ليس أكثر من المسلمين ادعاءً بأن الإسلام هو دين العلم والتفكير. وليس هناك أكثر من المسلمين خوفاً من العلم والتفكير. فإن تجرأ كاتب فناقش بعض المسلمات قالوا عنه أنه يحمل أفكاراً خطيرة ضلالية.
ومع أن القرآن يمنح وكالة عامة للإنسان عن الله، حينما ينصبه على عرش الاستخلاف في الأرض، في حفل مهيب تحضره الملائكة، شهودا على هذه الترقية، فإن المسلمين يريدون أن يستلبوا هذا التاج من رأس الإنسان.
ومع أن القرآن يقول إن الكون مبني على القوانين، فإن المسلمين يفضلون أن يعيشوا بعقلية خوارقية خارج السنن.
وعندما نزهد في الممكن، ونحلم بالمستحيل، نمنح عقولنا إجازة مفتوحة.
ومع أن القرآن يقول عن السنن أنها متاحة للجميع يابانياً أم ألمانياً أم ماليزياً؛ فإن المسلمين يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه. بل أنتم بشر ممن خلق!
قل فلم يعذبكم بذنوبكم في العراق وفلسطين؟
ومع أن القرآن أخذ العهد على أهل الكتاب ألا يقتلوا أنفسهم، ولكن الفلسطينيين قتلوا أنفسهم عام 2007م بكل حماس، بين فتح وحماس..
يروى عن الفيلسوف محمد إقبال أنه كان يقول في مناجاته: يا رب إن هذا الكون الذي صنعته لم يعجبني؟ فكان الجواب من الله: يا إقبال اهدمه وابن أفضل منه.
إن عيوننا تزوغ في المحاجر من أفكار من هذا النوع...
وقديماً طرح (جيوردانو برونو) الإيطالي رأيا فلكيا، أن الكون أكبر من نظامنا الشمسي وأنه لا حدود للمجرات، فلماذا جاء المسيح تحديدا لأرض هي ذرة من غبار كوني، من أجل أن يفدي نفسه لأخطاء البشر، فيموت بدون أن يموت؟
فقالت الكنيسة إن هذا إلا سحر يؤثر، وأحرقته على النار ذات الوقود...
وبقدر ما ردت الكنيسة الاعتبار إلى جاليلو، بقدر مسك يدها عن الهرطيق برونو حتى اليوم، لأنه تجرأ فسمح لعقله أن يناقش عقيدة الكنيسة في الفداء.
وما هو موجود في الكنيسة له نظيره عندنا، فمازال رأس ابن رشد مطلوباً، وأما الدماغ الجبار ابن النظام فلم يبق من مدرسته أثراً.
إن مشكلة العلم أنه لا يعرف التابو ولا يسلم بالمستحيل، ولا يعرف التقاعد، أو الاستراحة والانكماش، بل هو كل يوم في شان.

فبأي آلاء ربكما تكذبان؟
إن العلم ذو أشعة خارقة، فهو يسلط أشعته ليفهم الدين؟ ولماذا جاء الأنبياء؟ كما يجوب جغرافيا الجنس، ويقتحم أدغال السياسة؟
إنه لا يعترف بالمستحيل، لأن المستحيل هي تصوراتنا، وهي لا تغني من الحق شيئا.
نحن نطير بفضل العلم بأفضل من الطيور، على جناح البوينغ 777 و380 وفي بطون صواريخ الفضاء باتجاه الكواكب، والمركبة (بايونير 10) الآن تطير خارج النظام الشمسي على بعد 12 مليار كيلومتر بسرعة 44 ألف كم في الساعة، تبث أخبارها تبثيثا، باسم الله مجريها ومرساها.
نحن نتحدث ونتراءى بسرعة الضوء، مثل الذي كان عنده علم من الكتاب، في مجلس النبي سليمان؛ فينزل على رؤوسنا كل لحظة بخبر السماء، من آلاف الساتلايت في الملأ الأعلى، ونقلب 800 محطة فضائية بالريموت كونترول في 45 دقيقة.
ويتعلم الطفل من حقائق العلم كل يوم، ما عجز الدماغ الجبار أرسطو أن يتعلمه في كل حياته، ويضحك الإنسان اليوم من خرافات بطليموس، عن الدوائر اللانهائية لحركة الشمس، والكواكب حول الأرض.
ونعرف اليوم أن الأرض ليست مركز العالم، ونعرف أن الدائرة ليس لها وجود إلا في دماغ بطليموس، وأن كل الدوران سواء الأرض حول الشمس، أو دوران الإلكترون حول البروتون في الذرة، يخضع لحركة أهليليجية.
ويمكن لطالب ثانوي أن يعلم كل فلاسفة أثينا، بأخبار البناء دون الذري، والكود الوراثي، والفيمتو ثانية، وانضغاط الزمن وانكماش المكان وفق النسبية، والانفجار العظيم.
نحن نعرف اليوم بداية الحياة، وعمر الكون، وبناء الذرة، ومتى ظهر الإنسان، وطبقات الوعي، مثل طبقات الأرض وصفائح القارات، ووجود كوكب (جليسه 581Gliese c ) يدور حول شمس له، ويبعد عنا مسيرة 20،5 سنة ضوئية، مثل معرفتنا عن ثلاثة مليارات حمض نووي في المادة الوراثية، وأن كل عنصر في الطبيعة من حديد ونحاس يمكن أن يتغير بسحب أو إضافة بروتون لنواته.
نحن نعرف ما هو أدق من الذرة مثل الكواركز واللبتونات، ونبصر بتلسكوب هابل عمق الكون إلى 12 مليار سنة ضوئية، واستطاعت الجهود المكثفة في علم نواة الخلية، أن تفك كامل الشيفرة السرية للإنسان والشمبانزي، وعرف أن الفرق بيننا وبين القرود في الكود الوراثي لا يزيد عن 1%، ومن هذا الضئيل من الفارق خرج الخلق الأخر؛ فكان إنسانا يسبح الله بالعشي والإبكار.
فتبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام.
نحن عندنا حاليا من كثافة وزخم في المعلومات هائلة عن حركة المجتمع وتفاصيل التاريخ مثل دوران المجرات، ونعرف عن بناء الأهرامات أكثر من كهنة آمون، وكل في فلك يسبحون.
ولكن بقدر الانفجار العظيم في الكون، بقدر انفكاك المسلمين عن مركبة الحضارة العالمية، معرضين للإشعاعات القاتلة في الفضاء الخالي الموحش.
وما زلنا نبحث في جنس الملائكة هل هي ذكورا أم أناثا، ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون.
أو نبحث في مشروعية قيادة المرأة للسيارة وكأنها كائن من المريخ أخضرا؟
ونفتح بنوكا خاصة للعذارى؟؟
ومحلات ملابس للسيدات، بما يجعل العين تصاب بالحول، والرأس بالدوار، وان يمشي الإنسان مكبا على وجهه، ويخترع دينا ضد الحياة باسم الدين، وأن يقفز الإنسان بنصف رجل، ويرجع في التاريخ إلى أيام حمورابي بدون حجر أسود من قوانينه.
والسؤال متى حدث هذا التشوه الخطير في الثقافة، حتى أصبحنا نمشي على رؤوسنا بدون أن نشعر بالدوار؟
أم كيف تمارس الثقافة الانتحار ؟؟

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية