كان لى فى غزة ذكريات جميلة وأليمة أيضا، فعلى شاطئ غزة أكلت أحلى أكلة سمك فى حياتى بورى طازة مشوى من البحر المتوسط مع رز بالجمبرى، وفى غزة سبحت أمام شاطئ فندق فلسطين الذى كنت أنزل به، ومن غزة إنطلقت وزرت فلسطين كلها من عسقلان إلى أشدود إلى القدس ورام الله والخليل ونابلس والناصرة والنقب ويافا وحيفا وبيت لحم، وعانيت (جزئيا) فى غزة ما يعانيه الفسطينيون يوميا على الحواجز (فى بلادهم)، وفى غزة زرت معسكر الشاطئ حيث شاهدت الفقر المتقع الذى لم أشاهده فى أى مكان فى العالم، وفى غزة تعاملت مع تجار شرفاء كما تعاملت مع نصابين، وفى غزة إلتقيت بياسر عرفات وبطانته لبحث مشروعات الطاقة المستقبلية، وفى غزة تعاملت بالعملة الإسرائيلى (الشيكل) لأول مرة، وفى القدس صليت الجمعة بالمسجد الأقصى كما أوقدت شمعتين فى كنيسة القيامة للسيدة مريم العذراء، كما زرت الحائط الشرقى للمسجد الأقصى حيث يقع حائط المبكى اليهودى، وزرت جبل الزيتون وجبل المكبر، وفى بيت لحم زرت كنيسة المهد، وفى الخليل زرت الحرم الإبراهيمى، وفى نابلس أكلت الكنافة النابلسية اللذيذة فى حضور عمدتها الشكعة.
فما بين عامى 1994 amp; 1995 ذهبت إلى غزة كمدير لأول مشروع بتمويل أمريكى لبناء عمارات سكنية فى جباليا (معقل حماس)، وكان هذا المشروع بداية مشروعات تنموية بتمويل أوروبى أمريكى عربى، ولكن (ولاد الحلال من الطرفين) نجحوا فى إفشال معاهدة أوسلو، فتم إغتيال إسحق رابين على يد متطرف يهودى، وتم إغتيال أوسلو على أيدى كثيرة متطرفة فلسطينية وعربية، وكان البديل لأوسلو هو غزوة غزة فى العام الماضى وتوابعها الأخيرة فى غزوة رفح، حيث إنفجر الفسطينيون من شدة فرحهم بحكومة حماس وفجروا الحدود مع مصر إبتهاجا بنجاح حماس فى الحكم، وحسب تقرير مراسل البى بى سى فإن حوالى نصف سكان غزة قد طفشوا منها خلال أربعة أيام، تصوروا حماس قد نجحت فى تطفيش نصف شعبها إلى صحراء سيناء، وكانت هذه خطوة جبارة فى طريق إزالة كل الحدود المصطنعة بين البلاد العربية التى وضعها الإستعمار وحافظ عليها أذنابه من الحكام العرب على مدى القرن العشرين، لذلك فإنى أهيب بكل الحكام العرب (الغير أذناب) أن يفجروا الحدود كما فعلت حماس ويجعلوها (سداح مداح) كما فعلت أوروبا، وهم إن فعلوا هذا فإن الوحدة العربية الكبرى من الخليج إلى المحيط سوف تتحق برغم أنف القوى الإستعمارية، والموضوع فى غاية البساطة ولن يأخذ أكثر من حقيبة مفرقعات وبلدوزر، فقد فعلت حماس ببساطة ما عجزت عن تحقيقه كل الإقلام وكل الخطب الحماسية فى القرنين الماضيين.

أبو تريكة بعد تسجيله هدفا فى بطولة أفريقيا

وأثناء حياتى فى غزة تعرفت إلى أبناء الشعب الغلابة والذين كانوا يعملون معى فى المشروع، ورأيتهم وهم يعملون بهمة وإخلاص وأمل على أن تستمر تلك النهضة التنموية، وأبهرنى إجادتهم فيما يؤدون من أعمال وحرصهم على أكل العيش، وفوجئت بحرص عائلات غزة على كثرة الإنجاب فمن الطبيعى جدا أن تجد اسرة واحدة فى غزة لها سبع أو عشر أولاد وبنات، وكنت أتألم كثيرا من معاناتهم لتوفير سبل المعيشة بسبب الحصار الإسرائيلى المستمر، لذا لم أتعجب عندما حدث quot;الإنفجار السكانىquot; الأخير عند حدود مصر، ومن سخرية القدر أن إسرائيل كانت تشتكى أن مصر لا تؤمن حدودها ولا توقف بناء الأنفاق لتهريب الأسلحة والمفرقعات إلى غزة عبر الأنفاق، الحدود الآن أصبحت مفتوحة على البحرى ويتم تهريب كل شئ إبتداء من الأسلحة والمفرقعات (فى الإتجاهين) والأغذية والمخدرات وحتى الخرفان!! ولم يعد هناك أى لزوم للأنفاق.
ولقد نجحت حماس ومعها قناة لهلوبة الفضائية وغيرها من القنوات الفضائية فى تصوير أن الإنفجار السكانى الفلسطينى على حدود مصر قد حدث بسبب إسرائيل وليس بسبب فشل حماس فى الحكم، ولم يتسائل أحد لماذا لم ينفجر السكان أثناء وجود عباس فى غزة؟ وهل صواريخ الحلل النحاس الملحومة فى بعض والتى تسمى (القسام واحد وإتنين وعشرة) والتى لا تصيب إلا الشعب الفلسطينى (فى النتيجة) أهم من سلامة هذا الشعب، وهل حررت تلك الصواريخ أرضا وهل أعادت لاجئا واحدا وهل أعادت القدس السليبة وهل رفعت مستوى معيشة المواطن الذى شاهدته فى معسكر الشاطئ؟ وإن كان فى إستطاعة خبرات حماس أن تبنى صورايخ، فلماذا لا تجند تلك القدرات فى تصنيع محطة كهرباء حتى يتم الإستغناء عن الكهرباء التى تعطيها لهم إسرائيل؟ ولماذا لا يتم تصنيع مكنة دق فلوس للإستغناء عن عملة الشيكل والتى يستخدمها الفلسطينى كما يستخدمها أبناء العم من (الكيان الصهيونى)؟ تساؤلات ساذجة من كاتب عايش الوضع فى غزة؟!!
...

اللاعب الغانى يرفع علم إسرائيل
والشئ بالشئ يذكر، فالكابتن محمد أبو تريكة نجم مصر الكروى الكبير وبعد إحرازه هدفا فى البطولة الإفريقية الحالية كان يخبئ تحت الفانلة الرسمية فانلة أخرى غير رسمية (قطاع خاص) مكتوب عليها بخط كومبيوتر جميل أنه يتضامن مع غزة باللغتين الإنجليزية والعربية، وفى الحقيقة أن هذا شئ يشكر عليه وقد شكره أهل فلسطين كما شكره بعض أهل مصر، وإعتراضى على تصرف أبوتريكة له أسباب عديدة: أنه يمثل مصر فى هذه البطولة ولا يمثل نفسه، أنه قد فعل هذا فى الوقت الذى إصيب فيه أكثر من 27 شرطيا مصريا على حدود غزة نتيجة تبادل للنار مع ملثمين من حماس أثناء غزوة رفح الأخيرة، ولم نعرف هل تضامن أبوتريكة مع غزة (الشعب) أم مع غزة (حماس)، وياترى من هو ممول ومنفذ فكرة الفانلة (القطاع الخاص) وقد نال أبوتريكة إنذار كما وجه إليه الإتحاد الإفريقى إنذارا بعدم خلط السياسة بالرياضة وإذا نال أبوتريكة إنذارا آخرا فربما يخسر الفريق جهوده كهداف متميز فى مباراة من المباريات النهائية، وكان من المفروض على الفيفا أيضا أن تعطى إنذارا وتحذيرا مماثلا فى بطولة كأس العالم الماضية للاعب الغانى (والذى يلعب فى نادى إسرائيلى) والذى فوجئ به العالم أجمع يرفع علم إسرائيل بعد تسجيله هدفا؟!! وهو تصرف فى منتهى الجليطة والإستعباط، ولا أتصور أن اللاعب المصرى محمد زيدان والذى يلعب فى نادى هامبورج الألمانى كان سيحمل علم ألمانيا بعد تسجيله هدفا!!
وعموما الرياضة مثلها مثل الفن والموسيقى من المفروض فيها أنها تقرب بين الشعوب، وإقحام السياسة فى الرياضة لن يحسن شيئا فى الوضع السياسى ولكنه سيربك الرياضة، وكان بإمكان أبو تريكة لكى يعبر عن شعوره الجميل أن يخرج على رأس مظاهرة من المظاهرات التى إنطلقت فى مصر تضامنا مع شعب غزة، وياريت عند عودته للقاهرة (تضامنا مع مصر) أن يذهب لزيارة ضباط الشرطة المصريين والذين إصيبوا برصاص حماس، وختاما أحب أن إطمئن الكابتن أبوتريكة بألا ينزعج من الخبر الذى نشرته الأهرام عن القبض عن ثلاثة آلاف فلسطينى بعد غزوة رفح ووجدوا فى حوزتهم بعض الأسلحة والمتفجرات، وفى الحقيقة بأن هؤلاء الفلسطينيون (وردا لجميل مصر) سوف يستخدمون تلك الأسلحة والمتفجرات فى القضاء على الطيور الحاملة لإنفلونزا الطيور!!
[email protected]

اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه