يستهويني حين قراءة الصحف ما بين السطور، وأتجاوز الحروف إلى الشعور، وأعبر من سطح الماء إلى أعماق البحور، وأصرف النظر عن الظاهر إلى ما يحجبه الظهور!
وقبل أربعة أيام نُشر في جريدة المدينة بتاريخ 28/11/1428هـ خبرٌ تحت عنوان: 'الشيخ العبيدان يستقبل أدبي نجران'، جاء فيه: 'استقبل الشيخ إبراهيم بن علي العبيدان رئيس محاكم منطقة نجران بمنزله قبل أيام رئيس وأعضاء مجلس إدارة نادي نجران الأدبي'، وفي الخبر أيضاً أن رئيس المحكمة 'طالبهم العمل بروح الفريق الواحد ونبذ التعصب والخلافات والعمل على استقطاب الأسماء البارزة في مجال الثقافة والأدب. ووعد الشيخ العبيدان بتقديم الدعم المادي والمعنوي لأعضاء النادي الأدبي، وعبّر رئيس نادي نجران الأدبي الدكتور محمد الناجم عن شكره للشيخ العبيدان على الاستقبال، وقال بأن توجيهاته محلّ اهتمام وتقدير الأعضاء'!
الخبر يبدو عادياً ولكنه غريب، كما أنه خبرٌ يسيرٌ ولكنه في ذات الوقت مثير، ومن حق كل مهتم بالثقافة أن يطرح السؤال عن قيام أعضاء النادي بمثل هذه الخطوة!
قد يقول قائل بأن الزيارة تأتي في إطار التنسيق بين الإدارات الحكومية، وهنا يكون لزاماً على النادي أن يزور قلم المرور وقيادة الشرطة والشؤون الصحية ومؤسسة البريد ومكافحة الجراد وحمى الوادي المتصدع!
وإذا كان دافع الزيارة لتلقي 'التوجيهات والأوامر' فهذا يعني أن مرجع النادي ليس وزارة الثقافة والإعلام أو الإمارة، بل 'محاكم نجران'!
وإذا كان دافع الزيارة لـ'وضع اللوائح وخطط العمل' لمسيرة النادي الثقافية، فهذا يعني أن لوائح الأندية الأدبية غير واضحة ومبهمة لذا احتاج أعضاء النادي لسؤال 'أهل الذكر' الذين يعلمون بتلك اللوائح!
وإذا كان سبب الزيارة دعم النادي 'مادياً' كما هو نص الخبر فهذا مبرر رائع للزيارة، ولكن ndash;وما بعد لكن مرٌّ أحياناً- يجب أن يُعلن للملأ مقدار الدعم حتى لا تأكله نار الوعود وجمر الجحود خاصة ونحن نعيش في عصر الإفصاح والشفافية التي تنادي بها دوماً قيادة هذا البلد المعطاء!
أخيراً بقي القول أن الزيارة إذا لم تكن متوافقة مع أي من الأسباب والدوافع المذكورة أعلاه، هذا يعني أن النادي قد تنازل عن عرشه الثقافي وقيمته الفكرية، وبدلاً من أن يكون رئيس المحاكم الفاضل زائراً للنادي وملقياً محاضرة فيه تعمّ بنفعها البلاد والعباد ذهب النادي لزيارته ndash;وفي بيته أيضاً- مع أن القلم لازال يتذكر تصريحاً لسعادة وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية الصديق الدكتور عبد العزيز السبيل يقول فيه بأن 'مجالس الأندية الأدبية أكبر من الوزارة وهي تملك قراراتها'!
وما بعد النهاية يشير القلم إلى أن الخبر ndash;والعهدة على صياغة محرره- أبرز استقبال رئيس المحاكم لمسؤولي النادي وتوجيهاته بصفته صاحب الفضل، بدلاً من إبراز الزيارة كمبادرة تُحسب للنادي وأهله، وهنا تجسدت نميمة اللغة حين حلّت جملة 'استقبل الشيخ' بدلاً من 'زار النادي'، لتضفي الصياغة فخامة وتبجيلاً لمسؤول إدارة شأنها شأن سائر الإدارات الحكومية الأخرى.. والله من وراء القصد!

[email protected]

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية