في ظل العولمة وثقافة السوق

الكتاب من تأليف الدكتورة محيا زيتون، حاصلة على دكتوراه فلسفة في الاقتصاد من جامعة أكسفورد/ بريطانيا (1972)، واستاذة في كلية التجارة فرع جامعة

تأليف: الدكتورة محيّا زيتون.
إصدار: مركز دراسات الوحدة العربية.
تاريخ الاصدار: كانون الثاني / ديسمبر / 2005.
عدد الصحفات: 408.
الازهر للبنات، لها العديد من البحوث والدراسات المنشورة في الكتب والمجلات العربية. يتألف الكتاب من تسعة فصول على امتداد 408 صحفة من القطع الكبير، ويحتوي على أكثر من أربعين استبيانا مرقّما، وقد أعتمدت الكاتبة على كم هائل من المصادر العربية والانكليزية، ومن ضمن ذلك تقارير موثّقة من دوائر ومؤسسات تربوية عربية ودولية.

القضية / المركز
تتحدث المؤلفة عن مشكلة كبيرة تواجه التعليم في العالم العربي، ألا وهي التحدي الذي تواجهه قضية متمثلا في العولمة التي راحت تقتحم بقيمها ومفاهيمها وإجرائاتها وممكناتها العالم، وما يسود العالم اليوم من ثقافة قاهرة مهيمنة تُسمّى إ صطلاحا بـ (ثقافة السوق)، والتي تعني في جوهرها ثقافة الاستهلاك بالدرجة الاولى.
تنطلق الكاتبة من عدة تصورات، في مقدمتها إن العولمة ليست خيرا كلها، بل لها مثالبها بطبيعة الحال، وإن حظ العالم العربي من هذه المثالب كثير فيما لو نتصدى لها، ولا يتحقق هذا التصدي إلا بالتعليم، فهو وسيلتنا للدخول إلى العولمة، أو بالاحرى لاستقبالها بقوة ونشاط وحيوية، دونما تبتلعنا بما كنتها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والا خلاقية، كذلك هو الطريق للاستفادة من بعض إيجابياتها (إن السبيل لمواجهة مثالب العولمة والاستفادة من بعض منافعها يكون بالنهوض بالتعليم في إطار استراتيجية جادّة للتنمية، يعززّها التعاون العربي والسعي لاقامة محيط عربي للتعليم و البحث العلمي) ص 27.
تنطلق من هذه القاعدة لترفض في سياق حديثها المفهوم التقليدي لمحو الامية، فقد (أتسع مفهوم محو الامية ليشمل إضافة إلى إجادة القراءة و الكتابة وقواعد الحساب الإساسية محو الأمية الوظيفية و الثقافية). وهي نقطة جديرة بالانتباه فيما أردنا أن نقيم برامج محو الامية في العالم العربي، فهي لا تعدو تعليم الأبجدية اللغوية، وبعض المعلومات البسيطة، فيما تخلو هذه البرامج من التدريب على الحاسوب، وتصنيف المعلومات والافكار، وهي من أوليات المعارف في عا لمنا اليوم!

مؤشرات إيجابية... ولكن!
هناك مؤشرات إيجابية على طريق التعليم وتنميته وتطويره في العالم العربي ولكنّها ما ز الت في البداية، فقد كان (من أهم إنجازات نظام التعليم العربي على مدى عقود،هو أن التعليم بمختلف مراحله حقّق طفرة كبيرة، فنسبة تمثيل عدد طلابنا في العالم العربي تشكل خمسة بالمائة من أجمالي عدد طلاب العالم إلى حد السبعينات) ص 30، ولكن المشكلة (أن نظام التعليم العربي ما زال يعاني قصورا في نواح متعدّدة، وما زال هناك ملايين الاطفال غير ملتحقين بالتعليم، ومن المتوقع تزايد هذا العدد) / نفس المعطيات / وفي الحقيقة يبدو أن هذا التوقع كان صحيحا، أقلا فيما لو نظرنا إلى العراق مثلا.
لقد بذلت أموال طائلة على التعليم، وا لتعليم العالي أيضا، ولكن هناك جوانب أخرى تؤكد أن مسيرة التعليم في العالم العربي ما زالت متعثرة على مستوى القيد أ م مستوى الكيف، ومن هنا تسجّل المؤلفة ثلاث مفارقات تعتبر طعنة في جدية ا لتعليم ومدى متانة جسده.
الاولى: أ ن مستوى القيد الطلابي في أنظمة التعليم العربي تسجّل إنحيازا واضحا للمدينة علىا لريف.
الثانية: إن مستوى القيد ذته تسجل إنحيازا للذكور على الاناث.
الثالثة:إن مستوى القيد ذاته يسجّل إنحيازا للأغنياء على الفقراء.

التعليم العالي
تولي الكاتبة مزيدا من الاهتمام بقضية التعليم العالي،، فـ ( التعليم العالي يُعد أحد المفاتيح الرئيسية من أجل تحريك العمليات اللاّزمة للتعامل مع تحديات الحاضر والمستقبل، والمتعلمون تعليما عاليا هم الأصلح كي يصبحوا منظِّمين إقتصاديين وإجتماعيين، بما ينعكس على رفاه مجتماعتهم الأقتصادية والإجتماعية، وهم القادرون على توفير المناخ لكي تكون التنمية الإقتصادية ممكنة)، وتكشف لنا المؤلفة العلاقة بين التعليم العالي وملابسات العولمة وتراكمات أثارها بقولها (مع تنامي تيارات ا لعولمة والتزايد الكبير في أهمية التعليم بعامّة، والبحث العالي بخاصّة في جميع الدول المتقدمة، برز أيضا الاعتقاد بأن التعليم العالي والبحث العلمي يُعد مطلبا أساسيا لكي تصبح المجتمعات أكثر إندماجا في الاقتصاد العالمي، وليس فقط من خلال حركة السلع ورأس المال، والعمل، ولكن أيضا من خلال الأفكار والمعرفة) ص 242.
والحقيقة لا يمكن للدول النامية أن تستفيد من إيجابيات العولمة دون توسيع قاعدتها التعليمية العالية، إذ بأي سلاح تدخل إلى هذه التجربة وهي لم تمتلك الرؤى والتصورات الضخمة والعلمية في مجال التخطيط الإقتصادي والتنمية وحركة التجارة العالمية.
ولكن التعليم ا لعالي في بلدان العالم الثالث بما في ذلك العالم العربي يواجه الكثير من العقبات والعراقيل، فلابد من تذليلها قبل التفكير بالدخول إلى هذا العالم. ومن هذه العقبات والعراقيل التمويل، كذلك إنعدام البيئة الاجتماعية لمثل هذا المستوى من التعليم، أضف لذلك سياسة الانظمة التي تريد الحفاظ على كيا نها قبل كل شي، ثم التأثيرات ا لاديولجية على التعليم، وجبر مساره باتجاه تصورات خاصة عن الكون و الحياة والمجتمع والدين والاخلاق وغيرها.
وقد طُرِحت جملة حلول لمعالجة التمويل المالي باعتباره المشكلة الأكبر هنا، تلّخصها لنا الكاتبة في اربع حلول نذكرها دون التعليق عليها.
1: فرض رسوم للدراسة.
2: نظام إقراض الطلبة.
3: التبرّعات والوقف.
4: إنشطت كسب الدخل.
وتقول الكاتبة (لقد أظهرت التجارب فشل معظم أنظمة الإقراض) ص 259. ولكن كوني أعيش في السويد فهمت أن نظام الإقراض

البنك الدولي والتعليم العالي في العالم العربي
تحدّثت الكاتبة باسهاب عن البنك الدولي كطرف في كثير من الاحيان بالمشاريع والنظم التعليمية في ا لعالم العربي، وتذكر في البداية النظرة الجوهرية في سياسة وفلسفة البنك الدولي في خصوص عملية التعليم ذاتها، وهي بأختصار (أن التعليم باعتباره استثمارا طويل الأجل بطبيعته قد لا ينكشف على المدى الكامل لتأ ثره بهذا النمط، حتى بعد مرور أعوام عديدة) ص 156، وفي الحقيقة هذا التصور الذي يطرحه البنك الدولي عن التعليم، يتكأ على قاعدة أ عرض، فإن البنك يسعى إلى خضوع التعليم لمبادئ السوق الحر، فهو بنك عالمي استثماري تسيطر عليه البنوك العملاقة وبالتعاون مع الدول الكبرى المتحكّمة بشؤون العالم.
يرى ا لبنك الدولي أن عملية ا لتعليم يجب أن تخضع لتوجهات العناصر التالية: ــ
العنصر الأول: تحويل التمويل العام من مرحلة التعليم العالي إلى المراحل الأدنى، وبالذات التعليم الأساسي.
العنصر الثاني: الحد من دور الدولة في النشاط التعليمي، وفي سياق ذلك يجب الحد من نمو الانفاق العام الموجّه إلى التعليم بعامة، وتخفيض تكلفة التلميذ في جميع المراحل.
العنصر الثالث: تشجيع دور القطّأع الخص في التعليم، والسماح لهذا القطاع بدوره في التعليم العالي والأدنى كذلك.
ونظرة بسيطة إلى تصورات البنك الدولي هذه تكشف عن نزعة طاغية لتسويق التعليم العالي، أي لجلعه خاضعا لقيم السوق، ولكن هل يمكن الاخذ بهذه الأفكار في سياسة التعليم في العالم العربي؟
لقد وجدت المدارس الخاصّة، وكان لها دور كبير في تخريج دفعات من الطلبة بمستويات علمية وتقنية قوية وعالية، ولكن ساهم ذلك من ناحية اخرى في تصديع بنية المجتمع بشكل خفي وغير ملموس، فمن نتائج ذلك أن حظي هؤلاء بطلب السوق، فيما تعثر ذلك على خريجي المدارس العامة، ذلك أن السوق والمؤسسات العلمية ومؤسسات البحوث تفتش عن الأ جود بطبيعة الحال.
تتعرض المؤلفة لباقي النقاط وتناقشها على ضوء الاخذ بها من قبل بعض الانظمة، حيث كانت النتائج غير مشجعة إلى حد كبير.

التعليم العالي الجماهيري
جماهرية التعليم العالي شعار مرفوع اليوم في العالم كله، وقد عملت بعض الانظمة العربية بهذا النوع من التعليم، منطلقين من أن مواجهة مثالب العولمة والاستفادة من بعض منافعها بتشجيع وتبني التعليم العالي على مستويات شعبية كبيرة، ذلك أن العولمة غزت فعلا مؤسسات التعليم، وهناك ثلاث عوامل ساعدة على ذلك:ـ
الأول: كون المعرفة والتفكير السليم الخلاق للافراد هي الأكثر أهميّة وتأثيرا في (القيمة المضافة للأقتصاد العالمي). فهي و إن كانت معروفة قديما، ولكن في ظل العولمة والتطورات الهائلة التي يمر بها العالم أصبحت (مُنتَج).
الثاني: المساهمة الفعّألة لتقنية المعلومات والأتصال في غزو مجال التعليم العالي، والجامعات الخاصّة، فهناك تأثير لهذه الثقافة على أنشطة التدريس والبحث.
الثالث: خدمات التعليم تضمّنت لاول مرّة إ تفاقيات تحرير التجارة والاعتماد على إقتصاد السوق. ص 240.
ولكن طبيعة التعليم الجماهيري العالي يتوقف على عدّة إعتبارات، منها: ــ
1: طبيعة الجامعات التي تتم فيها هذه الانشطة وإلى أي مدى تتصف بمستوى راق من جودة العملية التعليمية والبحث العلمي الأصيل.
2: كما يتوقف على نظام إدارة أنشطة كسب الدخل داخل الجامعات والقواعد والحدود التي توضع لها.
3: كما يتوقف على طبيعة المناخ العام الذي تعمل فيه مؤسّسات التعليم العالي وإلى أي مدى يتّسم هذا المناخ ب التسيّب والفساد والفوضى ص 266.

خاتمة
هذه خلاصة جوهرية ـ كما أتصور ـ لهذا الجهد الطيب الذي بذلته الكاتبة المحترمة، وقد تناولت نقاط أو مجالات أ خرى من هذه القضية ا لخطيرة، لم يسعفني الوقت لإدراجها، ولكن حاولت قد المستطاع أن اركز على النقاط او المجالات المهمة.
الكاتبة تختم بحثها الجميل بخلاصة هي (إذن السبيل لمواجهة مثالب العولمة والاستفادة من بعض منافعها يكون بالنهوض بالتعليم في إطار ستراتيجية جادّة للتنمية، يعزّزها التعاون العربي والسعي لإقامة محيط عربي للتعليم والبحث العلمي يحمي المصالح الوطنية والقومية في مواجهة قوى العولمة، ويضع الضوابط للتعاون مع الخارج ولدخول مؤسسات التعليم العالي الاجنبية في مجال التعليم العربي، وتحديد موقف عربي مشترك بشان التعامل مع إتفاقية التجارة في الخدمات، وغيرها من القضايا الجوهرية التي لا يمكن كل قطر عربي على حدة مواجهتها منفردا) ص 57 من خلاصة تنفيذية.

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية