أنها جولة جديدة من المفاوضات بين المغرب وجبهة quot;البوليساريوquot;. مرة أخرى يتوجه المغرب ألى المفاوضات بحثا عن حل يتجاوز قضية الصحراء الغربية ويساهم في تحقيق الأستقرار في منطقة المغرب العربي كلها. الأكيد أن مثل هذا الأستقرار لن يتحقق عن طريق خلق كيان جديد مصطنع في المنطقة ترفضه الجزائر قبل غيرها، وحتى قبل المغرب، نظرا ألى أنها تعرف أنها لن تكون قادرة على أستخدامه ألى ما لا نهاية. على العكس من ذلك، يمكن لمثل هذا الكيان أن يرتد على الجزائر في حال أخذنا في الأعتبار القدرات التي تمتلكها quot;القاعدةquot; خارج المملكة المغربية، خصوصا في موريتانيا ومالي والنيجر والجزائر نفسها.
من هذا المنطلق وفي ظل الظروف الراهنة التي شهدت عودة الأرهاب ألى منطقة المغرب العربي، يبدو مستغربا أن ترى الجزائر أن في أستطاعتها أستخدام quot;البوليساريوquot; في حربها المستمرة الهادفة ألى أستنزاف المغرب أقتصاديا، من دون أن تكون قادرة على الذهاب بعيدا في ذلك. ربما كان أفضل دليل على الأستخدام الجزائري المدروس لquot;البوليساريوquot; تراجع الحركة، التي تعتمد كليا على ما تقدمه لها الجزائر من مساعدات، عن تهديدها بأستئناف عملياتها العسكرية. أكتشفت الجزائر أن مثل هذا النوع من التهديدات سلاح ذو حدّين. من يضمن أن سلاح quot;بوليساريوquot; لن يذهب ألى quot;القاعدةquot; التي صارت تتحرك بحرية أكبر في موريتانيا ومالي والنيجر والجنوب الجزائري... وحتى في مناطق أخرى من الجزائر!

في حال كانت الجزائر تريد حلا، أن هذا الحل موجود ويتمثل في الحكم الذاتي الموسع الذي يطرحه المغرب. في حال لا تريد حلا، سيكون في الأمكان الأستمرار في الجدل في شأن جنس الملائكة الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. وبكلام أوضح، يمكن عندئذ الأستمرار في الجدل المرتبط بمن هو صحراوي ومن لديه الحق في المشاركة في الأستفتاء من دون أن يكون هناك ولو بصيص أمل في التوصل ألى تفاهم في هذا الصدد. من يريد تأكيدا لمدى التعقيدات المرتبطة بقضية من هو صحراوي ومن هو غير صحراوي ومن يحق له التصويت في الأستفتاء ومن لا يحق له ذلك، يمكن أحالته على السؤال الآتي: هل محمد عبدالعزيز، زعيم quot;البوليساريوquot;، صحراوي أو مغربي، هو الذي كان والده نقيبا في الجيش المغربي؟ وكان والد محمد يقيم في قصبة تادلا على بعد نحو مئتي كيلومتر من الدار البيضاء. ما ينطبق على محمد عبدالعزيز وعائلته، ينطبق على الآلاف، ذلك أن هناك صحراويين في طول الشريط الممتد من موريتانيا، ألى مالي، ألى جنوب الجزائر، ألى النيجر، ألى التشاد وحتى السودان (دارفور). لماذا لا تعترف الجزائر بدولة لهؤلاء، على أن يكون جزء من أراضيها نواة لتلك الدولة، ما دامت حريصة ألى هذا الحد على أقامة دولة للصحراويين؟
في النهاية أن الحكم الذاتي هو الحل العملي الوحيد المطروح. وهو في مصلحة المغرب والجزائر وكل دول المنطقة ويضمن حقوق الجميع بما في ذلك سكان الصحراء والذين يريدون المجيء للأقامة فيها من سكان مخيمات تندوف. من يريد تفادي الحل، أنما يمارس سياسة ثبت عقمها منذ فترة طويلة، أي منذ الأنسحاب الأسباني من الصحراء منتصف السبعينات وquot;المسيرة الخضراءquot; التي أعادت الأرض ألى أصحابها بمجرد خروج المستعمر وذلك، من دون أراقة نقطة دم واحدة.
يبدو واضحا أن الجزائر لا تريد الأقرار بفشلها والتخلي عن المخيمات الصحراوية في تندوف. ربما كان ذلك عائدا ألى المصالح التي تربط quot;البوليساريوquot; بمؤسسات أمنية معينة تعتاش من وجود مخيمات تندوف.

وربما كان ذلك عائدا أيضا ألى الرغبة القديمة في أستنزاف المغرب وأضعافه من زاوية أنه قطب يستطيع منافستها على الدور الأقليمي. مثل هذا التفكير الأعوج، ربما كان صالحا في مرحلة الحرب الباردة حين كانت الجزائر في عهد الراحل هواري بومدين تعتقد نفسها من قادة العالم الثالث ومن صناع القرارات الدولية. هذه المرحلة أنتهت. سياسات بومدين، التي يحن أليها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، أنتهت كلها ألى فشل ذريع ليس بعده فشل. ترك بومدين لخليفته الشاذلي بن جديد تركة ثقيلة بما في ذلك quot;البوليساريوquot;. من يتذكر كيف أن المتظاهرين هاجموا في أكتوبر- تشرين الأول من العام 1988 مكتب quot;البوليساريوquot; وسط العاصمة وحطموه مع مكاتب ما يسمى quot;حركات التحريرquot; الأخرى. كذلك، راحوا يطلقون هتافات تندد بالسلطة التي تصرف أموالها على مثل هذا النوع من التنظيمات بدل الأهتمام بالوضع المعيشي للمواطن. من الواضح أن السلطة في الجزائر لم تتعلم شيئا من هذا الدرس القيم وعادت في القرن الواحد والعشرين ألى ممارستها القديمة التي تحرم المواطن من الأستفادة من عائدات النفط والغاز!
في كل ألأحوال، أن حرب الصحراء أنتهت من الجانب العسكري منذ فترة طويلة. أنتهت بأنتصار عسكري مغربي تكرس بأقامة الجدران، التي حمت الصحراء من عصابات quot;البوليساريوquot;، والتي أكتملت في منتصف الثمانينات من القرن الماضي. لا مصلحة للجزائر في أستئناف هذه الحرب لأنها خاسرة سلفا. في حال كانت تريد الآن التفكير بالمستقبل، فأن مستقبل المنطقة كلها مرتبط ألى حد كبير بالتعاون الأقليمي والأستثمار في كل ما من شأنه رفع المستوى المعيشي للمواطن عن طريق محاربة الفقر والأرهاب في الوقت ذاته. هذه هي المعركة الحقيقية التي تحفظ الجزائر وليس معركة أقامة دولة لquot;البوليساريوquot;. ليس مستبعدا أن تصبح مثل هذه الدولة بعد فترة دولة لquot;القاعدةquot; التي أقامت قواعد لها في كل أرجاء المنطقة والتي زادت أخيرا نشاطها في الجزائر نفسها. لا حاجة بالطبع ألى التذكير بسلسلة العمليات التي شنتها quot;القاعدةquot; في الجزائر أخيرا بما في ذلك تلك التي أستهدفت الرئيس بوتفليقة شخصيا. ولا حاجة ألى التذكير بمقتل أربعة سياح فرنسيين في موريتانيا في الرابع والعشرين من ديسمبر ndash; كانون الأول الماضي على يد أرهابيين من quot;القاعدةquot; ثم مقتل ثلاثة عسكريين موريتانيين. ولا حاجة ألى الأشارة ألى أن المجتمع الدولي، على رأسه أوروبا، ينظر بجدية ألى المخاطر التي يشكلها الأرهاب على دول المنطقة. لو لم يكن الأمر كذلك، لما ألغي قبل أيام رالي باريس- داكار للمرة الأولى منذ ثلاثين عاما لأنه يمر في الأراضي الموريتانية والمالية والجزائرية، وذلك بناء على طلب السلطات الفرنسية.

معركة الجزائر ليست مع المغرب. على العكس من ذلك، يفترض في الجزائر الأستفادة من التجربة المغربية على كل الصعد ومن التقدم الذي تحققه المملكة على الرغم من أنها لا تمتلك النفط والغاز. يبقى السؤال هل تريد الجزائر حلا في الصحراء أم تريد الأستمرار في التلطي خلف quot;البوليساريوquot; في الحرب الديبلوماسية التي تشنها على المغرب؟ الحل في متناول اليد. أنه الحكم الذاتي الذي يحفظ ماء الوجه للجميع ويساهم في الأستقرار الأقليمي ويسمح لبلدان المنطقة في التفرغ لمشاكلها الحقيقية بدل الهرب منها. لا حل آخر غير الحكم الذاتي ولا حل للجزائر والمغرب وكل دول المنطقة من دون خوض الحرب على الفقر والأرهاب. كل ما عدا ذلك، بما في ذلك التدرب على يد الأميركيين من أجل مكافحة الأرهاب، أستمرار لممارسة لعبة الهروب ألى أمام. هل صارت هذه اللعبة أختصاصا جزائريا؟

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانون