لا تختلف أساطير الخلق عن بعضها في الجوهر، وإنما تختلف في أسماء الآلهة والجزئيات. وأقدم أسطورة شرقية للخلق (سومرية) تقول: إن (إنليل) إله الهواء هو الذي فصل الأرض عن السماء، فصل (كي) عن (آنو). وإن (آنكي) هو الذي خلق من الطين الإنسان ليخدم الآلهة، وعلمه الفنون والزراعة وطرق الحياة.
وثاني أسطورة شرقية (بابلية) تقول إن (مردوخ) قتل تنين الشر وفوضى الكون (تيامات) وشقها نصفين، نصف جعله الأرض، ونصف جعله السماء. وإن (أيا) قد خلق من دم وعظام وطين الإنسان ليخدم الآلهة، ويغذيها بذبائحه، وعلمه كل الأشياء.
وفي قصة الخلق التوراتية، خلق الله آدم من تراب. وآدم من الأديم وتعني التراب. وفي ملحمة كيرت الكنعانية تعني الكلمة الجنس البشري وليست اسما لرجل بعينه. وفي قصص الخلق كلها خُلق البشر من تراب، ومن طينة واحدة. فلماذا ليسوا على نمط واحد، وصورة داخلية واحدة؟
لا شك أن طول الزمن وشظف العيش والحاجة والفاقة وحب الحياة، أحدثت في الإنسان الكثير من التحولات والتبدلات التي أثّرت في صبغياته وجيناته، وأوجدت على مدى الأجيال هذه الفوارق الجوهرية في السمات الداخلية للبشر، وفي تنوع اهتمامات وقوى وتوجهات الناس.
فمن الناس من اهتم بالمعنوي، ومنهم من اهتم بالمادي. ومنهم من شغلته النوعية، ومنهم من ظل عددا، يجري خلف الكمية، ويكمل النصاب. وصار فيهم المجدد، والمقلد، ومن يهتم بالهامش، وتكفيه الصورة. ومن لا يلتفت إلا إلى المتن، ولا يشغله غير الأصل. كما ولد فيهم من اهتم بالقشور، ومن اهتم بالثمار. ومن اهتم بجمع المال والنثريات، ومن اهتم بجمع الكتب واللوحات والاسطوانات. ومن يزرع البطاطا في حديقته المنزلية، ومن لا يزرع إلا الورد والريحان.
إن الاختلافات والتباينات بين الناس كثيرة عديدة، ويستحيل حصرها أو ضبطها طالما استمرت وتشعبت الحياة. ومن خلال معلوماتنا القليلة نلحظ التضاد بين ناس وناس. بين جاهل مغرور، ومتواضع تواضع العلماء. بين من يعشق مواويل الندب والعويل، ومن يعشق موزارت وباخ وموسيقى الأفلام.
بين من تكبر الصغيرة في عينيه، ويغرق في شبر ماء. ومن تصغر الكبيرة لديه، وينام ملئ جفونه عن شواردها. وبين من يغرد خارج السرب، ومن يسبح مع التيار.
ومن الناس أيضا من يرى النصف الفارغ، ومن يرى النصف الملآن، ومن يتعلم من عثراته، ومن لا تعلمه ويلات الزمان. ومن يستيقظ من غفلته باكرا، ومن يقضي العمر في الكهوف، أو لا يستيقظ إلا بعد فوات الأوان. ومن يشكو همه لزوجه، ومن يشكوه للجيران.
ومن الناس من يرى الخمر ذنبا، ومن يراه مشروب أهل الجنة والأبرار. ومن تشرب كل ليلة نخبه، ومن يسقيك كأس المر والغدر والجنون والهذيان.
ومنهم من يبتكر شعرا، ومن يهين الحروف واللغات. ومن يسعى للشهرة، ومن يكتب للخير والحق والجمال. ومن يلوي أعناق الحقائق، ومن استعبدته الحقيقة فأطلق لها العنان.
ومن الناس من يرى الوطن ترابا وصخرا، ومن يراه كرامة وأمنا. ومن يعشق الموت، ومن يعشق الحياة.
وذاك الذي لا تذكره العباد بخير أو بشر، وذاك الذي تكتب عنه الصحف والدوريات، وتقدم بأعماله الأطروحات لنيل الدرجات الجامعية.
ومن الناس من يتبارك بلمس ثياب بعض الرجال، ومن يرى أولئك الناس سذجا، وهبوا عمرهم للجن والذلة والخرافات.
ومن الناس الثرثار، والذي يسبق نطقه سمعه، ومن يتقن فن الإصغاء، وذاك الذي يستمتع بالأخذ، وذاك الذي يستمتع بالعطاء. وكذلك من هو فاجر وتاجر، وصادق وكاذب، وأديب وخجول. ومن يرى الناس كالنار يتدفأ بهم ولا يقربهم، ومن يرى أن الجنة بلا ناس لا تُداس. ومن الناس من يأكل لحم الآخرين، ومن يشهد لأهون الأسباب زورا، ومن لا يقول غير الحق ولو على رأسه. ومن يعبر عن مشاعره بصدق، ويفعل ما يقول. ومن يطعن في الظهر، ويظهر ما لا يضمر، ويقول ما لا يفعل. ومن إذا ما أكل من صحن بصق فيه، وإن شرب من بئر بال فيه، ومن إذا أكرمته ملكته للأبد.
[email protected]


اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه