يؤكد نوربرت وينر إلى أن مجتمع المستقبل يقوم على المعلومة. نعم المعلومة تلك التي تمثل كلمة السر والمفتاح نحو التغيير والتبديل والتحويل والتفعيل. وبالقدر الذي توقف الغرب عند المجمل من الانحرافات التي نالت مسيرته الحضارية، عبر قيام حربين عالميتين، كان لهما الأثر المباشر على الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية، إلا أن الإصرار على الحياة، جعل منهم، يحولون تلك الهوة السحيقة التي هددت كيانهم، إلى أداة ووسيلة للتحريض وإعادة النظر في كل شيء، ولم تكد الحرب العالمية الثانية تضع أوزارها حتى كان التوجه، نحو وضع التجربة التاريخية التي عايشها الغرب، على طاولة التشريح والاختبار والقراءة والدرس. وهكذا كان التوقف عند ثنائية (التنظيم- الفوضى)،تلك التي يتم من خلالهما اختبار مجال التدهور والتقدم في مجتمع ما.
جاءت علوم السبرانية Cybernetica، لتنظم مجال السيطرة والتحكم على توزيع المعلومات وتداولها وإعادة الإنتاج لها.تلك العلوم التي تعود بأصولها إلى سنوات الحرب العالمية الثانية، والتي تعتمد على المنطق الرياضي في قراءة فعاليات التحكم والتوجيه، وصولا إلى إبراز سمات الأسس العامة للتواصل ورصد مجال التطبيق التقاني لها.من خلال اعتماد المراقبة الراصدة الساعية نحو التطبيق الصارم، فيما جاءت المؤتمرات العلمية ليتم من خلالها تحديد مسار التوصيفات ومجال الاشتغال المنهجي، ذلك الذي تركز حول قراءة موجهات قياسات الذكاء والعقل البشري، وكانت اتجاهات القراءة الفاعلة قد تبدت في الوسط الأمريكي، حيث مجتمع المهاجرين ومحاولة ترصد حالات الاندماج فيه، وتمييز مدى العلاقة القائمة بين الفرد والبيئة التي يعيش فيها، عبر تحديد مسار التوقعات، من خلال الغور العميق في قراءة مجمل الأفعال الواعية منها وغير الواعي.إنه مقياس (المراقبة ndash; التوجيه) في سبيل السيطرة على التوازن الاجتماعي.
أفرزت سنوات الثلاثينات من القرن العشرين، جملة من العلاقات المرتبكة، تلك التي قامت على تحديد مسار التنميط، تحت دعوى النظام والانخراط في تجلياته، حيث النازية والفاشية، حتى كانت الأعراض وقد تكثفت عند حالة الانغلاق، باعتبار المسعى نحو تقديم التوافق والانسجام، لكن هذه الانغلاقية، كانت تحمل في كينونتها، أعراض الوهن والضعف، باعتبار حالة التآكل التي عانت منها فعاليات التبادل الاجتماعي في داخله، مما أتاح الفرصة نحو تسلل عوامل الفوضى والتداخل والاضطراب. وإذا كانت الفوضى، بمثابة النقيض للنظام، فإن الارتكان على تفعيل مسار المعلومات، سيعمل على تركيز مسار الانتظام، حيث القاعدة الواسعة واليسيرة للتواصل، تلك التي يتم فيها تبادل المعلومات بحرية غير خاضعة للقيود. ومن هذا التفاعل فإن النتائج ستبرز مسارا أوسع من التفاعلات، يكون القوام فيها مستندا إلى حصر مجال التضليل والتعصب، هذا بحساب أن المسعى الأصل في تلك الفعالية إنما يقوم على تنظيم فعاليات التواصل الاجتماعي، عبر تمييز العناصر الفاعلة فيها وشبكة العلاقات المستندة إليها.، إنه التبادل الرافض للمجمل من القيود والاحتكار للمعلومات، وهو المسعى نحو الكشف والتبادل الحر، سعيا إلى تركيز مسار المجتمع المفتوح الخالي من مظاهر الاستغلال والهيمنة البشعة التي تمارسها الأنظمة الدكتاتورية.
جاءت السبرانية لتواصل حزمة جهودها في مجال تفعيل مدى العلاقة القائمة بين مختلف العلوم من ؛ بيولوجيا ورياضيات وعلم نفس، سعيا إلى تركيز مجال السيطرة والتحكم في حقل التواصل المستند إلى المحاولة الدائبة نحو تفكيك منظومة الاتصال العام، هذا مع أهمية التوقف عند الأصل العسكري الذي استند إليه هذا العلم، باعتبار المسعى نحو الإفادة من علوم الرياضيات في تقدير حجم فعاليات الطرف المقابل.
لقد توقف وينر لا سيما في كتابه الاستعمال الإنساني للكائنات الإنسانية، الصادر عام 1950، عند القراءة العميقة لفعالية الاتصال على المستوى الاجتماعي، من خلال الاستناد إلى تمييز مفاصل وحدود (النموذج)، وبناء على التوظيف المنهجي الدقيق لعلوم الرياضيات، فإن أبحاثه و ترصداته قادته نحو التطلع نحو الأخذ بالنموذج الدائري في الاتصال، ونبذ طريقة الاتصال الخطي التقليدي، هذا باعتبار أن القوى المسيطرة والمهيمنة راحت تعززت من مسار سيطرتها على الإعلام، وما خلفته هذه الحالة من الدأب الذي لازم المزيد من الأطراف للإمساك بقياد المال والسلطة، عبر توظيف الوسائط الاتصالية نحو خدمة مصالحها الخاصة. إنها السيطرة التي جاءت في أعقاب الهيمنة على المجمل من الممارسات، وهكذا يتم تقييد الممارسات، وصلا إلى النهاية التي تعرض لها عصر الأيديولوجيا، ليبدأ الحديث الجاد عن الانفتاح على حالة التصور الجديد القائم على ثورة المعلومات والتقانة الذكية، تلك التي راحت تؤكد، حالة التغيير في تطلع الجنس البشري نحو المستقبل، برؤى شديدة الاختلاف عن المألوف والسائد والبديهي.

أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونية