غزوات الإرهاب الإسلامي المظفرة! [1-2]
ما أن وجدت الحلقة الأولى من المقال طريقها للنشر حتى سجل الإرهابيون الإسلاميون ثلاث جرائم جديدة كبرى بحق الأبرياء. كانت الأولى في انفجار الجزائر، الذي دل مجددا على كون الإرهاب الإسلامي هو بلا حدود، وأن كل البشرية، من مختلف الجنسيات والأديان، معرضة لنيرانه. الحدث الثاني هو كشف خطة إرهابيين باكستانيين من القاعدة في بريطانيا لخطف جندي بريطاني مسلم لقطع رأسه أمام الكاميرا، ثم بث المنظر الوحشي علنا لغرض الترويع، وكسر المعنويات في الجيش البريطاني. أما الجريمة الأكبر هولا فقد نفذتها القاعدة في بغداد باستخدام امرأتين معوقتين عقليا في عمليتي تفجير من بعيد، سقط ضحاياهما حوالي مائة ضحية، وعشرات الجرحى.

إن هذه الجرائم الجديدة، كالتي سبقتها، ينفذها متطرفون مسلمون لا مسيحيون، وهم، كما مر، يستخدمون الإسلام واجهة، وعنوانا، مع كون أهدافهم هي التسلط، والهيمنة، وإخضاع الناس لأنظمة دينية سياسية، تخنق المواطنين، وتطارد النساء، وتضطهد الأقليات الدينية، وتحرم الموسيقى والغناء، وتدمر محلاتها مع دور السينما، ومحلات حلاقة النساء، وتسمم مناهج التعليم؛ ولدينا نماذج طالبان، وإيران، والسودان، وجنوب العراق، وبالأمس، إمارات القاعدة في الفلوجة، وفي مدن حدودية مع سوريا.

إن مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، وبعض المثقفين الأمريكان من الحزب الديمقراطي، يهاجمون بعنف تحذير المرشحين الجمهوريين من التطرف، والإرهاب الإسلاميين. إنهم يعتبرون استخدام أوصاف 'تطرف إسلامي'، و'إرهاب إسلامي' 'عداء' للإسلام والمسلمين، وتخويفا منهم، ولكن يجب هنا طرح بعض الأسئلة الكبرى، التي سبق طرحها، وأجاب عليها كتاب موضوعيون شجعان، من أمثال العفيف الأخضر، ومحمد عبد اللطيف الهوني، وعبد الخلق حسين، وطارق الحميد، ومأمون فندي، وتركي الحمد، وعبد المنعم سعيد، وكاظم حبيب، وعبد الرحمن الراشد، وآخرين نعتذر لعدم ذكرهم لضيق المجال، وإن آخر من قرأنا له توا بهذا الصدد الأستاذ سعد الله خليل في مقاله المتميز عن 'مخاطر الأحزاب الدينية'. إننا نصف هذه النخبة بالشجاعة لأنها تقول الحقيقة عالمة بأن التهم والشتائم ستلاحقها من المتعصبين، والجهلة، والمرعوبين من الحقيقة، ولحد تهديد بعض هؤلاء الكتاب أحيانا.

إن هؤلاء قد سبق وأكدوا على دور الدين، روحيا وأخلاقيا من جهة، وعلى مخاطر التطرف الإسلامي من الجهة الأخرى؛ ومع ذلك فإن تكرار هذه الحقائق ضروري، ومفيد، ومطلوب.

1 ndash; نسأل مرة أخرى: لماذا يجري إنكار أن الإرهابيين والمتطرفين، من سنة وشيعة، يستخدمون دوما اسم الإسلام في مساعي الهيمنة، واحتكار السلطة؟ من الذي يثير بعض القلق من المسلمين في الغرب غير هذه التجمعات، والأحزاب، والتنظيمات السياسية الدينية، وغير رجال الدين ممن نصفهم ب'فقهاء الإرهاب'، الذين يصدرون الفتاوى، تبريرا للإرهاب، وينشرون ثقافة الكراهية، والتكفير؟ من المسيء للإسلام غير الإسلام السياسي، أي الإسلام المؤدلج، المرتبط ببرنامج سياسي لا علاقة له بالدين كإيمان، وفيم، ونقصد خصوصا الإسلام السياسي المتطرف والإرهابي؟ إن هناك أيضا نسبة عالية من المشايخ، وأئمة الجوامع، الذين ينفخون في النار.

أجل، من المسيئون لسمعة الإسلام غير من يطاردون الفنانين، والمثقفين الغربيين، الذين لا تعجبهم أفكارهم، بل ويغتالون بعضهم؟ كم من أضرار لحقت بسمعة الإسلام بسبب تفجيرات 11 سبتمبر، ومدريد، ولندن؟ من نفذ كل تلك الجرائم وغيرها غير مسلمين متطرفين من ذوي مشاريع سياسية تستغل الدين جسرا لنيل الجاه، والسلطة، والثروة، وبأمل تحقيق حلم الجمهورية الإسلامية العالمية!؟

نعم، إن التطرف الديني موجود في سائر الأديان. هناك، مثلا، متطرفون مسيحيون يكافحون الإجهاض بأساليب تنزلق أحيانا للعنف، ويشككون في بعض منجزات العلم، وخصوصا في نظرية دارون، ولكن هذه ظواهر محلية وليست ظاهرة على صعيد العالم كالتطرف الديني الإسلامي في أيامنا، والذي صار يهيمن على الشارعين العربي والإسلامي، وتمتد مخالبه لدول الغرب، وغيرها، وهو يصل أحيانا لحد استخدام إرهاب أعمى ووحشي يفتك دفعة واحدة بالمئات من المدنيين الأبرياء. إن في اليهودية أيضا متطرفين دينيين، وعند الهندوس أيضا، وغيرهم.

2 ndash; ماذا فعلت، وتفعل، الجاليات المسلمة في الغرب، لاسيما النخب والاتحادات الدينية، للوقوف بوجه عمليات الإرهاب الإسلامي، والبرهنة للرأي العام عمليا على أن المسلمين ليسوا جميعا إرهابيين، وأن الإرهاب الإسلامي لا يعني إرهاب الإسلام؟ هل نظمت يوما مظاهرة منظمة تستنكر الإرهاب وتطالب بالقصاص من القتلة؟ أم هو الموقف المرائي، الذي يخفي أحيانا شعورا بالارتياح، والشماتة؟

ثمة في رأينا ثلاثة مواقف تتخذها الأحزاب السياسية الدينية الإسلامية، ورجال الدين المسلمون في كل مكان:

الموقف الأول، والغالب، هو صدور إعلان باهت بارد عن كون الإسلام ضد قتل الأبرياء، مع تقديم أسباب سياسية تجعل هذا الإعلان تبريرا غير مباشر؛

الثاني: موقف فقهاء الإرهاب المكشوفين، الذين ينشرون الكراهية، ويساهمون في غسل أدمغة المستعدين لاقتراف الإرهاب، فتكون جريمة هؤلاء الفقهاء لا تقل عن جريمة القاتل والمفجر نفسه، وأحيانا يمارس بعضهم انتقائية مرائية كأن يدين عملية إرهابية في بلد عربي معين، مع اتخاذ موقف التبرير في كل الحالات الأخرى، كما فعل القرضاوي أكثر من مرة؛

الثالث، وهو النادر جدا، صدور إدانة حازمة وصريحة للإرهاب الإسلامي، أينما وقع، والمطالبة بالوقوف ضده، وضد التطرف الإسلامي، وعلى كل الأصعدة. لا يعلم كاتب هذا المقال عن أمثلة لموقف كهذا غير موقف رجل الدين العراقي الشهيد عبد المجيد الخوئي، الذي نشر عن 11 سبتمبر في حينه مقالا في جريدة 'الزمان' العراقية تحت عنوان ' من هو الخاسر الأول: الإسلام أم أمريكا؟ ومن منهما الأحق بالرد؟ [ الزمان بتاريخ 4 أكتوبر 2001].

لقد ورد في مقال الخوئي:

' يجب علينا أن نقول بصراحة بأن من قام بهذا العمل الوحشي قد اعتدى على المسلمين أناسا، وعلى الإسلام رسالة أخلاقية....' و'علينا أيضا واجب الوقوف في وجه مرتكبيه، وبكل جرأة ووضوح، كي لا نخسر وجودنا المعنوي، وألا نفقد معاني القيم النبيلة... '

لا ندري إن كانت قد صدرت مثل هذه الإدانة الحاسمة والصارمة لجرائم 11 سبتمبر، وبعدها في مدريد، ولندن، عن المرجعيات الدينية المختلفة، وعن ساسة الإسلام السياسي، 'المعتدلين' منهم، و المتطرفين، ناهيكم عن أي من أئمة الجوامع في الغرب!

إن التطرف الديني يستمد منابعه من التعليم والثقافة المنحرفين، المناقضين لقيم حقوق الإنسان، والمثل الديمقراطية، والمشبعين برفض الآخر واستصغاره، وعندما يرتبط التطرف بمشاريع سياسية، أي إقحام الدين في منعرجات السياسة، ونقصد الإسلام السياسي، فحينئذ يتخذ هذا التطرف أبعادا أخطر لما يتولد عنه من إرهاب وحشي، ونود بهذا الصدد الإشارة لمقال متميز للدكتور عبد الخالق حسين في نيسان 2004 تحت عنوان 'الإرهاب الإسلامي وليد الإسلام السياسي المعتدل'. إن هذه الفرضية تستند لكون الإسلام 'المعتدل'، كما المتطرف، يريد استلام السلطة السياسية، وبناء دولة الشريعة بدلا من دولة مدنية، ديمقراطية، قائمة على تقديس حقوق الإنسان، واحترام حرية المواطنة والمواطن، والفصل القاطع بين الدين والسياسة لأن لكل منهما مجاله المستقل. إن الأحزاب والتنظيمات الإسلامية 'المعتدلة' تتبع مواقف تكتيكية سياسية مراوغة حسب الظروف، وتوازن القوى، وهي تتبع مبدأ التقيّة، وتعلن غير ما تبطن، عندما يتعلق الأمر بالحرص على الديمقراطية، وهي تستغل الانتخابات جسرا لتحقيق مشاريعها القرون أوسطية، وما أن تستبد بالسلطة حتى تنحر الحريات، وحقوق المواطنين، وهو ما حدث ويحدث في دول النظام الإسلامي، من سني المذهب أو شيعي.

تلخيصا يمكن القول:

1 ndash; إن من الصحيح والدقيق وصف التطرف الديني لفئات من المسلمين بالتطرف الإسلامي، ووصف إرهابهم بالإرهاب الإسلامي، ما دام الدين واجهتم جميعا، وباسمه يقترفون الجرائم، ويعتبرونها 'جهادا من أجل الله والإسلام'؛

2 ndash; صحيح أيضا وصف الإرهاب الدموي الإسلامي بالإرهاب الفاشي. وعبارة 'الفاشية الإسلامية' وردت مرارا في مقالات عدد من الكتاب العرب والعراقيين قبل أن يستعيرها بوش. ترى ما هي الفاشية؟ إنها كل أيديولوجية، وحركة سياسية، معاديتين للديمقراطية، وتعاديان الإنسان بسبب الدين، أو العرق، أو الرأي المخالف، وإن الإرهاب الإسلامي يعادي حتى المسلمين الذين يرفضون منطقه وممارساته. إن الفاشية تستخدم أساليب القسوة، والوحشية، لفرض قوانينها، وفكرها، وهيمنتها، وهذا ما يميز الإرهاب الإسلامي، الذي لا يأبه بأرواح الآلاف من الأبرياء ولا يتورع عن استخدام أكثر الأساليب دموية، وانحطاطا خلقيا، كاستخدام النساء المعوقات وقودا، وكقطع الرقاب.

لقد سبق لنا معالجة هذه النقطة بعد تصريح بوش عن فاشية الإرهاب، وضجة الإسلاميين ومن انخدع بهم. لقد كتبنا في مقال 'الحرب الأخرى' بتاريخ 13 آب 2006 ما يلي:

'نعم، الأصولية الإسلامية المتطرفة هي فاشية القرن الواحد والعشرين، وليس بوش أول من وصفها بذلك، بل سبقه لذلك نخبة من خيرة الكتاب العراقيين والعرب. إن الفاشية في أوروبا واليابان كانت تقوم على الكراهية، واحتقار حياة البشر في السعي للتوسع والفتح المستمرين، وهنا وجه المقارنة مع الحرب التي يشنها التطرف والإرهاب الإسلاميان، وبدلا من عقد الاجتماعات من جانب عدد من الجمعيات الإسلامية في الغرب احتجاجا على وصف بوش، فقد كان واجبا تنظيم اجتماعات، ومظاهرات، احتجاجا واستنكارا للمخطط الإرهابي الإسلامي، والمخططين له، والمكلفين بالتنفيذ، إن هذه نقطة هامة أكد عليها الأستاذ عبد الرحمن الراشد في الشرق الأوسط ليوم 13 آب 2006 قائلا، نعم إنها لفاشية إسلامية، و إن هذا لا يعني أن المسلمين فاشيون.' إن هناك فئات من بين مئات الملايين من المسلمين هي الدموية، والفاشية، نهجها القتل الجماعي، ونشر الرعب في كل مكان.

3 ndash; إن للتعليم، الديني منه والمدني، أهمية كبرى في تغذية، ونشر عقلية التطرف الديني، والنظرة المغلقة للأمور. إن كتاتيب باكستان، والسعودية، وغيرهما قد صدّرت مئات الإرهابيين، وإن التعليم المدني في دول عربية عديدة يغذي التطرف، والتزمت، ورفض الآخر، ويغلق أفق استقلالية التفكير، ونشير مثلا للمقالات الهامة التي نشرها مؤخرا الأستاذ عادل جندي عن برامج التعليم في مصر.

4 ndash; ما دام محور مقالنا هو اشتداد خطر الإرهاب الإسلامي في الغرب فنود إبداء ملاحظتين:

الأولى هي ما أكد عليها، وكررها، عديد من الكتاب بعد تفجيرات نيويورك، ومدريد، ولندن، ونقصد التساهل المفرط من جانب الدول الغربية، ولسنوات طوال، لدعايات ونشاط المتطرفين الدينيين، وما نجم عن ذلك التساهل من استغلال بشع للحريات القائمة لممارسة وتنفيذ عمليات إرهاب إسلامي دموية. إن من حسن الحظ أن تلك الحكومات قد اتخذت بعد التفجيرات تدابير صارمة لحد طرد عدد من أئمة الجوامع المبشرين بالكراهية، والمحرضين على معاداة غير المسلمين. إن هذا الحزم شرط أول لتفادي الإرهاب جهد الممكن، مع أن تفاديه بالمطلق غير ممكن. إن عودة إلى مقالنا عن سركوزي و'العلمانية الإيجابية' ضرورية لنقول إن أي تعديل لقانون 1905، أو لدستور 1958، سوف يعتبره المتطرفون الإسلاميون، واتحاداتهم، وجمعياتهم، 'نصرا على فرنسا الصليبية'، وسوف يغريهم ذلك بالعمل على فرض مزيد من التنازلات، كأن تعود حملتهم لإلغاء قانون 2004 الخاص بحظر الرموز الدينية في مدارس الدولة؛

الملاحظة الثانية: تخص هوس الغرب، وأمريكا خاصة، بإجراء الانتخابات، حيثما كان، ومهما كانت الظروف والمعوقات، ودون نظرة بعيدة للعواقب. إن هذا الهوس، والضغط، أديا في بعض الأحيان لانتخابات تقوي مراكز المتطرفين، أو حتى وصولهم للسلطة، ولدينا مثال حماس، ومثال العراق، والانتخابات في الكويت، ومصر، حيث صار فيهما للإسلاميين موقع قوي في البرلمان. إن الانتخابات لا تعني، بحد ذاتها، ولوحدها، بناء الديمقراطية، وإن إجراءها في ظروف سيادة الجهل، أو الطائفية، أو الحساسيات القبلية، يؤدي لعكس المطلوب. إن انتخابات العراق أدت لصعود الأحزاب الدينية للسلطة، وما نراه من محاصصة في السلطة وكل مراكز الدولة، ومن انتشار الطائفية، والفساد المستشري، وانعدام للخدمات، وسيطرة المليشيات على رقاب الناس، وخنق حرياتهم الشخصية، ألخ. ألخ. لقد عالج هذه النقطة مؤخرا، وهو بصدد مواقف حماس، الأستاذ طارق الحميد بتاريخ 30 المنصرم، حيث أشار لضغط بوش الذي أدى للانتخابات، وصعود حماس، التي 'سرعان ما قالت إنها لا تقبل باتفاق أوسلو، ولا بالاتفاقات المبرمة من قبل منظمة التحرير، بل انقلبت على أبو مازن بالسلاح بعد اتفاق مكة، واليوم يقال لكل من يخالفها إنه أمريكي!' نضيف من جانبنا أن آخر 'غزوات' حماس الإسلامية استباحة الأراضي المصرية! أما بالنسبة للإخوان المصريين، فلولا الضغط الأمريكي على مبارك لما كانوا قد وصلوا إلى البرلمان المصري بهذه الكثافة.

أجل، ليست كل انتخابات، حتى لو كانت حرة الاقتراع، تؤدي لبناء الديمقراطية، فحرية صناديق الاقتراع غير كافية.

اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونية