشحي الحزب. وعليه، فإن كل من ترشح باسم الحزب سحب ترشيحه بالأمس. ومن فاز منهم سيتم التعامل معه لاحقاً وسيطلب منهم الاستقالةquot;.
تلك هي الديمقراطية الكاذبة والهاذية، التي يعلك ويلوك بها الأخوان المسلمون في كل العالم العربي.

السلام عليكم.