جلس الرسول ص بين سبعين من الصحابة المقربين، بما هو أكثر من أصحاب الشجرة والبيعة الكبرىفي غدير خم فقال: انظروا جيدا لقد استخلفت عليا من بعدي، مثل الانتخابات الأمريكية بعدي لأربع سنين، واحذروا من الانقلابيين والمروانيين؟ وبعد دورتين انتخابيتين، يرشح ابن الرئيس وينتخب مرة أخرى، ولكن هذه المرة إلى الأبد إلى الأبد...
ولكن الملاعين من الانقلابيين خطفوا الصولجان ونصبوا رجلا من جماعتهم..
وهكذا ضاعت الخلافة الراشدة فوجب إحياءها مرة أخرى تحت ولاية الفقيه؟
هذا هو باختصار الجدل الشيعي التاريخي حول قصة حديث الغدير المزعوم؟
وهذا هو باختصار بناء العقيدة الشيعية على حدث تاريخي.
وهذا هو باختصار مصيبة الانشقاق الإسلامي الأعظم إلى ثلاث فرق، المروانية والشيعية والخوارج، يلعن بعضها بعضا، كل فرقة تدعي وصلا بالأصولية النقية؟
ـ فأما الشيعة فقد (جَّيروا) الإسلام لحساب عائلة؟
ـ وأما المروانيون فقد (جيروا) الإسلام لحساب قبيلة تحت حديث الأئمة من قريش؟
ـ وأما الخوارج فكانوا أكثر ديموقراطية، حين قالوا أن الحاكم لا يشترط له سوى أن يكون مطابقا لهذا المنصب الحساس، حتى لو كان رأسه زبيبة، وعبدا أسودا يلمع من شدة السواد..
ومن سخرية التاريخ أن يكون أبسطهم وأشدهم عنفا وذبحا للمسلمين هم الخوارج، في الوقت الذي يدرس الشيعة الفلسفة.
أما البيت المرواني فاجتهد في نبش أحاديث الردة، وتوزيعها لتصفية المادة الرمادية في بقايا المجتمع الإسلامي المنتهب منذ وقعة الحرة، واستباحة نساء الأنصار، وذبح آل البيت جميعا في تطبيق عملي للآية: ما أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى!!
وهكذا انتهت رحلة الإسلام في التاريخ قبل أن تبدأ، حتى يعاد إحياؤها من جديد، صدقا وعدلا، وصدق النبي العدنان؛ لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، كما ضرب الكل رقاب الكل؛ من مرابطين وموحدين، وأيوبيين وفاطميين، وعثمانيين ومماليك، ومن شايعهم أجمعين، وكما يضرب العراقيون اليوم رقاب بعضهم تحت كلمة مجللة بالعار: شيعي وسني وخلفي وسلفي ووهابي وصوفي..
وكلها أسماء سموها ما أنزل الله بها من سلطان..
إلى حين صحوة العقل من السبات الشيعي السني، إلى ملة إبراهيم حنيفا وما كان من سافكي الدم المفسدين..
ما دفعني إلى كتابة هذه الكلمات هي الدعوة التي تلقيتها من مركز الإمام علي لحضور (السيرموني) في مركزهم في أقصى الأرض، وأنا في أدنى الأرض، بعد أن محى الانترنت المسافات، فأصبح الناس بنعمته إخوانا..
وهذه المسألة تحركت عندي على نحو حاد مع الثورة الإيرانية عام 1979م حين ارتج الغرب وخاف، فلما دخل الخميني الحرب مع صدام، وضع الغرب رجله في ماء دافئة، تناسب صقيع أوربا وكندا وبلاد الأسكيمو..
ويومها دعيت لحضور المناسبة الثانية للثورة الإيرانية، وكنت في ألمانيا، وكان الداعي أخ جزائري أعرف فيه العقل والتنوير، هو من أفضل تلامذة المفكر الجزائري مالك بن نبي فلبيت الدعوة..
واكتشفت أن الأخ قد فقد عقله تماما؛ فكان يقفز معهم كالقردة في طهران وعبدان، مثل مظاهرات الرفاق الحزبية، فهنا كان الهتاف يقص الحنجرة عجَّل الله فرجه، وهناك بالدم بالروح نفديك يا أبو الجماجم..
مع دخولنا مطار مهاباد، وفي حي الأمين في دمشق، حملت أطنانا من كتب الشيعة للبهبهاني والطبطبائي والمراجعي والتسخيري والعاملي والجاعلي..الخ وكلها كتب تعود لألفية كاملة إلى الخلف، في استرجاع الشخير الشيعي السني..
وقلت في نفسي يومها خالص راجع نفسك، ففيك بقية من عقل، فإن كان مذهبهم حقا، وطريقتهم صدقا، فيجب أن تعلن ولائك للفقيه، وتلتحق بالمرجعيات، وتضرب نفسك بالسلسال في يوم محرم وعاشوراء؟
وفعلا وضعت السؤال المحرج أمام عيني، وقرأت واستغرقت، لفهم هذه المعضلة التاريخية، وكان ذلك مع انفجار الثورة الإيرانية، وبدء الحلم العظيم في استيقاظ المارد الإسلامي..
بل لقد كتبت كتابا في الثورة الإيرانية، وألقيت محاضرة بحماس في مركز ميونيخ، عن أسباب وفلسفة الثورة الإيرانية، وكان الغرب يرعش خوفا، وينتفض كمدا، بعد أن تحركت الجماهير بأذرع عارية، كما وصفها روجيه غارودي، في أعظم ثورة لا عنفية منذ أن بعث النبي، وسبقت إيران أوربا الشرقية في التخلص من الطغاة، ولكنها تحالفت مع الطغاة مثل الأسد وشاوسسكو، في انقلاب من الثورة إلى الدولة، كما هي حال كل الثورات، التي حذرنا منها أرسطو قبل ثلاثة آلاف سنة؟
وهي الآن في طريقها لبناء صنم نووي، على طريقة بني صهيون؛ فيقولوا كما قيل لموسى بعد الخلاص من فرعون وعبور البحر اجعل لنا إلها كما لهم آلهة؟!!
هذه المرة في غياب كامل لموسى، أن يقول إنكم قوم تجهلون، إن هؤلاء متبَّر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون؟
ثم ذهبنا إلى إيران، وقابلت أنا شخصيا الخميني، وكان شخصية لا توصف إلا أنها مميزة وكارزمائية ووجه صادق صارم لايخيب.
ثم اجتمعت بجماعة كيهان (نشرة الثورة)، ثم قابلت يزدي وزنكنا والخلخالي في مجلس نوابهم وآخرين..
وفي سؤال ليزدي عن معنى استمرار الإعدامات بدون توقف؟
غضب الرجل، واعتبرني من مناهضي الثورة؟
أما زنكنا الذين قلنا له أن حماة تدمر بيد حافظ الأسد، فهل تتدخلوا عند صديقكم وحليفكم الاستراتيجي، لإيقاف سفك دم ثلاثين ألفا من المدنيين، يلحقهم خمسة آلاف مقرنين؛ بيد سرايا الدفاع ووحدات الصراع ينهبون سوق الذهب، ويقتلون خمسين امرأة مسكينة هاربة من الجحيم في قبو مظلم، بما تورع عنه النازيون؟ في حمامات دم لم يفعلها بنو صهيون؟
غضب الزنكنا وقال: إنهم أخوان مجرمين يستحقون الذبح من الوريد للوريد.

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية