الجزء الأول

بعيدا عن النفط، وعن ملاعق الذهب، آثر الدكتور يوسف مكّي التوغّل في ثروات بديلة، ولم يجد ما يُضاهي المعرفة والبحث، سوى التقصّي لإقتفاء أثرهما، كتاب تلو الآخر، وأطروحة تمهّد لأخرى، وتبقى الترجمة الشغل الشاغل، وquot;التجديد العربي quot; هو الهاجس، والهم،ّ والمحور لمنطلقات لا تحدّ، عَِملَ في حقل التعليم في كل من المملكة العربية السعودية، والولايات المتّحدة الأمريكية، عضو دائم في معظم المؤتمرات العربية والدولية، على هامش زيارته الأخيرة لبيروت كان الحوار التالي حول المُستجدّات في المنطقة العربية..


bull;اعتباراً من تسميتك لطفلتك الثالثة المولودة بتاريخ صمود جنين والتي حملت ذات الاسم، ماذا يعني لك كعربي أولا وكسعودي ثانياً وكمثقف ثالثاً. ما يدور وبشكل مدروس وممنهج في الداخل الفلسطيني المحتلّ؟

-المعنى الذي يُستلخص مما يجري في الأراضي المحتلة هو أن فلسطين عصيّة على الخضوع وأنه استحالة تنفيذ المشروع الصهيوني الذي خصّ إسرائيل كقوة عظمى بعد الدول الغربية الأوربية و ربما اسرائيل تفوق الكثير من الدول الصناعية كقوة عسكرية لكن هناك شعب يرفض أن يضيّع هويته ويرفض أن يسلم أرضه فهذا الشعب لديه شرعة الأمم، وقوانين الأرض، وشرعة السماء، والإجابة بالنسبة إليّ أنّ الأمّة لا تزال حيّة ولا تزال تقاوم، وفي الحسابات والتقديرات العلميّة والحالة الأرقى دائماً هي الحالة النوعية وليس الكلية، دائماً في كل الحضارات في الطليعة تكون الحضارة النضالية. ولا ريب أنّ المقاومة الفلسطينية هي طليعة الأمة التي عبّرت على أنّ الأمّة لا تزال تقاتل ولا تزال تقاوم ولا تزال تحافظ على الهوية..

bull;أفهم وكأنّك مع المقاومة، أم أنّك مع التفاهم السلمي وخاصّة أنّ نسبة كبيرة من المثقفين في العالم العربي اليوم تتبنّى خطّ التفاهم السلمي والتطبيع الإنساني مع إسرائيل ومع وجودها الشرعي في المنطقة كحقيقة وواقع، بينما أفهم من إشارتك أعلاه وكأنك تدعو إلى تعزيز المقاومة وأيضا الدفاع عن وجود المقاومة؟
- القضية هي ليست أين أقف، القضية هي أين يقف المشروع الصهيوني،
المشروع الصهيوني هو في الأساس مشروع حرب وكما هو معروف مشروع الحرب ابتداء،ً قام على نهب وسلب وتشريد، فهذا المشروع إذاً ليس مشروع سلم والمطلوب ليس تحقيق السلم، المطلوب الآن في كل المشاريع هو انتزاع الأمن، السلم يعني طرفين متكافئين من حيث القوة ولهم نفس القدرة في العراك أو في التفاوضية، أما أن يكون طرف مجرد تماماً من كل الأسلحة وطرف يملك كل الأسلحة هذا ليس مشروع سلم، المشروع هنا شئنا أم أبينا ليس سلما، هذا مشروع حرب وضمان استمراريته هو أن تستمر القضيّة، لأن أي تراخي في القضية الصهيونية هو نهاية للمشروع الصهيوني فالمشروع ابتداءً قام على هذه الفرصة وأن نتحدث على ماذا قام هذا المشروع، قام على أربعة آليات أو أربعة جدليات أو عناصر:
1: الصهاينة انطلقوا بالتسليم بأنّ لهم حقّ تاريخيّ في فلسطين وأنّ هذا الحق
قام أساساً على اسطورة منافية للعلم ومنافية للتاريخ ومنافية لروح العصر.
2: النزعة العنصرية التي قوامها التفوّق الصهيوني على الفلسطينين وهذا يحمّل نظريات كثيرة وواحدة منها رفض كامل لشعب فلسطين لأنّه حسب الرأي الصهيوني لا يوجد أساساً وهذا يعبّر عن عمارة الأرض بمبدأquot; استصلاح الأراضي quot; على أساس quot; الأرض لمن يعمل بهاquot;.

bull;quot;مقاطعةquot;، وما الذي أعاق العرب عن استصلاح أراضيهم بالأساس؟
- العرب مرّوا بفترات استعمار طويلة، وفترات انتداب، ووصاية، كل هذه الفترات أدّت بهم إلى حالة من التسليم والاستسلام والخمول والكسل والإحباط المزمن الذي يتلخّص بما يُسمّى الكبوة.

bull;quot;مقاطعة quot;، لكن اليهود أيضا تعرضوا للمطاردة والتعذيب والطرد والشتات وأكثر من ذلك المحرقة الجماعية quot; الهولوكست quot; ومع ذلك تمسّكوا بعقيدتهم التوراتية وبقدرتهم الاقتصاديّة، ومخططاتهم الإستراتيجية لخرق المعادلة، وتحقيق وجودهم وتفوّقهم وإن بتجاوز المنطق والمعقول، في حين أنّ المعقول السائد عربيا يكاد يقضي على آخر تفاؤلنا ونحن نراهن على همّة القادة العرب، وإبطال قدرتهم على الصمود في وجه الرغبات الإسرائيلية التي لا تقف عند حدّ أو حدود أو جغرافيا،؟
-المقارنة هنا غير جائزة لأنّ الحركة الصهيونية هي استمرار لحركة الاستيطان البريطاني، هي ليست وليدة مؤتمر quot;بال quot; الذي حمل مشروع quot;سايكس بيكو quot; وتلخّص في quot;وعد بلفورquot; البريطاني، بل كان مخططا تكتيكيا قدّمه نابليون لفصل الشرق عن الغرب وتبنّته بريطانية فيما بعد، ناهيك عن أنّ المحرقة اليهودية مبالغ جدا في تقدير ضحاياها، ولابدّ من الحديث عن الحرب العالمية الثانية التي خدمت كثيرا المشروع الصهيوني، فقد هاجر من ظلم النازية الكثير من اليهود على متن الباخرة الشهيرة التي هاجرت إلى نيويورك، ورفض الأمريكيين استقبالها أو تفريغ حمولتها من الهاربين اليهود ولدى عودتها غرقت تلك الباخرة في البحر، ووقتها ولد المشروع الأمريكي بتشجيع حركة الاستيطان بتوجيه وتشجيع الهجرات إلى فلسطين التي اعتبروها أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض، وقد ساهم المشروع البريطاني الاستيطاني بطرد اليهود وقتل من يأبى الخروج من الأرض العربية مثل مصر وفلسطين وغيرهما بعيدا عن تاريخ نشوء الدولة الصهيونية.

bull;قريبا جدا من أرض الواقع العربية والتي تتآكل تِباعا بحكم الهجمة الصهيونية والأمريكية المواكبة، كيف يستقرأ د. يوسف مكّي الوضع العربي الراهن وخاصّة أنّه محكوم بفكّي كماشة،الأمريكان من الجهة العراقية ومنطقة الخليج العربي، وإسرائيل من جهة أخرى، والمثير للجدل والقلق معا هو تلك اللامبالاة العربية من الجهتين، والأنظمة مثابرة فقط على تحدي وقمع شعوبها لا غير، وكأنها بذلك تبارك الخطر المُحدق وتحميه؟
- لاشك أن العالم العربي في خطر، وخاصّة أنّ فلسطين أرض محتلّة، والعراق كذلك،و السودان قيد الإنذار، سورية ولبنان أيضا، السعودية لم تنجُ من التهديد الأمريكي، مصر تتعرّض لانتقادات مبطّنة معروفة النوايا، وغدا ربمّا نسمع المزيد من التهديدات والإنذارات للمنطقة العربية،إذ أنّ التجربة تقول أنّ المشروع شيء وإمكانية تحقيقه شيء آخر، فقد كان في نيّة القرار الأمريكي الانتهاء من مسألة العراق للالتفات إلى دول عربية أخرى، إلا أنّ المقاومة في العراق، وقبلها في الجنوب اللبناني والتي لا تزال تشكّل مصدر رعب بالنسبة للكيان الصهيوني إضافة إلى استمرار الانتفاضة في الأرض المحتلّة كل ذلك ساهم في ضعضعة وزعزعة الموقف الأمريكي وعرقلة مخطّطاته في المنطقة، والأمل كبير في دور الشعب العربي وتصعيد دوره النضالي، فالهجمة الإمبريالية على شرّها لا تخلُ من إيجابية واضحة وهي توعية الشعب العربي وانتباهه إلى تقرير مصيره، وبالتالي فأنا مُتفائل بخلق دول متوازنة بعيدة عن الشعارات كالحريّة والديمقراطية باسم الإصلاح والتغيير، بل هي حقيقة ملموسة وموضوعية ومحقّقة، وهذا الدور تُحاول أن تنسبه أمريكا إلى نفسها بعد فشلها الذريع بتحقيق الإستراتيجية العسكرية في العراق والتي كانت تنوي زرعها في قلب المنطقة العربية للإشراف المُباشر بالأحرى للاستغلال المُباشر في ثروات العالم العربي من خلال إقامة دولة عراقية موالية ومطيعة تتحكّم أمريكا شخصيّا بمفاتيح القرار فيها، وبالتالي تتمكّن من السيطرة على كامل المنطقة العربية بحكم الهيمنة والسيطرة العسكرية إلا أنّ انتشار الحركات المُناهضة للاحتلال في معظم المناطق العراقية قلب الموازين، وأردى الإرادة الأمريكية وأربك دول التحالف جمعاء.. فقط أودّ الإشارة إلى أن المخطط الأمريكي منذ أيام /جيمس بيكر / الذي تحدّث عن ضرورة رسم خريطة جديدة للمنطقة العربية، أيضا دراسة /شمعون بيريز / الذي تحدّث عن الشرق أوسطية والتي بدأت بالتطبيق اليوم، وتقرير/ راند/ الذي تحدّث في حينه عن احتلال العراق كمخطط استراتيجي يهدف إلى الاستيلاء على المملكلة العربية السعودية ليسهل بالتالي الاستيلاء على مصر التي وصفت بالجائزة الكبرى.

bull;وماذا عن لبنان وسورية؟
- مجرد تتمّة حساب على البيعة.

bull;باختصار هل أصبح quot;القدر quot; أمريكيا؟
- مضى على احتلال العراق وقت ليس بقليل، برأيكِ هل استقرّ الوضع الأمريكي في العراق؟ وهل يتقبّل الرأي العام إحصائية الخسائر البشرية التي تتصاعد يوما بعد يوم؟ الخوف من الموقف الأمريكي هو الهروب إلى الأمام كما حصل في الهند الصينية، أي التقدّم إلى سورية ولبنان، وأشكّ أن تعتمد أمريكا وقتها ذات الأسلوب إذ أنّها ستكتفي بتحريك quot;الحليفquot; الإسرائيلي من خلال ضرب البُنى التحتية مجددا بعد إخفاقها في حرب تموز على لبنان، في كلا البلدين وربما بذات الوقت. الشيء الأكيد لإفشال المؤامرة هو اعتماد الأشقّاء في سورية على رصيدهم الحقيقي المُتمثّل بالشعب السوري، لهذا على الحكومة السورية تعزيز الوحدة الوطنية وتعميق التفاهم مع شعبها ليكون السند والحليف الحقيقي عند الشدائد، والشدائد نيّة مبيّته فعليا من قبل التحالف الأمريكي الإسرائيلي تجاه سورية.

* بين آونة وأخرى تشهد الساحة اللبنانية الداخلية بعض الأصوات الداعية للتمرّد أحيانا وللشغب أخرى ودائما ثمّة عناوين وهواجس للمواطن اللبناني تتلخّص بالحرية والديمقراطية والاستقلال، تلك الأصوات تُواجه بأصوات مُعارِضة ومناهضة ومقوّضة ليس لمشروع الاستقلال الفعلي بل لقيام ونهضة الدولة اللبنانية عموما، برأيك هل يُمكن أن يُعاد تشخيص سيناريو الحرب الأهلية التي بدأت بحرب 1975 واستمرت حتى بداية التسعينات؟
- الحرب الأهلية في لبنان لا يُمكن أن تتكرّر، لسبب هام هو وعي الفرد اللبناني وإدراك اللعبة التي دفع ثمنها كل بيت لبناني على اختلاف مذهبه وطائفته، هذا لا يعني أنّ لبنان لن يتعرّض وباستمرار لمحاولات إثارة النعرات الطائفية والفتن العقائدية والشغب ولخلل الأمني، وهذا من ضمن مُقرّرات الإستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية ليس في لبنان وحسب، وإنّما في كامل المنطقة ككل.وهذا وقف على يقظة الشعب في كل مكان.
يتبع....................
www.geocities.com/ghada_samman
[email protected]

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية