حقق الروائي جورج أورويل نجاحاً كبيراً في روايته التي كتبها في عام 1945م تحت عنوان quot;مزرعة الحيوانquot; قاصداً بذلك نقد الشيوعية، ونجح في تصوير الحمار، حيث جاء على هيئة حكيم أين منه حمار quot;توفيق الحكيمquot;؟!
لقد ظهر الحمار في الرواية من غير ضحك قائلاً بأنه quot;ما من سبب يدعو إلى ذلكquot;!
وقد استغرق الحمار جلّ وقته في التفكير حول السبب الذي جعل الإنسان quot;ينصّب نفسه سيداً على كل الحيوانات في حين أنه المخلوق الوحيد الذي يستهلك من دون أن ينتج لا بيضاً ولا حليباًquot;، دون أن يتمكن الحمار في النهاية من الوصول إلى إجابة واضحة على تساؤله!
وفي القرن التاسع أدخل الكاتب فيكتور هوغو الحمار إلى ميدان الفلسفة، حيث كتب قصيدته المسماة quot;الحمارquot;، معتمداً على حمار يدعى quot;باسيانسquot; وتعني quot;الصبرquot; بالفرنسية.. وعبر خمس وستين صفحة ظل الكاتب فيكتور يحاور الفيلسوف كانط من خلال مرافعات الحمار وأقواله..
ليصل المؤلف في النهاية إلى أفكار جاءت على لسان الحمار، أفكار مثل quot;إن العلم ينحني أمام السياسةquot;، ويشير في هذا الصدد إلى العالم الجغرافي غاليليو الذي تنكّر ليقينه العلمي خوفاً من المصير المظلم!
ومن أفكاره أيضاً أن الإنسان عبر تصرّفاته الهمجية ميؤوس منه.. أكثر من ذلك يرى quot;أبو صابرquot; أن الإنسان الصغير يتحول إلى وحش بعد بضع سنوات من التربية التي تغتال فيه براءته، ولا تعلّمه غير المكر والشر!
ومن حنان الحمار ورحمته بإخوته من الحيوانات، كتب فيكتور قصيدته quot;الضفدعquot; حيث تقول نصوصها أن حماراً كان يجر عربة عائداً بها إلى المزرعة بعد نهار شاق تعرّض فيه للكثير من الضرب، فصادف في طريقه ضفدعاً كان بعض الأولاد القساة قد سمّروه على الأرض، ويستعدون لقتله بدحرجة عجلة فوقه، ولكن الحمار استجمع ما بقي لديه من قوة لتغيير مسار العجلة القاتلة، وإنقاذ شقيقه في البؤس من الموت، ويستخلص فيكتور من قصيدته أن الحمار quot;أنبل من سقراط وأعظم من أفلاطونquot;!
تُرى ماذا بقي؟!
بقي القول أن ظلمنا للحمار يجب أن يوضع له حد، فمنذ خمسة آلاف سنة وهذا الكائن النبيل يتعرّض للظلم وفاحش الضرب، ويقابِل كل هذا بصمت عريض وصبرٍ جميل.. وإذا ما دققنا في الصورة أكثر نجد أن المجتمعات الغربية بدأت تسترد للحمار شيئاً من حقوقه الضائعة، ولكن في المقابل بقي الحمار quot;مكانك سرquot; في غير المجتمعات الغربية!
وهاكم دليلاً على ذلك التقرير الذي أصدرته مؤخراً منظمة quot;الفاوquot;، حيث يذكر أن الحمار يعيش نظرياً وعملياً في البلدان الغربية ما بين 35-40 سنة غير أن معدّل عمر الحمار في منطقة الشرق الأوسط -حسب التقرير- لا يتجاوز سبع سنوات، أما التفسير المخجل لهذا العمر القصير الذي يورده التقرير، فهو سوء التغذية وسوء المعاملة!
آه ما أقسى الظلم وما أرعن العرب، فحتى الحمار في مجتمعاتهم لم يسلم منهم..
وما أجمل مجلة القافلة وهي تفتح ملف quot;الحمار وقضاياهquot; وتجعله على صدر غلافها ومحور قضيتها!