من الأشياء التى كنت أراقبها منذ طفولتى فى تصرفات الناس بصفة عامة هو مقدرة الكثير منهم على الفصل بين المبادئ التى يدافعون عنها وبين تصرفاتهم. والإنفصام بين القول والفعل موجود فى كل الطبقات وفى كل الأزمنة وفى كل الأمكنة وإن إختلفت درجاته مابين زمن وآخر وبين مكان وآخر وبين شعب وآخر.
والأمثلة أكثر من أن تعد وتحصى:
فاللص يخرج صباحا من منزله وهو يرفع يديه للسماء للدعاء ويقول:
إصطبحنا وإصطبح الملك لله
يافتاح ياعليم يارزاق ياكريم
اللهم إبعد عنا المباحث والمخبرين
آمين يارب العالمين!!
ثم يذهب لبدء عمله بسرقة موظف أكثر منه فقرا lsquo; ويعود للبيت يحمد الله على حصاد اليوم،
فهذه نقرة... وتلك نقرة!!
...
والتاجر يغلق محله للذهاب للصلاة وأثناء الصلاة يدعو الله أن يبارك له فى الرزق وفى تجارته، و يعود إلى متجره ويبدأ مياشرة فى غش الميزان، ويقسم بأغلظ الإيمان ( كذبا) عن أنه يخسر فى البضاعة، وقيل فى الأمثال المصرية:quot;طلبوا من التاجر أن يحلف، فقال جاء الفرجquot;،
وهذه نقرة... وتلك نقرة!!
...
والساسة بلا شك فى كل أنحاء العالم يمارسون سياسة هذه نقرة وتلك نقرة، فيتدشقون بالمبادئ علنا، وينفذون غيرها سرا، وأحيانا علنا بدون أى حياء، فهذا القائد الملهم يدعى أنه غرس فى شعبه الكرامة، ثم يمرغ بكرامة معارضيه الأرض، ويقول لك:
هذه نقرة... وتلك نقرة!!
....

رئيس أعظم دولة فى العالم يتجول شرقا وغربا محاولا نشر الحرية والعدالة والمساواة، ويطالب بالإفراج عن المعتقلين فى كل أنحاء العالم، وتسأله عن معتقلى معسكر جوانتنامو، فيقول لك بالإنجليزى):
This is NAQRA hellip;. and that is NAQRA

والمجاهد الأكبر، الذى يدعى أن النصر يأتيه من عند الله، وأن الإستشهاد هى أمنية كل مجاهد، تجده يختفى عن الأنظار هربا من الأعداء، ولا يشاهده الناس إلا من خلال شاشات التليفزيون، التى إخترعها الكفار الذين يهاجمهم ليل نهار، ويقول لك:
هذه نقرة... وتلك نقرة!!

....
بعد أن تنتهى الراقصة من موسمهما الراقص وبعد أن تبذل أقصى ما فى (وسطها) لإسعاد المشاهدين وغير المشاهدين، تذهب لأداء العمرة فى شهر رمضان، لأنه شهر مفترج، ثم تعود وتستأنف نشاطها الفنى بعد العيد مباشرة، وتقول لك:
هذه نقرة...وتلك نقرة!!
والكتاب والفنانين ومعظم الناس يهاجمون مبدأ التوريث فى رئاسة البلاد والعباد، ثم تجدهم يحاولون توريث أولادهم وبناتهم فى مؤساساتهم الحكومية على حساب أولاد الغلابة، ضاربين عرض الحائط بمبدأ تكافؤ الفرص (والذى فلقونا به ليل نهار)، وتسألهم عن هذا التناقض، فتكون إجاباتهم:
هذه نقرة...وتلك نقرة!!

وأذهب لقضاء عمل فى مصلحة حكومية ويطل علىّ الموظف بوجهه البشوش وذقن بيضاء تشبه ذقن باب نويل وزبيبة الصلاة تملأ نصف صلعته فأستبشر خيرا وأقول أن سيماهم على وجوههم، يبدو أن هذا الموظف (بتاع ربنا) وسوف يقضى حاجتى بدون تلكؤ، وإذا به يبدأ الشكوى من صعوبة الموضوع، وأنه لا بد أن (تشخلل) جيبك لأن مرتبات الموظف لا تفى بإحتياجاته، وإلخ هذه الإسطوانة، وأمد يدى لكى أشخلل جيبى وأنا أنظر حولى وأشعر بأنه سوف يتم القبض علىّ فى أى لحظة، وإذا بالموظف الوقور يقول لى وهو يفتح درج مكتبه:
- خايف من إيه حط الإكرامية هنا فى الدرج.
وأتعجب وأنا أنظر إلى الذقن والزبيبة وأقول يبدو أن:
هذه نقرة...وتلك نقرة!!
....
الواعظ الدينى تجده يهاجم تزاحم الناس على متاع الدنيا، ويقول لهم وما الدنيا إلا متاع الغرور والآخرة خير وأبقى، ولا شك أن هذا كلام جميل، غير أن صاحبنا ماأن يسمع (شخللة) الدنانير ويشم رائحة البترودولار إلا ويهب quot;مجاهداquot; لجمع العدد الأكبر، وتسأله: ماذا حدث يامولانا، فيقول وهو يستغفر الله العظيم:
هذه نقرة...وتلك نقرة!!
....

والأب تجده ينصح إبنه بالإبتعاد عن العادات السيئة مثل التدخين وquot;البصبصةquot;، ثم يراه ولده وهو يدخن بشراهة، ويبصبص للنساء على شاطئ البحر، وإذا تجرأ وسأله ولده عما يفعل، فيشخط فيه بغضب ويقول:
هذه نقرة...وتلك نقرة!!

...
ومن المشاهد الملفتة للنظر فى فيلم السفارة فى العمارة (بطولة عادل إمام)، ويلعب فيه عادل أمام دور مواطن جاء حظه أنه يسكن فى نفس العمارة الموجودة فيها السفارة الإسرائيلية، وهذا المواطن أعزب ومولع بالنساء، ومرة أصطحب أمرأة من ملهى ليلى بعد أن إتفق معها على المبلغ المطلوب لأن تقضى الليلة معه، ونامت معه فى سريره، ثم إكتشفت أنه يسكن بجوار السفارة الإسرائيلية، فما كان منها إلا أن هاجت وماجت، وأخرجت المبلغ من صدرها ورمته فى وجهه وهى تقول له:إنت ساكن جنب السفارة الإسرائيلى، بعت القضية ياخاين ياعميل!! وأنا بالنيابة عنها أقول:
هذه نقرة...وتلك نقرة!!
...
والشئ بالشئ يذكر، حكى لى صديق عاد من القاهرة فى الشهر الماضى، وقال لى أنه سمع عن قصة أمرأة (غانية) ذهبت إلى شقة لأداء مهام وظيفتها مع إثنين من الشبان، وبعد أن إتفقت على الشروط المالية، ثارت بشدة عندما علمت أن أحد الشابين لا يدين بنفس ديانتها، ورفضت أن تنام معه، وقررت أن تنام فقط مع من يماثلها فى الديانة!! وأنا فى تصورى أن هذه الغانية متطرفة فى تفسيرها لتعاليم دينها، وعليها أن تعرف جيدا بأن تصرفها هذا من شأنه تهديد الوحدة الوطنية، بغض النظر عن أن:
هذه نقرة...وتلك نقرة!!

[email protected]

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف، تسبب ملاحقة قانونية